بعد صمت دام ساعات من وقع الصدمة، والرغبة في بلورة موقف جماعي داخل كل حزب وقوة إسلامية، أخفقت قوى التيار الإسلامي في بلورة موقف جماعي موحد إزاء موقفها من بيان القوات المسلحة. مثل هذا الانقسام ما هو إلا استمرار لحالة التباين التي سادت، قبل صدور البيان دون تغيير في مواقف تلك القوى كثيرًا. فالتكتل الكبير داخل التيار الإسلامي أعلن دعمه لشرعية الرئيس محمد مرسي، وإدانة ما أسماه محاولة بعض القوى الانقلاب على تلك الشرعية، واستخدام الجيش لتحقيق تلك الغاية، بالتزامن مع بدء حملة واسعة للنزول للميدان داخل القاهرة وفي المحافظات من أجل إظهار قوة التيار الداعم للرئيس، ورفض بيان الجيش بوصفه انقلابًا على الشرعية. وكان الإخوان وحزب الحرية العدالة في مقدمة تلك القوى التي كان موقفها واضحًا من حيث اعتبار البيان بمثابة انقلاب عسكري على المسار الديمقراطي، منوها أن الافتراض العام سواء من الجيش أو المعارضة أن الجماعة سيقبل الإطاحة بالرئيس محمد مرسي من دون معركة شاملة للدفاع عن الانتصارات الديمقراطية التي حققها نوع من الوهم السياسي، فهم لن يتقبلوا ذلك وهم مستسلمون. فيما رفضت الجبهة السلفية فكرة انقلاب الجيش على الشرعية، وأكدت في بيانها الذي صدر ظهر اليوم الثلاثاء، أن الجيش لو كان لديه تلك النية لما كان بحاجة لإصدار هذا البيان، وإنما أراد الضغط على كل الأطراف لإيقاف الصدامات المحتملة، وما قد يسيل بسببها من دماء. إلا أن البيان بدا وكأنه يتعدى على مقام ومكانة الرئاسة، ولعل هذا ما دفع بمعارضي الرئيس لاعتباره انتصاراً لهم. وفي لهجة تحذيرية أكدت الجبهة السلفية، أن الجيش يدرك أنه من المستحيل إغفال وجود القوى الإسلامية العريضة وداعميها خاصة في صعيد مصر وسيناء، وأن المواجهة معهم لن تكون سهلة في حالة محاولة الإطاحة بالرئيس المنتخب ومؤسسات الدولة ونظامها القانوني، وربما كان من أهداف البيان جس نبض تلك القوى واختبار حضورها بالشارع. وعن توقعاتها ليوم الحسم غدًا، أكدت الجبهة أن سوف يقدم الجيش خارطة الطريق التي يرها مناسبة للخروج من مأزق الأزمة الحالية نظرًا لرفض المعارضة فكرة التفاوض مع الرئيس قبل رحيله، وبعد موافقة مؤسسة الرئاسة عليها، ومن ثم سيضغط بالتالي الجيش على بقية التيارات المعارضة للقبول بها. وعنده حسب بيان الجبهة، بلا شك من القوة والفعالية ما يمكنه من الوصول لهذا الغرض وكذلك نرى أنه لن يتسامح مع من يخططون لهدم الدولة كدولة ووطن من أجل إسقاط الرئيس مهما كان القصور في أدائه وخاصة من يتعاملون مع بعض القوى في الداخل والخارج لتحقيق هذا الهدف مع تيقن المؤسسة العسكرية من هذا بما تمتلكه من مصادر للمعلومات. كما قررت الجبهة في بيانها تأكيد نزول مؤيديها ومؤيدي التيار الإسلامي بكل قوة لدعم الشرعية السياسية والقانونية والتأكيد على حفظ قيمة الدولة المصرية، وفي نفس الوقت لابد من الضغط على الرئاسة لتحقيق مطالب الجماهير العاجلة والملحة والضرورية وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد والمفسدين فحسب. وانضمت لهذا التوجه العام، الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي أكدت رفضها ما أسمته الهيمنة العسكرية على المشهد بسبب فشل السياسيين في حل مشاكلهم، ورافضًا الزج بالجيش في تفاعلات المشهد السياسي، بعيدًا عن مهمته الأساسية التي نص عليها الدستور. ورفضت أيضًا الدعوة للانقلاب على الشرعية أو تجاوز الدستور الذي تم الاستفتاء عليه. كما ناشدت مؤيديها الاحتشاد اليوم وغدًا بالميادين دفاعًا عن الشرعية وتأكيد مبدأ التداول السلمي للسلطة بعيدًا عن الهيمنة العسكرية. فيما وصف عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية البيان بكونه إلغاءًا للإرادة الشعبية وقفزًا على الشرعية، نقضًا للعهود الشرعية والدستورية، وأشار أنه لا يمكن في مصر الثورة القبول أن يكون الجيش المصري فوق إرادة الشرعية واختيار الشعب أو تصبح المؤسسة العسكرية حكمًا على الاختيارات الشعبية وفقًا للنموذج التركي الذي عانت منه تركيا لعقود طويلة. كما وصف هشام النجار عضو اللجنة الإعلامية بحزب البناء والتنمية البيان بكونه أضفي شرعية لحركة انقلابية مسلحة عنيفة معروف من ورائها، تساءل النجار عن سرع التسرع في إصدار البيان بعد يوم واحد من التظاهر بالشارع، وتوقع أن تغفل خارطة الطريق التي سيضعها الجيش ميدان رابعة العداوية الذي لم ينوه عنه السيسي والذي يجتهد المتخصصون اليوم في إزالته من خارطة المشهد المصري المستقبلي. كما ظهر أمس تحالف جديد تحت مسمى " التحالف الوطني لدعم الشرعية " أصدر بيانه الأول مساء أمس بجامع رابعة العداوية، يدين محاولة الانقضاض على الشرعية والإرادة الشعبية، ورافضًا بيان الجيش لكونه يمثل انقلابًا على إرادة الناخبين والعملية الديمقراطية والرغبة في العودة للمشهد السياسي من جديد حسب توصيف البيان. ويضم التحالف: ائتلاف الأحزاب الإسلامية؛ اتحاد النقابات المهنية؛ اتحاد طلاب جامعات مصر طلاب الشريعة؛ نقابة الدعاة؛ جبهة علماء الأزهر؛ النقابات العمالية والفلاحين؛ والباعة الجائلين؛ الحركات الشبابية والائتلاف الثورية؛ الجامعات والهيئات الإسلامية واتحاد القبائل العربية. وأكد البيان الذي تله الدكتور صفوت عبد الغني عضو شورى الجماعة الإسلامية أن مبادرات سياسية لحل الأزمة يجب أن تتم تحت مظلة الشرعية الدستورية، ورفض الانقلاب عليها واستبدالها بشرعية أخرى. كما طالب حزب الوسط بأن يظل الجيش بعيدًا عن السياسة، وأن تكون آليات حل الخلافات السياسية عبر التواصل بين القوى السياسية وبطرق ديمقراطية. وطالب الحزب في بيان صباح اليوم جميع القوى السياسية للجلوس الفوري معًا بغرض الوصول إلى صيغة مشتركة تحقق كافة الطموحات التي يتطلع إليها الشعب بكل أطيافه، بما لا يستبعد أي طرح أو مطالب رفعتها الجماهير من أي جانب. واعتبر الوسط أن بيان الجيش بمثابة إرباك لمسار بناء مؤسسات الدولة المدنية والديمقراطية مشيرا إلى أنه يحلم كملايين المصريين ببناء دولة حرة ديمقراطية مدنية يجرى تدول الحكم فيها سلميا عبر انتخابات نزيهة وإعلاء لإرادة الشعب. على الجانب الآخر، أعلن بيان المشترك حزب النور والدعوة السلفية، انحيازه غير المباشر لبيان الجيش منعًا لما أسماه البيان.. " الحرص على المصالح العليا للبلاد، ومنعا لسفك الدماء ، واستجابة للجهود المبذولة لمنع حدوث حرب أهلية، ومنع صدام غير محسوب العواقب يضر أعظم الضرر بالعمل الإسلامي كله ويجعله في مواجهة غير مقبولة شرعا وواقعا مع جموع الشعب ". كما تضمن البيان خارطة طريق للخروج من الأزمة الراهنة تتمثل في قيام الرئيس بإعلان موعد انتخابات رئاسية مبكرة، مشيرة إلي أنه رغم دعمهما للشرعية إلا أنه لابد أن ترعى الشرعية مصالح البلاد وتراعي خطورة الدماء، وتحرص على إعمال الموازنات الشرعية بين المصالح والمفاسد، والقدرة والعجز، ومنع الحرب الأهلية، وليس فقط الاستمرار بالحكم. بالإضافة لتشكيل حكومة كفاءات تكنوقراط محايدة تكون قادرة على حل المشكلات الحيادية للشعب المصري وتُشرف على الانتخابات البرلمانية والتي ينبغي أن تتم بأسرع وقت ممكن، تعديل الدستور بما لا يمس هوية الدولة الإسلامية. فيما طالب باسم خفاجي رئيس حزب التغيير والتنمية الرئيس بإصلاحات عاجلة استجابة لغضب الناس بالشارع الذي وصفه بالمشروع بسبب سوء إدارة الرئيس أو الحكومة، حتى لو وصل الأمر بطرح بقائه بالسلطة في استفتاء شعبي يحسم الانقسام داخل المصريين، وضع هذا الإصلاح كشرط ضروري لدعم الرئيس. ولكنه في نفس الوقت أكد رفض الحزب الانقلاب على خيار الشعب إلا عبر إرادة الشعب بعيدًا عن القرارات الاستثنائية وتغول أي من مؤسسات الدولة على الأخرى وحق الشعب في اختيار رئيسه عبر تبادل سلمي للسلطة.