ذهبت حكومة وجاءت أخري, رحل مدير وجاء آخر, والاهمال ينشب أظافره في معهد القلب, ذلك المكان الذي كان قبله الموجوعين في قلوبهم, أصوات آهاتهم تسبق خطواتهم, وهم يقفون أمام أبوابه يجدوهم الامل في شفاء قلوبهم العليلة, لكن مشكلات الإهمال تفاقمت واستعصت علي مسئولي المعهد ليبقي السؤال:..ماذا أصاب معهد القلب؟ وما الذي ينقصه ليقوم بدوره في علاج أوجاع القلوب التي تزايدت في السنوات الاخيرة؟ هل المشكلة إدارية أم نقص في الامكانات والاجهزة أم ماذا؟ بحثنا عن الاجابات لعلنا نضع النقاط فوق الحروف ونساهم في حل أزمة مواطنين يبحثون عن علاج لقلوبهم الموجوعة. بعد أن غاب أي تطوير أو تحديث لعيادات المعهد المجانية طيلة السنوات الثلاث الاخيرة. علي أبواب معهد القلب تتعدد الحكايات التي توجع القلب من بينها حكاية الحاج محمود(78عاما) الذي يقف متكأ علي كتف ابنه الاصغر حامد لينتظر دوره في العيادات الخارجية لمعهد القلب القومي وكالعادة التي لا تتغير منذ أن عرف طريق المعهد قبل3 سنوات يأتي مبكرا ليجد مكانا يجلس فيه منتظرا دوره في الكشف وهو الأمر الذي قد يطول لساعات وساعات وربما يحتاج الأمر إلي تمديد جسده الضئيل الذي أعياه ضعف الشرايين وضيق الصمامات علي احدي الدكك المنتشرة حول العيادات والتي لا تكفي بأي حال من الاحوال لأعداد المرضي الغفيرة التي تجوب في المكان, حديث محمود كشف مشهد المرضي وذويهم مفترشي الرصيف بجوار المعهد والذين أعياهم السفر والانتقال من محافظاتهم إلي القاهرة فغلبهم النوم وناشدوا الراحة في ظل شجرة بجوار رصيف المعهد وباب بنك الدم الملحق به. أما حالة الحاج محمود الذي ظهرت عليه أعراض المرض في سن متأخرة وبدأت بحالات ضيق التنفس وتكرار الاغماء وعدم القدرة علي الحركة وبدأ الحاج محمود في المرور علي المستشفيات بدأ بقصر العيني الفرنساوي والذي أجري فيه عملية قسطرة تشخيصية وعلاجية تكلفت12ألف جنيه حصل عليهم من خلال قرار علاج علي نفقة الدولة ولم يشعر الحاج محمود بتحسن كبير بعد الجراحة وبدأت رحلته مع معهد القلب الذي نصحه فيه الاطباء بالانتظار لأن حالته لا تحتاج إلي جراحة أخري وظل الاطباء علي نفس الرأي بالرغم من أن الحاج محمود أصيب بجلطة منذ6 أشهر وبالرغم من توجهه في البداية إلي المعهد إلا أن الاستقبال تعامل معه كحالة طواريء وقدم الاسعافات الأولية وفقا لكلام الابن وطلب منهم التوجه إلي مستشفي آخر لعدم وجود أسرة بالرعاية. ونظرا لكبر سن محمود يلجأ ابنه أحيانا إلي توفير مبلغ من المال ليدفع ثمن تذكرة الكشف الاقتصادي80جنيها والتي تثقل كاهله ولكنها تغنيه عن مذلة الانتظار وحرارة الجو وفي معهد القلب تتفرع الممرات وتتشابه وتمتليء جميعها بالمرضي الجالسين والنائمين علي المقاعد والأرض ودرجات السلالم وبين الكثير من الاوراق واللافتات المعلقة هنا وهناك لفت نظري سهم مكتوب عليه مركز شكاوي المواطنين تتبعت الاسهم لأصل إلي غرفة صغيرة جدا لا يتسع بابها إلا لدخول شخص واحد ويجلس بها محمود نصر طه مدير خدمة المواطنين والعلاقات العامة والإعلام وسألته عن حجم وأنواع الشكاوي التي تدخل له يوميا من هذا الباب الصغير فأجاب أنها تتراوح بين70و100شكوي متنوعة من جميع الاقسام وأغلبها لمرضي لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج من تذكرة الكشف وتكاليف التحاليل وحتي إجراء القسطرة والجراحات وهناك شكاوي من خلافات بين المرضي وبعضهم أو المرضي وأطقم التمريض ويري محمود طه الذي تتم سنوات خدمته في معهد القلب هذا العام22 سنة أن مشكلات المعهد تمثل مشكلات قطاع الصحة في مصر فالموارد محدودة والتكاليف كثيرة والحلول معروفة ولكنها لا تتم فعلي سبيل المثال معروف أن كثيرا من المرضي يأتون من المحافظات فلماذا لا تتوسع الوزارة في بناء مراكز في عواصم المحافظات ويتم ندب الاستشاريين الكبار لها في أيام معينة من الاسبوع ويلوم طه أيضا علي وزارة الصحة التي تقدم قرارات علاج غير واقعية فكيف تعطي لمريض يحتاج إلي علاج شهري من دواء معين للقلب تكلفته شهريا1200جنيه فيصدر القرار ب600جنيه للعام كله!! وكيف يقدم لمريض يحتاج إلي جهاز تنظيم ضربات القلب ثمنه60.0000جنيه فيصدر له قرار ب4000جنيه فقط كل هذه الجوانب تحتاج إلي تنظيم شديد ليشعر المواطن أنه يحصل علي