يواصل الجيش الليبي وقوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر العمليات التي بدأت قبل شهر ضد المسلحين في مناطق متفرقة من بنغازي التي يحاول الجيش استعادة السيطرة عليها في عمليات أوقعت منذ بدئها 340 قتيلا على الأقل، حسب مصادر طبية وعسكرية. وشن حفتر بمساندة الجيش ومسلحين مدنيين من مختلف مناطق بنغازي في 15 أكتوبر هجومًا ثانيًا لاستعادة المدينة التي وقعت في أيدي المتطرفين في نهاية يوليو الماضي. وقالت مصادر طبية متعددة ومسعفون لوكالة فرانس برس أن "المعارك وأعمال عنف متفرقة في بنغازي وإعدامات خارج إطار القانون أوقعت منذ 15 أكتوبر نحو 340 قتيلا بينهم أكثر من 200 جنديا". وأوضحت هذه المصادر التي تعمل في مستشفيات وجمعية الهلال الأحمر أن "بين القتلى مدنيين أصيبوا برصاص أو قصف عشوائي في مناطق الاشتباكات إضافة إلى المدنيين المسلحين الذين شاركوا قوات حفتر القتال"، وتشمل هذه الارقام "مقاتلين وصلت جثثهم إلى مستشفيات المدينة". ونادًا ما يعلن المتطرفون خسائرهم في المعارك كما من النادر نقلهم لجرحاهم وقتلاهم إلى مستشفيات المدينة العامة أو الخاصة. وتفرض مليشيات مسلحة من بينها جماعات متشددة مثل أنصار الشريعة سطوتها في ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011. وكان اللواء حفتر أطلق عملية الكرامة في 16 مايو لمحاربة الإرهاب في بلاده كما قال. لكنه وجد نفسه في مواجهة حلف من المتشددين وآخرين أكثر اعتدالًا من الثوار السابقين الذين ساهموا في الإطاحة بمعمر القذافي الذين شكلوا "مجلس شورى ثوار بنغازي". ومنذ ذلك الحين تمكن المتطرفون من دحر قوات حفتر إلى تخوم المدينة وأفرغوها من أي تواجد لرجال الجيش والشرطة بعد سيطرتهم على معظم المعسكرات ومراكز الشرطة. لكن هؤلاء المقاتلين تقهقروا مجددا وعادوا للتحصن في مناطق آهلة وسط المدينة بعد انطلاق الحملة الثانية لحفتر التي لاقت دعمًا شعبيًا واسعًا وهو ما ضيق الخناق عليهم. وحفتر الذي وصفت حملته الأولى بأنها انقلاب، لقي مؤخرًا اعترافًا صريحًا من السلطات التشريعية والتنفيذية للبلد. ونفذت قوات حفتر خلال الحملة الثانية لاستعادة بنغازي عمليات دهم واسعة النطاق ألقت خلالها القبض على عدد من القادة إضافة إلى تدمير بيوتهم وقتل العديد منهم. ورغم سيطرته التامة على معظم أحياء بنغازي بحسب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الأركان العامة للجيش العقيد أحمد المسماري، ما زال تقدم الجيش بطيئا في محور منطقة الصابري وسط المدينة رغم خوضه عدة معارك عنيفة تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة معززة بغارات لمقاتلات سلاح الجو الموالي لحفتر . وقال المسماري ان الجيش مازال يخوض معارك ضارية على محور المدخل العربي للمدينة حيث مقر ميليشيا 17 فبراير الإسلامية، إضافة الى مقرين هامين للجيش هما اللواء 204 دبابات والكتيبة 21 التابعة للقوات الخاصة والصاعقة. واضاف أن المحور الجنوبي الشرقي للمدينة تسيطر عليه قوات الجيش التي تتقدم لخوض المعركة الكبرى في منطقة الليثي جنوب وسط المدينة والتي تعد معقل الجماعات وخصوصًا