ما ان غادرت الوفود الفلسطينية والاسرائيلية في طريقها إلي واشنطن من اجل اطلاق المفاوضات المباشرة بهدف التوصل إلي تسوية سياسية شاملة للقضية الفلسطينية, حتي جري اغتيال اربعة مستوطنين يهود بالقرب من مدينة الخليل, وقد جري ابلاغ نتنياهو بتطورات الحادث وهو في الجو, وما أن هبط في واشنطن حتي قدم تعازيه لأهالي الضحايا اليهود, لم يهدد ولم يتوعد, في المقابل اعلن الجناح العسكري لحركة حماس مسئوليته عن هذه العملية التي تمثل ردا علي عد وان الاحتلال علي ابناء الشعب الفلسطيني. وقد أقدم الجناح العسكري لحركة حماس علي هذه العملية بعد فترة طويلة من التوقف, فحماس ومنذ سيطرت علي قطاع غزة في يونيو من عام2007, اعادت تكييف سياسة المقاومة لخدمة رؤيتها السياسية, ولم يكن من ضمنها تحرير اراضي الضفة الغربية وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة, دخلت في معركة اختبار النوايا والقدرات, مع الحكومة الاسرائيلية, توصلت بوساطة مصرية إلي تهدئة, انتهي مفعولها في سبتمبر2008, رفضت التجديد, اطلقت الصواريخ, فكان العدوان الاسرائيلي الشامل علي القطاع في ديسمبر2008, وتوقف في18 يناير2009, قبل مراسم تسلم الرئيس الامريكي باراك اوباما لمهام منصبه في العشرين من الشهر نفسه, واكدت اسرائيل بعد توقف العدوان انها لن توقع اي هدنة ولن تتفاهم علي اي تهدئة, فالتهدئة قائمة بحكم الامر الواقع من خلال سياسة الرد العنيف والكثيف علي اي عمل من جانب الفصائل المسلحة في قطاع غزة, اي صاروخ سوف ينطلق من القطاع سيكون الرد عليه فورا ومن خلال استهداف مواقع لحركة حماس, وايضا كوادر لها, عملية بعملية علي غرار عين بعين من جانبها استوعبت حركة حماس الدرس, وتولت قوتها التنفيذية حراسة الحدود مع اسرائيل والتصدي لاي عملية تستهدف الاراضي الاسرائيلية, وطوال الفترة من يناير2009 وحتي اغسطس2010, اي نحو تسعة عشر شهرا, لم يكن قطاع غزة مصدرا لعمل مقاوم باتجاه الاراضي الاسرائيلية, فلا يوجد مبرر للقيام بمثل هذه الاعمال, فالحركة مشغولة بتطبيق ما ورد في ميثاقها من مشروع لبناء الفرد المسلم الاسرة المسلمة, المجتمع المسلم, إلي أن يحين الوصول بعد ذلك إلي الدولة الإسلامية, انصب جل النشاط علي اسلمة المجال العام في القطاع, مناكفة مصر لانتزاع فتح دائم لمعبر رفح, محاولات لفتح حوار سري مع الإدارة الامريكية( رسائل اسماعيل هنية إلي الرئيس الامريكي باراك اوباما عبر الرئيس الديمقراطي الاسبق جيمي كارتر), محاولات اخري لفتح حوار مع الإسرائيليين( عبر الدور الذي يقوم به الدكتور أحمد يوسف المستشار السياسي لهنية, ولقاءاته في سويسرا وبريطانيا مع اوروبيين). وكانت الحركة حاسمة في مواجهة محاولات فصائل فلسطينية اخري أكثر تشددا, او بمعني آخر, لم تمارس لعبة السياسة والحكم كما مارستها حماس, وقد بدا ذلك واضحا في قسوة تعامل الحركة مع حركة الجهاد التي ترفض دخول الحلبة السياسية, وتقاطع الانتخابات علي جميع المستويات, وايضا في التصفية الدموية لجماعة انصار جند الله في اغسطس2009. تنصب رؤية حركة حماس علي ترسيخ اقدامها في القطاع, الامتداد التدريجي إلي الضفة الغربية, السيطرة المتواصلة إلي مناطق جديدة إلي أن تفرض سيطرتها علي الضفة الغربية, وعندها