حقه في العلاج ويري طه أن وزير الصحة اذا أراد أن يترك ولو بصمة صغيرة جدا في هذا القطاع فعليه أن يصلح منظومة الاسعاف ومنظومة الرعاية المركزة أولا. توجهت إلي مكتب الدكتور محمد عزيز عزت استشاري جراحة القلب وعميد معهد القلب القومي وبادرته بسؤال عن مدي توافر الامكانات المادية للمعهد وعلي عكس كل الاجابات المتوقعة فاجئني الدكتور عزيز بأن موارد المعهد التي يحصل عليها من الجراحات والمناظير والتحاليل وتذاكر الكشف تكفي التكاليف المطلوب إنفاقها وأن الميزانية المقدمة سنويا من وزارة الصحة تخصص للعلاج المجاني وهي عادة لا تكفي أكثر من أشهر يبدأ بعدها المعهد في اللجوء إلي الحصول علي المطلوب من حساب التبرعات ويوضح الدكتور عزيز أن هذا الوضع المادي المستقر للمعهد وعدم وجود ديون عليه لأي جهة ربما لا يدوم بسبب قيام وزارة المالية خلال الشهر الماضي بالحصول علي20% مما يعرف بالصناديق الخاصة بالإيرادات وهذا القرار قد تظهر اصداءه علي المعهد والعاملين فيه بعد عدة أشهر.. أما المشكلة الكبري التي يعاني منها المعهد الآن فهي نقص التمريض بشكل كبير ربما يرجع إلي قرار قد صدر منذ سنوات بزيادة عدد سنوات الدراسة في التمريض من3 إلي5 سنوات مما أدي إلي وجود عامين كاملين بدون خريجين كذلك ارتفاع سن أطقم التمريض الحالي بمتوسط خمسين عاما وعدد الممرضات الآن بالمعهد نحو500 فقط يوزعن علي نوبتجيات علي مدار اليوم ويتعاملن مع أكثر من1000 مريض يوميا وهو متوسط عدد الحالات التي تتردد علي العيادات الخارجية فقط. سألت الدكتور عزيز: قوائم الانتظار وأعطال الأجهزة وعدم توافر أسرة بالعناية المركزة ثلاث مشكلات كبري تواجه معهد القلب ومنذ سنوات وبالرغم من تعاقب الادارات والوزارات المختلفة عليه فإن المشكلات باقية ولم تتغير أو تزول برحيل رأس الادارة؟ فأجاب لأن النظام الحكومي واحد وثابت ولا يتغير ولكننا نسعي للقضاء علي كل السلبيات فقوائم الانتظار في الجراحات والتي كانت تمتد إلي سنوات أصبحت الآن6 أشهر في الجراحات وشهر ونصف في القسطرة التي يجري منها يوميا900حالة قسطرة. ومنذ أيام قليلة تم تخصيص غرفة عمليات من ال7 غرف المخصصة للجراحات في المعهد لتكون خاصة بجراحات الطواريء فقط علي مدي24ساعة وهذا يزيد من أعداد العمليات الجراحية اليومية التي كان متوسطها7 جراحات فأصبح11 جراحة في اليوم, كما أن التوسع في انشاء أقسام متخصصة في المراكز والمحافظات خفف قليلا من العبء الملقي علي كاهل المعهد في الجراحات البسيطة حيث مازال ارسال الحالات الخطيرة والمعقدة مستمر. أما احلال وتجديد الاجهزة وعقود الصيانة فهي الآفة التي تأكل في جسد كل المستشفيات الحكومية فالمعهد علي سبيل المثال يحتاج الآن إلي نحو052 جهاز سيرنج بامب والذي لا يستغني عنه المريض بعد الجراحات وفي غرف الرعاية وربما يوضع للمريض الواحد4 أجهزة تكلفة الواحد منها7000جنيه. أما عن توافر أسرة الرعاية المركزة فهي المشكلة التي ارتبط اسم معهد القلب بها منذ سنوات ولكن الدكتور عزيز يوضح لنا أن مريض القلب بصفة خاصة عندما يتم حجزه من قسم الاستقبال أو الطواريء لا يدخل علي أسرة عادية ولكنه يدخل مباشرة علي احدي أسرة الرعاية المركزة الخاصة بأمراض الباطنة قلب والتي يبلغ عددها في المعهد نحو70سريرا وبعد استقرار الحالة ينقل المريض إلي الاسرة العادية بينما عدد الاسرة الخاصة بالرعاية المركزة بعد العمليات الجراحية نحو40سريرا ولعل المريض المتردد علي معهد القلب دائما ما يفضي بهذه الشكوي ولكن المعهد يتعامل مع نحو350ألف مريض سنويا في العيادات الخارجية فقط التي خصص لها مبني كامل وبالرغم من ذلك لم يسعها فقام المعهد بتأجير جزء من مستشفي العجوزة القريب من معهد القلب وإرسال عدد من العيادات هناك بكامل طاقمها من الاطباء والتمريض والاداريين والأمن وربما هذا التكدس أيضا هو ما جعل المعهد يسعي للحصول علي مبني معهد تدريب المراقبين الجويين سابقا بأرض مطار امبابة ليكون مبني للعيادات فقط وعمليات القسطرة ويناشد الدكتور محمد عزيز عميد معهد القلب جميع المصريين المساهمة في اعداد هذا المبني وتجهيزه والانتهاء من تشطيبه من خلال التبرعات خاصة بعد ما لحقه من أضرار بالغة وسرقات عديدة خلال العام والنصف المنصرمة حتي أن رخام الأرض تم سرقته!!