المتطرفة منها. وأوضح أن ما يعيق عملية الحسم للجيش في محوري الصابري والمدخل الغربي لمدينة بنغازي هو امتلاك الإرهابيين لأسلحة قنص متطورة وبعيدة المدى إضافة إلى تحصنهم داخل الأبنية والمؤسسات العالية. وقال "نحن بدأنا نستخدم أسلوبهم وصرنا نعمل على قنصهم مثلما يفعلون. لا نريد مزيدا من التدمير للممتلكات من خلال استهدافهم بالمدفعية والغارات". من جهته أعرب العقيد جمال الزهاوي آمر الكتيبة 21 عن أمله في أن "يصمد المدنيون المسلحون الموالون للجيش في مختلف مناطق المدينة ويستمروا في إغلاق منافذ مناطقهم حتى لا يتمكن الإرهابيون من الفرار إليها". وطالب الزهاوي المناطق الواقعة غرب بنغازي بتأمين كافة الطرق المؤدية إلى المدينة لاغلاق خط الإمدادات على الإرهابيين. وقال "إنهم كل يوم في ازدياد (...) كلما قضينا على مجموعة نفاجأ بمجموعات أخرى تأتي من مناطق غرب بنغازي". وقال مصدر في الجيش إن "العقيد المهدي البرغثي آمر لواء 204 دبابات أصيب في معارك الجمعة بشظايا قذيفة ، لكن إصابته لم تكن بالغة إذ عالج في المستشفى الميداني وعاد لإدارة القتال في ذلك المحور مجددًا". وكان المسماري أعلن أن "رئاسة الأركان العامة للجيش دعت كافة المجموعات المسلحة التي لا تتبع شرعية الدولة إلى تسليم أسلحتها في فترة أقصاها نهاية الشهر الجاري" وأكد أن "كل من يسلم سلاحه للجيش الوطني قبل انتهاء المهلة المحددة سيتم إعفاؤه من أي ملاحقة أمنية وقانونية لتحقيق المصلحة العليا للوطن وضمان ترسيخ الأمن والاستقرار في ربوع البلاد". لكنه شدد في الوقت نفسه على انه "سيضرب وبقوة كل مجموعة مسلحة ترفض الاستجابة للدعوة التي تستهدف حقن دماء الليبيين". وأدانت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا بشدة أعمال العنف الأخيرة في شرق وغرب ليبيا، ومن بينها القتال الدائر في مدينة بنغازي. وأعربت البعثة في بيان ليل الخميس الجمعة عن قلقها البالغ من التقارير حول القصف العشوائي على الأرض ومن الجو على المناطق المكتظة بالسكان في بنغازي وعمليات القتل غير المشروع والتدمير المتعمد للمنازل والممتلكات الأخرى وخطف المدنيين بمن فيهم العاملين في المجال الطبي وعرقلة الجهود المبذولة لإجلاء الجرحى وتوزيع المساعدات الإنسانية. لكن السفير البريطاني لدى ليبيا مايكل أرون دعا المعتدلين في ليبيا للتوحد ضد المتطرفين في بلادهم. وقال في عدة تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر الجمعة إن الاعتداءات الإرهابية تضر كل الليبيين والعنف أمر غير مقبول. وأكد ان بريطانيا تدعم جهود الأممالمتحدة من أجل الحوار في ليبيا، كما أنها تقف مع الليبيين ضد المتطرفين، مشيرًا إلى أن "المعتدلين من كل الأطراف وهم الغالبية العظمى بحاجة إلى أن يلتقوا ويتحدثوا ويصلوا إلى اتفاق سياسي، ويواجهوا الإرهابيين معا في ليبيا". وتعاني مدينة بنغازي من انعدام أوجه الحياة بشكل شبه تام، فضلًا عن نقص في الأدوية والمحروقات والسلع والمواد الغذائية، مع شلل أصاب جميع المصارف والدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية وعدد من المرافق الطبية أمام المواطنين.