يمكن ان تصل إلي تسوية سياسية مع اسرائيل وفق الاسس التي اعلنها خالد مشعل من دمشق في شهر يوليو2009 بعد خطابي باراك اوباما في جامعة القاهرة ونتنياهو في بار ايلان, وهي اسس قريبة للغاية من الأسس التي تجري عليها المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية اليوم, اي دولة فلسطينية في حدود ما قبل الخامس من يونيو1967, عاصمتها القدسالشرقية, حق العودة( التعويض) للاجئين الفلسطينيين مع التشديد علي أن حركة حماس ترفض توقع اتفاق سلام, وانما هدنة تجدد لعشرات السنين إلي أن تمتلك من القوة ما يمكنها من إزالة اسرائيل واقامة الدولة الإسلامية علي ارض فلسطين من البحر إلي النهر, فحسب ميثاق الحركة فإن فلسطين من البحر( المتوسط) إلي النهر( الأردن) ارض وقف إسلامي لا يجوز التفريط في شبر منها, ومن ثم فالقبول بدولة فلسطينية في حدود ما قبل الخامس من يونيو1967 انما هو قبول مؤقت إلي أن تتم عملية ازالة اسرائيل, وهي مهمة الاجيال القادمة. تعتمد رؤية حماس وخطتها علي إعاقة توصل منظمة التحرير الفلسطينية إلي تسوية مع اسرائيل لأن التسوية تعني دولة فلسطينية مستقلة, تنمية وعمران في الضفة الغربية, مزيد من القوة والنفوذ لفصائل منظمة التحرير, الأمر الذي يعني في الوقت نفسه اجهاضا لمشروع حركة حماس الرامي إلي دولة اسلامية في القطاع ثم السيطرة علي الضفة الغربية, وهنا يمكن القول بإن الحركة تلتقي في الهدف مع القوي اليمينية في الساحة الاسرائيلية والتي يندرج الليكود ضمنها. حكومة اليمين في اسرائيل بقيادة نتنياهو تسعي إلي فرض تسوية سياسية علي المفاوض الفلسطيني تحصل اسرائيل من خلالها علي ما تريد, وهو ما سوف يقاومه المفاوض الفلسطيني مدعوما بمساندة عربية تقدمها دول الاعتدال مع وعود غير قاطعة ببدائل لإعلان الدولة الفلسطينية في حال تعمد الطرف الاسرائيلي افشال المفاوضات من قبيل عقد مؤتمر دولي لإعلان الدولة او استصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يفعل الشق الذي لم يتحقق من قرار التقسيم(181 لعام1947) من هنا فان خطة نتنياهو للهروب من مفاوضات التسوية دون تحمل المسئولية تنهض علي عدة بدائل الأول هو قصة الاستيطان واستئناف البناء بعد السادس والعشرين من سبتمبر الحالي, والثاني اصطناع ازمة في الائتلاف الحكومي علي نحو يعطل مواصلة التفاوض, اما البديل الثالث فهو استغلال اقدام حركة حماس علي عمليات مسلحة سواء تفجيرية او عمليات قتل او إطلاق صواريخ, والقيام بحملة عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة تقدم علي أنها دفاع عن النفس, وتكون من الضخامة بحيث يسقط فيها ضحايا فلسطينيون كثر, توظف حماس دماءهم في شن حملة علي السلطة الوطنية, علي منظمة التحرير التي تتحاور مع العدو الصهيوني الذي يقتل ابناء شعبنا المناضل وغيرها من الشعارات التي تجبر السلطة علي وقف التفاوض, وهنا يفوز نتنياهو بما يريد دون تحمل المسئولية, بل يمكنه ان يحملها للسلطة الوطنية التي اوقفت المفاوضات, ومن ثم يفسح الطريق امامه لتطبيق الحل احادي الجانب المفضل لدي اليمين, وستمر حلم حماس في السيطرة علي الضفة الغربية, بعد ان يضعف معسكر الاعتدال, ويتقوي معسكر الممانعة وترتفع اصوات التشدد في منطقتنا.