لم يكن من المفاجأة أن يحدث ما حدث من محاولة لاغتيال وزير الداخلية من خلال سيارة مفخخة أو حتي تفجير انتحاري إذ إنه قد وجد بجوار السيارة بعض أشلاء آدمية يجري الآن تحليلها وفحصها لمعرفة هوية أصحابها.. وعدم الغرابة فيما يحدث رغم ما ينطوي عليه من خسة كما يراه البعض ولكن بالنسبة لمن قاموا به فقد يكون الأمر مختلفا فهو بالنسبة لهم قد يعتبرونه جهادا وذلك في ظل تلك الحالة من التخبط وقلب الحقائق التي عانيناها في ذلك العام المنصرم الذي حكم فيه الإخوان أو تولوا فيه حكم مصر كما يعتقدون.. فمصر في أعقاب عزل الرئيس مرسي بدأت تعيش في حالة من العنف وقد رأينا ما حدث في تلك التظاهرات والاعتصامات التي أكدوا أنها سلمية وهي لم تعرف السلمية من قريب أو بعيد وقد رأينا أيضا عمليات اقتحام السجون وقتل الضباط والجنود علي نحو غير إنساني ويتسم بالحرفية وذلك قبل وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة والتي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير لقد أكد الإخوان أنهم لن يفضوا هذه الاعتصامات وأن الجيش والشرطة لن يستطيعوا فضها وذلك بالنظر لخطورة الوضع وحساسية الموقف.. وأنهم لديهم من القوة الكامنة علي المواجهة وقد كانت معتمدة أيضا حشدهم للرأي العام العالمي الزائف وإن أردت الدقة فقل للإدارة السياسية الأمريكية وتوابعها من الدول الأوروبية.. وعلينا أن نميز ما بين الإدارة السياسية وما بين الشعب في كل دولة من الدول فالرأي العام الدولي يتعلق بالشعوب وليس الإدارات وأن ما تحاوله الرئاسة الأمريكية وموقفه المؤيد للإخوان يدل علي أن هناك مؤامرة أو صفقة قد بات يعرفها الصغير قبل الكبير والقريب قبل البعيد ومن ثم يجب علينا ألا نطلق ونعمم ونتحدث عن أن هناك رأي عام دوليا يؤيد الإخوان ويأخذ موقفا مضادا من الحكومة المصرية.. ومن المؤكد أن هناك قصورا في دور الإعلام المصري وأن دور الخارجية أو الدبلوماسية ليس بكاف أو علي الأقل لا يتناسب مع حجم الحدث.. وأن التذكير للولايات المتحدةالأمريكية والشعب الأمريكي بتلك العقدة النفسية التي عاشها من جراء الإرهاب في أحداث سبتمبر أمر قد يجعلهم ينقلبون علي الإدارة الأمريكية ويضع أوباما في موقف حرج للغاية وأيضا الولاياتالمتحدة علي اعتبار أنها دولة راعية للإرهاب وأن عليهم أن ينظروا إلي العنف الذي يمارس في مصر وتلك الأحداث الدموية التي تقع ضد الأبرياء وقد رأينا كم الضحايا الذين سقطوا في ذلك التفجير الإرهابي من أطفال وحتي جنسيات مختلفة.. فهل هؤلاء هم الذين تدعي الولاياتالمتحدة وأقصد الإدارة الأمريكية أنهم أصحاب الشرعية وهل تمكين الديموقراطية التي تدعي الإدارة الأمريكية اهتمامها بها وحرصها عليها يمكن أن يأتي من أناس لا يعرفون سوي لغة العنف والقتل والتحريض.. وهل لم تشاهد الإدارة الأمريكية أو الشعب الأمريكي ما كان يحدث في رابعة والنهضة من جانب رءوس الإخوان من تهديدات بالقتل والتفجير وحرق مصر فهل هؤلاء من النموذج الذي يصلح لأن يمكن ديمقراطيا وهل الرأي العام الأمريكي والأوروبي إذا ما شهد هذه المواقف وسمع تلك التصريحات والتهديدات الفجة ورأي هذه الوجوه التي تتوعد يمكن أن يكون مؤيدا لها.. ؟ الإجابة القاطعة لابد وأن تكون بالنفي لقد كان فض اعتصامي رابعة والنهضة مفاجأة لهم قد أطارت عقولهم وتبخرت معها أحلامهم وهم يظنون أنهم يمكن أن يساوموا كثيرا أو يمكن أن يكون لهم موضع قدم في لعبة السياسة والحكم وقد كانت التكلفة أقل مما كان متوقعا كل ذلك جعلهم يستشيطون غيظا ويلتهبون لذلك فإنه من المتوقع أن تكون هناك بعض المحاولات للتفجيرات واغتيال الرموز والعناصر السياسية والغرض إثبات الوجود وأن تصبح هذه الأحداث بمثابة أوراق للضغط علي القيادة السياسية إذ إنها يمكن أن تعتبر أحد الأبواب التي يمكن أن يلج منها البعض لعمل ما يعرف بالمصالحة وهو ذلك المصطلح والمفهوم الذي ليس له أرضية في الواقع.. إذ كيف يمكن أن يكون هناك تصالح مع القتلة ومع الإرهاب الذي يمارس ضد شعب مصر والذي يستهدف ليس فقط الشخصيات والرموز السياسية ولكن قتل مصر كدولة.. لا يمكن لعاقل أو حتي موتور أن يتحدث عن المصالحة مع هؤلاء ومن هم الذين يتحدثون عن التصالح معهم؟ هل هم الإخوان المسلمون أم الحمساوية أو الإرهابيون الذين جعلوا من كل حدب وصوب وأتوا إلي مصر ليجعلوا منها مسرحا للعمليات الإرهابية لصالح فصيل معين أو حتي مجموعة من المصالح السياسية والاقتصادية التي تقف وراءها عدة دول وقوي سياسية وذلك لتحقيق أهداف أبعد وأعمق مما يسعي إليه الإخوان المسلمين والذين هم في هذه الحالة ليسوا سوي مرحلة أو حتي جسر وقنطرة يتم العبور من خلالهما.. إلي تحقيق الأهداف والمخططات القديمة للعديد من الدول وإن كانت إسرائيل هي المستفيد الوحيد.. نحن لا نجيد القراءة الشاملة للمواقف وقد تستغرقنا الأحداث المتفرقة وتفاصيلها ولكننا لا نستطيع أن نمد الخطوط بينها وبين الأحداث التاريخية الأخري المشابهة ونقرأ المشهد جيدا فنعرف ما وراءه.. ما يحدث في المنطقة قد يراه البعض أنه تحقيق لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد الذي كتب عنه شيمون بيريز وهو شرق أوسط تكون إسرائيل هي المتسيدة فيه اقتصاديا وذلك من خلال السيطرة علي الموارد الاقتصادية للدول العربية وهي تدعي أن ذلك يمكن أن يحقق لها الرفاهية أي للدول العربية ولكن الغرض من ذلك هو أن تصبح إسرائيل قوي عالمية كبري ومسيطرة يمكن لها أن تتحكم في قيادة ليس فقط المنطقة وإن كانت هذه هي الخطوة الأولي في طريق قيادة العالم وهم لايعلنون أنهم يريدون تفتيت الدول العربية وتحويلها إلي دويلات ولكن ذلك هو الحادث علي أرض الواقع ولكن المخطط الأكبر هو الوصول إلي تحقيق حلمهم الدفين والذين لن يحيدوا عنه ولو قيد أنملة وهم علي استعداد لأن يشعلوا العالم كله في سبيله وهو ما يعرف توراتيا بالملك الصهيوني أو دولة إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات ذلك هو ما لايدركه الإخوان أو يدركون ولكنهم يريدون أن يلتفوا علي ذلك الواقع ويقتنصوا هذه اللحظة لعلهم يستطيعون تغييره ويقومون بتحقيق حلم الخلافة وذلك أيضا ما تدركه إسرائيل.. ذلك