كان قارون ابن عم موسي, وكان يسمي المنور لحسن صوته بالتوراة, ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري, فأهلكه البغي لكثرة ماله, فقد أتاه الله مالا كثيرا, من أجل هذا بغي قارون علي قومه, كان يظلمهم ويغصبهم أرضهم وأشياءهم, كما يصنع طغاة المال في كثير من الأحيان, وربما بغي عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال, حق الفقراء في أموال الأغنياء, وربما بغي عليهم بهذه وبغيرها من الأسباب. وقد ذكر الله تعالي كثرة كنوزه, حتي إن مفاتحه كان يثقل حملها علي الفئام من الرجال الشداد, وقد قيل إنها كان وقد وعظه النصحاء من قومه قائلين: لا تفرح أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر به علي غيرك, إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة يقولون: لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة, فإنه خير وأبقي, ومع هذا لا تنس نصيبك من الدنيا أي: وتناول منها بمالك ما أحل الله لك, فتمتع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال, وأحسن كما أحسن الله إليك أي وأحسن إلي خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارئهم إليك, ولا تبغ الفساد في الأرض أي ولا تسئ إليهم ولا تفسد فيهم, فتقابلهم ضد ما أمرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك, إن الله لا يحب المفسدين. فما كان جوابه لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن قال إنما أوتيته علي علم عندي, يعني أنا لا أحتاج إلي استماع ما ذكرتم, ولا ما إليه أشرتم, فإن الله إنما أعطاني هذا لعلمه أني أستحقه, وأني أهل له, ولولا أني حبيب إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني. فخرج علي قومه في زينته ذكر كثير من المفسرين أنه خرج في تجمل عظيم, من ملابس ومراكب وخدم وحشم, فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كتنوا مثله, وغبطوه بما عليه وله, فلما سمع مقالتهم العلماء, ذوو الفهم الصحيح الزهاد الألباء, قالوا لهم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقي وأجل وأعلي. قال الله تعالي: فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين, كما روي البخاري عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلي يوم القيامة, وقد ذكر عن ابن عباس: أن قارون أعطي امرأة بغيا مالا علي أن تقول لموسي عليه السلام وهو في ملأ من الناس: إنك فعلت بي كذا وكذا, فقالت له ذلك, فأرعد موسي من الفرق وصلي ركعتين, ثم أقبل عليها فاستحلفها وسألها: وما حملت عليه, فذكرت أن قارون هو الذي حملها علي ذلك, واستغفرت الله وتابت إليه, فعند ذلك خر موسي لله ساجدا, ودعا الله علي قارون, فأوحي الله إليه: أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه, فأمر موسي الأرض أن تبتلعه وداره, فكان ذلك, فالله أعلم. ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدار, وإهلاك النفس والأهل والعقار, ندم من كان تمني مثل ما أوتي, وشكروا الله تعالي الذي يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون, ولهذا قالوا: لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون.