أكدنا أكثر من مرة أن الاحتجاجات الجماهيرية التي تشهدها مصر المحروسة في السنوات الأخيرة, علامة بارزة من علامات الحراك السياسي في مصر الذي فتح الباب واسعا وعريضا أمام حرية التعبير سواء في الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو الإلكترونية تعددت وسائل النشر, وتنوعت أساليب التعبير, سواء عن مطالب اقتصادية, أو عن مطالبات سياسية. بعد سنين طويلة من خشية السلطة نتيجة للقهر السياسي في مختلف العهود, إذ بالجماهير المصرية تفك قيودها, وتحرر إرادتها, وتخرج للشارع بلا خوف ولا وجل لقد حاولت باجتهاد محمود أن أستفتي في ذلك النظريات السياسية والاجتماعية والنفسية المعروفة لكي أفهم منطق سلوك السلطة وقد اعتبرنا خروج شرائح من المصريين, سواء كانوا عمالا أو موظفين أو فلاحين, للمطالبة بحقوقهم المشروعة المهدرة تحولا إيجابيا للشخصية المصرية. ذلك انه بعد سنين طويلة من خشية السلطة نتيجة للقهر السياسي في مختلف العهود, إذ بالجماهير المصرية تفك قيودها, وتحرر إرادتها, وتخرج للشارع بلا خوف ولا وجل, سواء في صورة احتجاجات أو اعتصامات تستمر أسابيع طويلة في بعض الأحيان وبرزت ظواهر جديدة غير مسبوقة في تاريخ الاضرابات المصرية وخصوصا العمالية, وهي اضرابات لها تاريخ طويل مجيد في المطالبة بحقوق العمال منذ نشأة الصناعة في مصر. وأبرز هذه الظواهر اصطحاب المعتصمين لزوجاتهم وأبنائهم وسكنيالرصيف أسابيع طويلة! ليس ذلك فقط بل إن التحدي وصل إلي الاعتصام علي أرصفة شوارع مجلس الشعب ومجلس الوزراء! غير أن الأهالي إذا كانوا قد ابتدعوا هذه الصور المستحدثة من الإضرابات والاعتصامات, إلا أن السلطة ممثلة إما في الحكومة, أو في إدارة الشركات المسئولة استحدثت طريقة الطناش وقامت بسلوك معيب سبق لي أن وصفته في أحد برامج التليفزيون بالتناحة لأنني لم أجد في اللغة العربية كلمة مرادفة لهذه الكلمة البليغة باللغة العامية! وإلا كيف أصف السلوك السلبي المعيب للسلطة وممثليها, ويضاف إليها ممثلو الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم, والذي تمثل في عدم الاهتمام بهؤلاء المعتصمين, وعدم إقامة حوار معهم لمعرفة مطالبهم, وفرز المطالب الحقيقية المشروعة من المطالب غير المشروعة, والقيام بالتفاوض البناء مع هؤلاء المعتصمين؟ أسابيع طويلة ولا أحد يعني بحل مشكلات هؤلاء المعتصمين, وكأنهم مواطنون ينتمون إلي دولة أخري غير مصر! كيف نفسر هؤلاء السلوك؟ لقد حاولت باجتهاد محمود أن أستفتي في ذلك النظريات السياسية والاجتماعية والنفسية المعروفة لكي أفهم منطق سلوك السلطة, غير أنني لم أجد تفسيرا شافيا! وكرد فعل لهذا التجاهل المعيب من قبل السلطة, تجاوزت جماهير المعتصمين كل الخطوط المحظورة, وكما نشرت الصحف انتقل بعضهم من الإقامة الآمنة علي الأرصفة إلي النوم بعرض الشارع! وسارعت كاميرات الصحف والفضائيات بالتقاط صور متعددة لهذه المناظر الفريدة حقا! وذكرت الصحف أن جهود الأمن تمثلت في نقل النائمين في عرض الطريق إلي الرصيف مرة أخري! ما هذا النشاط الإيجابي العظيم! وأضافت الصحف أن هؤلاء المعتصمين انخرطوا في بكاء جماعي عنيف! يقول الراوي الذي يمثل جبرتي مصر المحروسة في عام2010 ولما زادت تناحة السلطة أقدم فريق من المعتصمين علي فعلة شنعاء! ذلك أنهم خلعوا ملابسهم وبقوا في الشاعر بملابسهم الداخلية! ولم يكتفوا بذلك بل مزقوا هذه الملابس الداخلية! وكتبوا عليها عبارات فيها سب وقذف للحكومة المحترفة! غير أن الحكومة لم تتحرك بعد كل هذه الأفعال الشنيعة, فلم تجد جماهير المعتصمين وسيلة لإيقاظ الحكومة النائمة من سباتها الطويل الا بقرع الحلل واستخدام الصفافير للإزعاج, ويقول انهم تجمعوا تحت شرفة رئيس مجلس الوزراء لعله يطل عليهم وينصفهم! غير أن احدا ايضا لم يتحرك من قبل الحكومة! وقد سعدت كاميرات الصحف والفضائيات فأكثرت من الصور ونشرتها في الصفحات الأولي من الجرائد وفي البرامج الحوارية المتخصصة في السرد الممل لفضائح الحكومة! غير أن إبداع الجماهير المحتجة لم تقف عند هذه الحدود ذلك أن أحد الآباء لم تقبل بنته في المدرسة الابتدائية اصطحب أولاده الثلاثة وذهب إلي الأرصفة الشهيرة لكي يعتصم, ولكنه بخيال فنان سريالي رائق ألبس أولاده ثيابا حمراء كالتي يرتديها المحكوم عليهم بالإعدام, وربط أعناق أولاده بحبال غليظة في الشجر, لكي يحتج بطريقته الخايبة علي عدم قبول ابنته في المدرسة! واكتفي السيد وزير التربية والتعليم بإصدار بيان أكد فيه أن قبول البنت مخالف للقانون! غير أن هذا الرجل ظل علي عناده معرضا صحة أطفاله نظرا للحر الشديد للخطر. وتحركت مشكورة وزيرة الأسرة والسكان وقدمت بلاغا للنائب العام ضد هذا الرجل المستبيع بتهمة تعريض أطفاله للخطر وهنا فقط اختفي الرجل من علي الرصيف فورا, وحين أرسلت الوزارة فريقا طبيا شوف شدة الاهتمام! لفحص الأطفال خوفا علي صحتهم الغالية, وجدوا أن الرجل قد اختفي خوفا, ثم صرح بأنه لن يظهر إلا إذا سحبت الوزيرة بلاغها ضده! أليست هذه القصة الغريبة نوعا من أنواع الكوميديا السوداء؟ وأنا أتساءل: لماذا لم يتصرف الأمن بجدية مع من خلعوا ملابسهم ويقبض عليهن بتهمة ارتكاب أفعال مخالفة للآداب العامة في الطريق؟ ولماذا لم يتم القبض علي هذا الرجل المستهتر الذي بالغ في إظهار احتجاجه بتهمة الإساءة إلي النظام العام وتعريض أولاده للخطر؟ وفي الرد علي هذه الأسئلة الساذجة قرر جبرتي مصر أن أحد ممثلي السلطة تحذلق قائلا: الاعتصام حق من حقوق الإنسان, والتناحة حق من حقوق السلطة! لابد من إجراءات رادعة لوقف هذه المناظر المسيئة للدولة, ومن العيب, ان يدعي أحد أيا كان أن هذا السلوك يعد من علامات اتساع هامش الديموقراطية! هناك أيها السادة فرق جوهري بين الاحتجاجات الشرعية والفوضي العشوائية غير المسئولة!