من آن لآخر يعود بالمصريين الحنين للماضي، حتى وأن شكل تعارضًا مع القيم التي يؤمن بها من يعانون من تلك الحالة المرضية. فإذا كان جزء من المصريين لديهم حنين لعهد مبارك الذي أنتزع منهم أبسط مقومات الحياة الإنسانية وحريتهم، وتسبب فيما آلت إليه الأمور حاليًا من تدهور وانهيار نال كل شيء، فإن النخبة السياسية التقليدية لديها حنين آخر لحكم المؤسسة العسكرية وإعادة جنرالاتها للحكم بما يمثله ذلك من تحدي وإجهاض لمشروع الدولة المدنية الحديثة التي يحارب ويؤمن بها هؤلاء بكل ما تحمله من قيم ليبرالية. وهذا الحنين الأخير، يصفه نبيل عبد الفتاح الخبير الحقوقي والاجتماعي بنوع من انفصام الشخصية لدى المثقف، حتى حال تصديق المزاعم بأن هناك تهديدات حقيقية للدولة المدنية من قبل ممارسات الإخوان المسلمين والتيار الديني بشكل عام الذي يتصدر المشهد السياسي، فقد كان الأجدر بتلك النخبة السياسية والليبرالية منها تحديدًا أن يحاربوا من أجل الحفاظ على مدنية الدولة وقيمها، ويخوضوا صراعًا حقيقيًا دافعًا عما يؤمنون به، لا بالقضاء عليها من خلال الهروب من المعركة، واستدعاء دور المؤسسة العسكرية من جديد بالسياسة المصرية لتحارب معركتهم السياسية. استدعاء وصل إلى حد التحريض السياسي والدعوة للانقلاب عن شرعية أول رئيس منتخب شعبيًا في التاريخ المصري الحديث، إذ ما تم استثناء تجربة تولى محمد علي باشا في حكم مصر برغبة شعبية. كما أوجد هذا الجنين ردود فعل متباينة، فشريحة لا يستهان بها من النخبة السياسية المحسوبة على التيار الليبرالي أو اليساري داخل جبهة الإنقاذ أو حتى خارجها بدأت تعبر عنه بصورة تحريض للجيش للعودة من جديد للحكم والإدارة. فبعد الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، ومطالبته المباشرة وغير المباشرة للجيش بالتدخل لإنقاذ مصر حسب اعتقاده من الأخونة، عبر عن تلك الرغبة مؤخرًا الدكتور علي السلمي نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية بقوله.. " يجب على القوات المسلحة ممارسة دورها وواجبها ومسئوليتها الدستورية في حفظ استقرار البلاد واستعادة الأمن ومنع انهيار البادي على السطح في كل مؤسسات الدولة ". وأكد هذا المعني بقوله أيضًا، أنه على القوى المدنية العمل على دعوة القوات المسلحة لحفظ الاستقرار وشيو، فهذا الوضع الجديد فرضه نفسه لكون الجيش القوة المنظمة الوطنية القادرة على إعادة الأمور لما سماه نصابها الصحيح في ظل تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر حاليًا. ودعوة أكد عليها الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة، عضو جبهة الإنقاذ بتأكيده أن الدولة المصرية تعانى من حالة تفكك، وتدخل الجيش لحفظ أمن مصر واجب وطني على مؤسسة لها ثقلها مثل القوات المسلحة، قائلا.. " الجيش لا يجب أن يعود للسياسية، لكنه لو لم يتدخل لحفظ أمن البلاد يكون مقصرًا في واجباته، الجيش يمثل علامة استفهام خلال المرحلة الراهنة ". يتابع حرب: " لا أؤيد عودة الجيش للعمل في السياسة أو لحكم البلاد، لكن يجب وضع شروط لتدخله حتى يحفظ الأمن ولا تنهار البلاد ". فالسياسة لا تدار بتلك الحالة الساذجة أو التفكير بالأماني، فأما أن يتدخل في السياسة والحكم، أو يظل بعيدًا". والمثير هنا أنه دعا صراحة قيادة جبهة الإنقاذ إلى أن تسارع ليس بقيادة حرب حقيقية للدفاع عن الدولة المدنية التي يعتبرونها مهددة من الإخوان والتيار الديني والنزول للشارع، وإنما مطالبتها بأن تأخذ المبادرة لدعوة