ما يقف وراء ما يحدث والذي يمكن أن يعيده إلي أذهاننا ذلك الحادث التفجيري إرهاب التسعينات الذي وقفت أمامه مصر وقدمت العديد من الضحايا للشرطة.. ولكن الأمر الآن قد يكون اصعب بعض الشيء وذلك لأن الإخوان قد جاءوا إلي الحكم وفي خلال ذلك العام قد فتحوا أبواب مصر علي مصراعيها وجلبوا هذه العناصر وكذلك عمليات العفو العشوائية التي أخرجتهم.. ومن المؤكد أن ذلك لم يكن عفويا وإنما قد كان من أجل التحسب لتلك اللحظة فهم يعلمون أن جيش مصر له تاريخه الوطني العريق من أيام عرابي وأنه لايمكن أن يكون له أية انتماءات أو يتبع فصيلا أو تيارا معينا ولكنه هو ينحاز دائما لمصلحة الوطن والشعب لذلك فقد أرادوا أن يجعلوا من هؤلاء الإرهابيين والمارقين الذين استغلوا فرصة انشغال الدولة وحالة عدم الاستقرار السياسي وجعلوا من سيناء معمل تفريخ لهم.. أرادوا أن يجعلوا منهم ظهيرا لهم وبديلا يمكن أن يكون أحد مصادر التوتر والقلق وعدم الاستقرار علي النحو الذي قد تنجح معه مساعيهم ومخططاتهم.. ومع ذلك التأييد الدولي الذي مصدره تلك الصفقة المشبوهة فالاحتمال يمكن أن يكون قويا في هذه الحالة ويمكن أن تزداد فرص النجاح.. ذلك ما راهن عليه الإخوان بالاعتماد علي هذه التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وطالبان وحماس وكتائب عز الدين القسام.. ومن المؤكد أن الوضع غاية في الخطورة والصعوبة ولاسيما في ظل ذلك الوضع الاقتصادي الحرج الذي يدركونه ويدخلونه في أحد معطيات اللعبة أو رهانهم.. ولكن من المؤكد أن ذلك المخطط قد قطع عليه الطريق بعد ثورة30 يونيو بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة والقبض علي الرءوس المحرضة وإخضاعها للقانون.. ولكن هذه العمليات يمكن أن تقع ما بين الحين والآخر ولكنها لن تكون كما قد يتصور أو يعتقد البعض سوف تدخلنا في دوامة من العنف.. لكنها ستكون بعض العمليات المتفرقة اليائسة.. ولن تتحول مصر إلي العراق من خلال هذه التفجيرات والعمليات الانتحارية ولكن سيتم السيطرة علي ذلك الأمر لكن.. ما يخشي هو التكلفة المتوقعة في ظل حالة الانهيار الاقتصادي وأن ذلك يمكن أن يؤجل حدوث أي انطلاقة اقتصادية ولكنها ستكون فترة ولن تطول وعلي الولاياتالمتحدة أن تتذكر ذلك المؤتمر الذي عقد منذ عقدين وهو المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب وأنها باعتبارها الدولة التي تقود العالم أو الدولة التي تحافظ علي الديمقراطية وتمكينها أن تتراجع عن موقفها لأن ما يحدث في مصر لابد وأن يطولها وتمتد إليها التفجيرات حال فشل ذلك المخطط فإن هذه الجماعات المنتشرة بفروعها في العالم سوف تنقلب علي الولاياتالمتحدة وتوجه ضربات قاتلة لمصالحها فالإرهاب كما يقولون ليس له دين أو وطن وعليها ألا تنسي أنها هي التي صنعت طالبان والقاعدة في أفغانستان لمواجهة الروس في ظل الحرب الباردة وأنهم هم من انقلبوا عليهم ونفذوا عملية11 سبتمبر التي كانت ولا تزال عقدة لدي الشعب الأمريكي تفوق عقدة فيتنام. دكتوراه في العلوم السياسية [email protected] رابط دائم :