حينما تطالعك إحدى الإحصائيات التى تحمل أرقاما مفزعة بأن 1.6 مليون مصرى يدخلون إلى نادى مرضى القلب سنويا، يتوفى منهم 330 ألف مريض سنويا، وأن 200 ألف من تلاميذ المدارس يعانون من حمى روماتيزمية تؤثر على قلوبهم، وأن 300 ألف مريض يجرون عمليات قسطرة سنويا، تتأكد من معاناة المصريين مع الحكومات المتعاقبة. فى طريقك إلى معهد القلب بإمبابة تجد البوابة الرئيسية «مزينة بالرخام» أمامها حديقة صغيرة يتوسطها نافورة مقابلة لبوابات غير مسموح للمرضى الدخول من خلالها أو الاقتراب منها، وكأنهم يشوهون الصورة الجميلة التى تحاول إدارة المعهد رسمها للجمهور، فالمرضى لهم بوابات أخرى تقع خلف البوابات الرئيسية يجتمع حولها البائعون الذين يعرضون بضائعهم أمام المعهد بشكل يعوق دخول المرضى إليه، بالإضافة وجود العديد من «الغرز» التى نصبت على الرصيف المقابل لتقديم الشاى والمشروبات للمرضى، والتى افترشت. داخل المعهد ترى وجوه المرضى تكتسى بالحزن والألم وهم ينتظرون دورهم للكشف فى العيادات الخارجية، وعند باب العيادات هناك العديد من الحكايات والمشاهد المأساوية.. عشرات من المرضى أغلبهم من المسنين ينتظرون فى طوابير طويلة من أجل توقيع الكشف عليهم. رجب عبدالحميد يقول: حضرت إلى معهد القلب بصحبة زوجتى كوثر عبدالله المريضة، والتى أجرت عملية قلب مفتوح منذ عدة سنوات أدت إلى تدهور حاد فى صحتها العامة ومتاعب بالكلى والكبد، وجعلها أسيرة الكرسى المتحرك بعد أن عجزت قدماها عن تحمل ذلك الجسد المنهك، ويضيف قمنا بإجراء الإشاعات، ولكن كانت المفاجأة بأن أطباء المعهد أكدوا أن زوجتى لا تعانى من متاعب بالقلب، وأن الآلام التى تشعر بها منذ 8 شهور ليست لها علاقة «بالقلب» وكتبوا لها على خروج وتحويلها إلى «مستشفى الحسين» ثم إلى مستشفى «قصر العينى» الذى أصر أطباؤه على احتجازها لتدهور حالتها، علما بأن زوجتى قامت بإجراء عملية قلب مفتوح من قبل، وبجواره وقف أب مكلوم يحتضن ابنته بينما تعالى صراخه يا «إخوانا حرام عليكم بنتى بتموت بين إيديا وأنا لسه واقف فى الطابور». عند قسم «الكشف أو الاستقبال» تجد عدة أجولة محملة بمخلفات المبانى والقاذورات فى استقبالك. بسؤال المرضى ومشرفى الأمن الذين يعج بهم المكان تأتى الإجابات التقليدية على النحو التالى: «بأن كل شىء تمام والخدمة على أعلى مستوى»، ولكن بعد فترة تشجع أحد المرضى، مؤكدا أن هناك شكاوى عديدة يود المرضى البوح بها، بداية من معاملة غير آدمية من بعض الأطباء للمرضى، وبالأخص من الممرضات، فضلا على دورات المياه غير الصالحة للاستخدام الآدمى وعدم نظافتها. أثناء ذلك كانت هناك إحدى السيدات تجلس وحيدة منخرطة فى البكاء وبكلمات متقطعة قالت: «أنا جوزى دخل المعهد بعد إصابته بجلطة قلبية بسبب حادث سيارة تسبب فى إصابته بالعمى، وكان من المفترض أن يُنقل إلى العناية المركزة، ولكن بسبب فقدانه لبطاقته الشخصية فى الحادث رفض الأطباء نقله إليها مما تسبب فى تدهور حالته، حيث إن قسم الاستقبال غير مهيأ للتعامل مع هذه الحالات». حكاية أخرى تعكس معاناة المرضى من طالبى العلاج المجانى ترويها ماجدة حسين إحدى المريضات التى تعانى من متاعب صحية نتيجة وجود دماء أسفل الجلد، بالإضافة إلى تورم بالقدم يحتاج إلى تدخل جراحى عاجل نتيجة دواء خاطئ وصفه لها أحد الأطباء بالمعهد. تقول ماجدة: حضرت إلى المعهد بعد أن شعرت بآلام حادة تطلبت إجراء عملية قلب مفتوح، وكتب لى أحد الأطباء بالمعهد علاجا خاطئا تسبب فى تدهور حالتى الصحية وزيادة نسبة السيولة بالدم نتج عنها تجمعات دموية أسفل الجلد وتورم وتقيحات بالقدم، وأكد لى بعض الأطباء ضرورة التدخل الجراحى. الدكتور محمد عزيز، استشارى جراحة القلب وعميد معهد القلب بإمبابة، قال: «بلا شك هناك العديد من السلبيات، فلا يوجد عمل متكامل، وأنا أعلم أن المرضى يلقون معاملة غير لائقة أحيانا، فالعامل البشرى سيئ وأنا غير راض عنه، ومش حاقدر أمسك لسان كل واحد»، وذلك يرجع إلى الظروف غير المناسبة التى يعمل بها هؤلاء، فالمعهد يتردد عليه يوميا أكثر من ألف حالة، وهى تفوق قدرته العلاجية. وأضاف عزيز الدعم الذى تقدمه الوزارة إلى المعهد كاف، ولكن «الضغط أكثر من طاقتى»، ولابد من التوسع، وهو ما وافق عليه وزير الصحة الحالى الذى منح المعهد دورا كاملا بمستشفى الجمهورية، بالإضافة إلى الموافقة على إنشاء مبنى للعيادات بأرض مطار إمبابة، وعن قوائم الانتظار أوضح عميد معهد القلب أن قوائم الانتظار فى الجراحات التى كانت تمتد إلى سنوات أصبحت الآن 6 أشهر فى الجراحات، وشهرا ونصف الشهر فى القسطرة التى يجرى منها يوميا 900 حالة قسطرة، كما تم تخصيص غرفة عمليات من ال7 غرف المخصصة للجراحات فى المعهد لتكون خاصة بجراحات الطوارئ فقط على مدى 24 ساعة، وهذا يزيد من أعداد العمليات الجراحية اليومية التى كان متوسطها 7 جراحات لتصبح 11 جراحة فى اليوم، كما أن التوسع فى إنشاء أقسام متخصصة فى المراكز والمحافظات خفف قليلا من العبء الملقى على كاهل المعهد فى الجراحات البسيطة، حيث مازال إرسال الحالات الخطيرة والمعقدة مستمرا، أما إحلال وتجديد الأجهزة وعقود الصيانة فهى الآفة التى تأكل فى جسد كل المستشفيات الحكومية. * آه يا وجع القلب.. من بحرى للصعيد الكل فى الهم واحد معهد القلب.. المكان ميدان ابن النفيس بحى الكيت كات بمنطقة إمبابة.. حينما تمر أمامه تجد صرخات شديدة وكأنها خناقة بين أفراد، لكنك إذا ذهبت لتعرف السبب تجد أنه صراخ المرضى بسبب عدم العناية. وإذا كان لديك فضول أكثر فستجد انتشار الزحمة بين المرضى الحاضرين من بحرى والصعيد ويجدون معاناة كبيرة فى العلاج، رغم أنهم فى مكان من المفترض أنه يعالج آلام القلب، لكنهم لا يجدون سوى الإهمال وعدم الالتزام من بعض الأطباء والممرضين، خاصة طول إجراءات الفحوصات وظاهرة اختفاء الأطباء بعد ذلك، بالإضافة إلى تواجدهم أثناء انتظارهم الكشف وسط رصيف يحيط به السيارات باتجاهين والمأكولات الجاهزة الملتصقة بأسفلت الشارع أمام بوابة الاستقبال وبنك الدم التابع المستشفى الذى يحتاج لمعونات فعلية باستمرار للقيام بالدور المنوط به وهو ما لا يتحقق على الدوام.