في الثاني من شهر مايو من كل عام تنطلق صفارات الإنذار في جميع أنحاء إسرائيل، وبعض من الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تتواجد فيها الكثير من المستوطنات، وذلك إحياء لذكرى ضحايا المحرقة النازية المعروفة بالهولوكوست. ومنذ إقامة إسرائيل عام 1948 وهي تحتفي بهذه المناسبة، حتى أن بعضا من غلاة اليمينيين المتشددين في تل أبيب طالبوا منذ سنوات طويلة بأن يشارك العالم إسرائيل في إطلاق هذه الصفارات من أجل التكفير عما يسميه الإسرائيليون بالذنوب التي اقترفها العالم في حق العشرات من اليهود ممن قتلوا في الحرب العالمية الثانية. وترى الكثير من الدوائر الإسرائيلية أن العالم ارتكب ذنوبا كبيرة بصمته على هذه الكارثة النازية، والأهم من هذا أن غالبية الدول الأوروبية أسهمت في نقل اليهود من أماكن إقامتهم إلى معسكرات الإبادة الخاصة بالنازيين، وهو ما دفع بتل أبيب إلى طلب تعويضات مالية واقتصادية من عدة دول ثبت تورطها في قتل اليهود، بالإضافة إلى المطالبة بفرض الاحتفال في هذه الدول أيضا بذكرى هذه المذابح وإقامة نصب تذكارية للضحايا اليهود ممن سقطوا في هذه المعسكرات. المثير للانتباه عند الحديث عن هذه القضية أنها مازالت تثير الكثير من ردود الفعل القوية بإسرائيل، وأدت إلى اشتعال الخلافات بين إسرائيل والكثير من الدوائر سواء العربية أو الإسلامية عبر العالم. وكان السبب الرئيسي في هذه الخلافات إصرار تل أبيب على أن تؤكد أن عدد قتلى ضحايا النازية هو 6 ملايين يهودي، في حين تنتقد الكثير من الدوائر العلمية هذا الرقم، وتشير إلى أنه رقم مبالغ فيه، وأن الحقيقة أن عدد اليهود ممن قتلوا في المحرقة لا يتعدي ثلث هذا العدد. والأهم من هذا أن الترويج لهذا العدد الكبير كان لأسباب أقتصادية ليس أكثر. وعن هذه النقطة يشير تقرير خاص بثه التليفزيون الإسرائيلي بمناسبة الاحتفال أن البعض يتهم إسرائيل بالمبالغة في عدد قتلى المحرقة لعدة أسباب، أهمها الحصول على التعويضات المالية اللازمة، خاصة وأن عددا من دول العالم مثل ألمانيا وسويسرا والنمسا تدفع تعويضات مالية تصل مدتها الزمنية إلى ما يقرب من 80 عاما لصالح العائلات اليهودية ممن تدعي الجماعات اليهودية أنهم قتلوا في المذابح النازية، كما أن الكثير من المؤسسات الاقتصادية أو التجارية في أوروبا مازالت تدفع أموال تعويضات لإسرائيل عن هذه الحادثة، ومازالت تل أبيب تتهم وإلى الآن الكثير من المؤسسات بالتورط في عمليات اغتيال اليهود، وكان آخر هذه المؤسسات هيئة السكك الحديدة الألمانية التي اتهمتها تل أبيب بنقل العشرات من الضحايا إلى المعسكرات النازية، وهو ما يفرض على هذه الهيئة دفع مبالغ مالية تصل إلى 10 مليارات يورو إلى إسرائيل. كما اتهمت بعض البنوك السويسرية بفتح حسابات سرية لعدد من قادة الحزب النازي من المقربين إلى الزعيم النازي هتلر، الأمر الذي دفع بإسرائيل إلى رفع دعاوى قضائية على هذه البنوك واتهامها بالدعم الاقتصادي لعمليات إبادة الإسرائيليين، وطالبت إسرائيل بدفع هذه البنوك تعويضات مالية لصالح الخزانة الإسرائيلية. غير أن الباحثين الإسرائيليين أنفسهم وبالتحديد عدد من أبناء جماعة المؤرخين الجدد طرحوا أخيرا قضية في منتهى الخطورة وهي اشتراك الكثير من الجماعات اليهودية في قتل وتصفية اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وهي التهمة التي وجهها الكاتب الإسرائيلي "هانو ريما" الذي وضع أخيرا دراسة بعنوان "اليهود والمساعدات السرية لألمانيا النازية"، وهي الدراسة التي كشفت وبالأسماء الكثير من اليهود ممن ساعدوا الزعيم الألماني أدولف هتلر وعملوا كعملاء له من أجل اصطياد اليهود. وأشار "ريما" إلى أن هتلر اهتم باختيار العلماء النابغين من اليهود, أو القادة العسكريين المتميزين من أجل ضمهم إلى الجيش النازي، معترفا بأن عدد اليهود في الجيش النازي وصل إلى ما يقرب من 300 يهودي. وأثارت هذه الدراسة الكثير من ردود الفعل في تل أبيب، حتى أن الحاخامات اليهود اتهموا "ريما" بالعمالة لصالح من من أسموهم بالقوى المعادية لإسرائيل، وطالبوا بقتله، وهو ما أدى ب"ريما" إلى الهرب من إسرائيل. عموما تحولت هذه الحادثة وذكرى قتل اليهود إلى واحدة من أهم الذكريات التي تحل على اليهود للاحتفال بها، وهي الذكرى التي تبيض ذهبًا لإسرائيل كل عام.