بادرت حركة حماس برفض اتفاق أوسلو واتهمت القائمين عليه بالتفريط, ومن ثم رفضت السلطة الوطنية الفلسطينية, وعملت باستمرار علي تحديها وافشال جهودها من أجل اسقاط عملية التسوية السياسية برمتها, وبدأت الحركة في القيام بعمليات تفجيرية في اسرائيل وتعمدت القيام بمثل هذه العمليات كلما لاح في الأفق ما يفيد بقرب استئناف مفاوضات او بدء عملية انسحاب اسرائيلي من اجزاء من الأراضي المحتلة, كما حرصت حماس علي اظهار التحدي العلني للسلطة الوطنية حتي في ظل قيادة عرفات, فقد حرصت علي أن تتم تسوية بعض الخلافات او النزاعات مع السلطة الوطنية او عناصر الأمن الفلسطيني من خلال مفاوضات ثنائية تؤشر علي توازن قوي واضح بين الطرفين, وعندما اقدمت عناصر من الحركة علي اختطاف جندي اسرائيلي رفضت الحركة تقديم اي معلومات للسلطة الوطنية, بينما قدمت هذه المعلومات للحركة الإسلامية داخل اسرائيل. وطوال الوقت كانت حركة حماس تري في التفاوض مع اسرائيل خيانة لقضية فلسطين وتري في التفاعلات الإقليمية والدولية التي نسجتها السلطة الوطنية بقيادة فتح, تسليما وانهزاما. وعندما بدأ الترتيب لأول انتخابات تشريعية فلسطينية عام1996, قاطعت حماس هذه الانتخابات لأنها تجري وفق اتفاق اوسلو الذي ترفضه الحركة و تعمل علي اسقاطه, وعندما قرر فصيل صغير من الحركة بقيادة عماد الفالوجي خوض هذه الانتخابات تم فصله من الحركة, وخلال الفترة من1996 وحتي2005 واصلت حماس عمليات المقاومة المسلحة بهدف تحرير فلسطين من البحر إلي النهر, وواصلت القيام بعمليات تفجيرية مبرمجة لوأد اي جهد لمواصلة التسوية السياسية, ووجدت اسرائيل في الكثير من عمليات الحركة ما يبرر لها تجميد اي جهد, ويخفف عنها اي ضغط دولي. وبعد وفاة الرئيس عرفات رفضت حماس خوض الانتخابات الرئاسية, وأعلنت خوض الانتخابات البلدية فقط لخدمة الشعب اما التشريعية فلا لأنها تتم علي اساس اوسلو, وبعد الانسحاب الاسرائيلي من القطاع بدأت الحركة تتحرك للسيطرة عليه, وهي بالفعل تسيطر عليه لأنه معقل النفوذ ومكان انطلاق النشاط, ومع بدء الحديث عن إجراء الانتخابات التشريعية الثانية, بدأت الحركة تتحدث عن خوضها لهذه الانتخابات دون التفريط في أي من الثوابت, وخاضت حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية في الخامس والعشرين من يناير2006 بقائمة الإصلاح والتغيير وحصدت الأغلبية الساحقة,76 مقعدا من132 مقعدا, وهو عدد يعطي الحركة الحق في تشكيل الحكومة منفردة, ومثلما كان الفوز ساحقا كان المأزق كبيرا, فالحركة لا تستطيع سياسيا تشكيل حكومة بمفردها لأن جوهر الحكم يتناقض مع اساس ميثاق الحركة, فحكومة السلطة الوطنية تستند في وجودها علي اتفاق اوسلو, وقرارات الشرعية الدولية التي تنهض علي دولة فلسطينية علي الأراضي المحتلة في يونيو1967, وايضا التعامل مع واقع فلسطيني واقليمي ودولي معقد للغاية ابسطه التواصل مع الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة للحصول علي المساعدات اللازمة للنفقات الجارية بما فيها, رواتب الموظفين والانفاق علي المشروعات في مختلف المجالات. ويعني ذلك ان حماس حتي تشكل الحكومة وتواصل العمل عليها ان تعترف باسرائيل او تتعامل معها واقعيا, ومن ثم تسقط البند الذي يدعو إلي تدمير اسرائيل, ومعه بند فلسطين من البحر إلي النهر, وتقر بالتفاوض وتسقط الخيار العسكري, وتتوقف عن العمليات التفجيرية. وهي حزمة من التغييرات يصعب ان تقدم عليها حماس علي الأقل في مدي زمني قصير, فثمن ذلك سيكون فقدان المصداقية وتفكك الحركة وانشقاق كوادر وقيادات.. في نفس الوقت حرصت حماس علي تأكيد انها ليست منظمة جامدة, بل تتكيف مع المتغيرات الإقليمية الدولية, وإن حرصت ايضا علي أن تقول بأن التكيف لا يعني الإطاحة بالثوابت, ولذا حرصت علي إصدار اشارات متتالية تفيد القدرة علي التكيف, ومن بين ابرز هذه الاشارات اسقاط البند الداعي إلي تدمير اسرائيل من البرنامج الانتخابي للحركة, القول بإن المفاوضات مع اسرائيل ليست حراما, الاستعداد لتوقيع هدنة طويلة المدي تتجاوز عشر سنوات مع اسرائيل, الاستعداد للتوصل إلي اتفاق علي إقامة دولة فلسطينية علي حدود ما قبل الخامس من يونيو1967 إعلان رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل استعداد الحركة لتوحيد جميع الأجنحة العسكرية في جيش فلسطيني واحد مبدأ وحدة السلاح الذي نادت به حكومة فتح ثم تصريح احد قادة الحركة بان الولاياتالمتحدة ليست عدوا للحركة وان واشنطن تمتلك الكثير من اوراق التسوية للقضية الفلسطينية. إن حماس في جوهرها حركة سياسية تستند إلي اساس ديني, تريد الوصول إلي السلطة, وفي طريقها إلي ذلك تبنت برنامجا ايديولوجيا, وما أن حازت علي الأغلبية البرلمانية حتي وجدت برنامجها عقبة في طريق تسلم السلطة, ومأزقها الحقيقي يتمثل في رغبتها في التكيف التدريجي مع الحقائق الإقليمية والدولية والذي يتطلب تعديلات جوهرية في ميثاقها, بينما الوقت ضاغط بقوة, سعت للخروج من هذا المأزق عبر دفح فتح للائتلاف معها والقيام بما يحرمه ميثاقها حاليا عليها مثل التفاوض مع اسرائيل ومواصلة التسوية وفق اوسلو وفتح ادركت ذلك جيدا ومن ثم امتنعت عن قبول عرض حماس, في نفس الوقت لا يمكن للأخيرة ان تحدث التغيير المطلوب دفعة واحدة وإلا تهاوت الشعارات وانكشفت برجماتية الحركة وتعرضت للتمزق, لذلك عملت حماس علي ارسال رسائل طمأنه للغرب والقوي الدولية مفادها واقعية الحركة وقدرتها علي التكيف والمقابل منح الحركة فسحة من الوقت لتجري التحولات والتغييرات المطلوبة بالحد الأدني من الخسائر, وأغلب الظن ان المصالح ستلتقي من جهة حول طرح حماس, ومن جهة ثانية حول افشال هذا النموذج لما يمكن ان يترتب عليه من دفع باتجاه تغيير مشابه في دول مجاورة.