يسعى تنظيم "داعش"، إلى بث الرعب في العالم، بأسلوب قطع الرءوس الذي ينتهجه، من دون تمييز بين صحافيين أو جنود أو معارضين، لكنه يستثير أيضًا غضبًا لدى الشريحة الأكبر من المسلمين، الذين يريد فرض حكمه عليهم. ونشر تنظيم "داعش"، أمس الثلاثاء، شريط فيديو جديدًا، يظهر عنصرًا منه وهو يذبح صحفيًا أمريكيًا ثانيًا، في غضون أقل من شهر. ووصفت واشنطن وبريطانيا الشريط بأنه "مروع" و"مقزز". وتقول الأستاذة الجامعية في كلية العلوم الدينية في جامعة أنديانا الأمريكية أسماء أسفار الدين، لوكالة "فرانس برس": إن "تنظيم الدولة الإسلامية يدعي أنه يمثل وحدة الإسلام الحقيقي، ويلجأ إلى القتل والفوضى، كأسلوب ضغط نفسي، من أجل إثارة الخوف لدى الآخرين". ويقول موقع "سايت" الأمريكي، الذي يتابع أخبار المواقع الإليكترونية الإسلامية، في تقرير نشره أخيرا: إن الهدف الواضح والمباشر من نشر الأشرطة المصورة، حول قتل الصحفيين الأمريكيين، هو "الترهيب". ويضيف: أن "الوحشية الظاهرة في الشريط تقول: لا تعبثوا معنا، لكن أبعد من ذلك هناك عنصر آخر شديد الخطورة... التجنيد من أجل الجهاد". ويقول "سايت": إن المنجذبين إلى التنظيم الجهادي المتطرف ليسوا ممن "يملكون نذرًا من الأخلاقية"، إنما "ممن ينتمون إلى مجموعة خطيرة تنظر إلى العالم نظرة سوداء". ومنذ ظهور التنظيمات الإسلامية السنية المتطرفة في المنطقة، بعد الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003، كان أبومصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الذي قتل في 2006 بالعراق، في غارة أمريكية، أول من أقدم على نحر جندي أمريكي. وتراجع نفوذ التنظيم المتطرف في العراق لفترة، بعد وقوف العشائر السنية ضده، ليعود فيتناميًا مجددًا، بتأثير الأحداث في سوريا المجاورة، وعادت ممارسات النحر، والذبح، وقطع الرءوس بآلات حادة، على نطاق واسع، منذ نهاية يونيو، مع الهجوم الذي نفذه تنظيم "داعش" على شمال العراق وغربه، حيث استولى على مساحات واسعة، ثم توسع في شمال سوريا وشرقها. وقد استهدف عشرات الجنود من القوات النظامية السورية، ومدنيين، اتهمهم التنظيم بالكفر، لمجرد معارضتهم له، أو مقاتلين حملوا السلاح ضده، بالإضافة إلى جندي لبناني، أُسر خلال مواجهة مع الجيش اللبناني، في منطقة لبنانية حدودية مع سوريا، والصحفيين الأمريكيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف. ويقول الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في لبنان الشيخ خلدون عريمط، لوكالة "فرانس برس": إن "الممارسات التي يقوم بها تنظيم داعش من حيث قطع الرءوس، والإساءة إلى الأقليات المتعددة، تتناقض تمامًا مع رسالة الإسلام، ومع عقيدة المسلمين، لأن الإسلام رحمة ومحبة وتعارف وتلاق". ويشير إلى قول الله للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، في دعوته الناس إلى اعتناق الإسلام "لستَ عليهم بمسيطر"، مشددًا على أن "لا إكراه في الدين". ويضيف: "الأعمال المشينة التي يقوم بها داعش لا تتناقض فقط مع الإسلام، بل وتسيء إليه"، مؤكدًا عدم صحة ما يشاع من أن قطع الرأس منصوص عليه "في شرع الله"، أو "في الفقه الإسلامي". ويوضح، أن "هذه عادة وثنية قبلية كانت من عادات الجيوش في روما، والجيش الفارسي، والجيوش اليونانية، كما أن العرب قبل الاسلام كانوا يمارسونها لإرهاب العدو". وإن كانت المملكة العربية السعودية لا تزال تعتمد طريقة قطع الرأس، في تنفيذ أحكام قضائية بالإعدام، حتى اليوم، فهذا، بحسب ما يقول عريمط، "لإنزال عقاب بقاتل، بعد محاكمة، وفي ظل وجود قاض، وعندما لا يكون هناك مجال للعفو"، لكنها "الحالة القصوى"، مفضلًا عن استبدالها بعقوبة أخرى "يستنبطها عقل الحاكم مع تطور العالم". وترد في القرآن آية يستخدمها البعض لتبرير ممارسة التنظيم المعروف ب"داعش"، وفيها "فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا". ويوضح عريمط، أن هذه الآية تتحدث عن الحرب تحديدًا، حيث إن القتال في الماضي كان يحصل بالسيوف والخناجر والرماح، وكان المقاتل يوجه سيفه نحو رأس الخصم للنيل منه. ومن الواضح أن مقاتلي "داعش" يدرجون قتل الغربيين بشكل خاص في إطار "حرب" يشنونها على الولاياتالمتحدة. ففي شريطي الفيديو اللذين تضمنا مشاهد ذبح الصحفيين الأمريكيين، يقول منفذ العملية، إن العملية "رسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما"، طالبا منه وقف استهداف "الدولة الإسلامية"، في إشارة إلى الغارات التي يشنها الطيران الأمريكي، منذ الثامن من أغسطس الماضى، على مواقع التنظيم في العراق. ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، سلسلة طويلة من التعليقات الساخرة من "داعش"، وبينها أغنية "مولد البغدادي"، التى بدأت فى الانتشار قبل أسبوعين، وهي من تأليف وأداء فرقة تطلق على نفسها اسم "فرقة الراحل الكبير"، مؤلفة من شبان، بعضهم مسلم ومتدين، يرفضون كل "أنواع الاستبداد والتشدد الديني"، بحسب قولهم. وتقول الأغنية "مدد مدد يا سيدي أبوبكر البغدادي، يا حاكم بأمر الله، يا ناصر لشرع الله، يا سايق عباد الله على هاوية ما بعدها هاوية". ومما جاء في الأغنية، التي شاهدها حتى الآن على موقع "يوتيوب" أكثر من أربعين ألف شخص، "علشان لا إكراه في الدين، فلنقض على المرتدين، والشيعة والسنيين والنصارى.. يا خسارة". وتقول أسفار الدين: "لطالما نظر المسلمون إلى مثل هذه المجموعات العنيفة والمتشددة على أنها منحرفة، ومصيرها مع الوقت التهميش والاختفاء".