الجيش لحفظ الأمن بعيدًا عن ما أسماهم "المتقاعسون"، مؤكدا أن الفترة الحالية حرجة واستثنائية في تاريخ مصر. ودعوة لم تلق استجابة إلا من أحد روافد التيار الديني المتشدد، لكون بقية أحزاب وقوى هذا التيار رفضت مبدأ عودة الجيش للتدخل من جديد بالسياسة بعد الإقصاء الذي تم للمؤسسة العسكرية في يوليه الماضي. فقد دعا الشيخ نبيل نعيم، المسئول الأول عن تنظيم الجهاد بمصر، الذراع اليمنى للدكتور أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الأم، لعودة الجيش المصري للسلطة ويتولى مباشرة مقاليد الحكم وإدارة شئون البلاد. وفي تعليقه على مطالب البعض بانتخابات رئاسة مبكرة أو مجلس رئاسي يحل محل الرئيس مرسي قال.." جميع المتواجدين على الساحة لا يصلحون، فالأفضل أن يتولى الجيش إدارة البلاد لمدة سنتين يكتب دستورًا ثم يتم إجراء انتخابات رئاسية ". دعوة تعبر عن فشل النخبة السياسية في إدارة الحكم والصراع السياسي أكثر من كونها انحيازًا لصف الجيش. أما القوى الثورية والشبابية، فرفضت هذا الحنين، حيث قال خالد المصري منسق حركه شباب 6 ابريل أن موقف شباب الحركة كان ومازال ضد تدخل الجيش بأي شكل في المعترك السياسي للحفاظ عليه وعلى الوطن وندعمه في مهمته الوطنية بحماية مصر، موضحًا أن شعارنا.. " حافظوا على الجيش المصري، فالجيش يحمي ولا يحكم ". كما اعترض حمادة الكاشف منسق اتحاد شباب الثورة على هذا الحنين مؤكداً أننا كشباب ثوري نرفض فكرة الهروب من حكم الإخوان لحكم العسكر، وأن نزول الجيش لحماية الشعب والدولة من نظام الإخوان ودماء المصريين من السقوط، واجب علي الجيش وليس اختيارا لأنه ملك للشعب ويحميه ولكن لا يحكم، وإذا كنا رفض محاولات أخونة الجيش، فإننا في نفس الوقت نؤكد تمسكنا بمحاسبة قيادات المجلس العسكري السابقة التي أساءت للجيش وقتلت المصريين خلال الفترة الانتقالية وأضاعت حلم الثورة وفي مقدمتها المشير طنطاوي و سامي عنان وحمدي بدين وحسن الرويني. فيما أكد مصطفى يونس المتحدث باسم الاتحاد العام لثورة 25 يناير رفضه لهذا الحنين موضحًا أن مهمة الجيش يجب أن تقتصر على حماية البلاد داخليا وخارجيا، مشيرا إلى أن تدخل المجلس العسكري وإدارته لمصر بعد تنحى مبارك، أدى إلى أزمة كبيرة بسبب التخبط الكامل خلال تلك الفترة، ما أدى كما قال: إلى وجود حالة من الاحتقان ووقوع كوارث كثيرة في عهده، مثل أحداث مجلس الوزراء وماسبيرو ومحمد محمود، قائلا.." أن المطالبة بعودة المجلس العسكري للحكم من جديد، تُعد غير منطقية، لكونها مجازفة غير محسوبة ونتائجها قد تؤدى للهاوية، والحالة الوحيدة التي من الممكن أن يسمح بها للجيش أن يتدخل حدوث حرب أهلية ". ويصف محمد عطية المتحدث باسم تحالف القوى الثورية الدعوات التي خرجت للمطالبة بعودة المجلس العسكري للحكم من جديد، تعبر عن قلق المصريين مما يحدث على أيدي الإخوان، مضيفا أن الجيش جيش وطني له دور تاريخي في حماية مصر داخليا وخارجيا، ومنع محاولة إسقاط مصر، وليس التورط والدخول في الصراعات السياسة المستمرة، ، مشيرا إلى أن الثورة منذ بدايتها مدنيه ضد الحكم الديني المتسلط والعسكري المستبد. ورفض أيمن عامر منسق الائتلاف العام للثورة دعاوى نزول الجيش لإدارة شئون البلاد مؤكداً أن مهمة الجيش الأساسية والإستراتيجية هي حماية التراب الوطني والأمن القومي وحدود مصر الجغرافية وأنه لابد أن يكون على أتم استعداد وأفضل تدريب وإعداد من القوة والسلاح، ما لم يتأت إلا بالتفرغ لدوره الأساسي والبعد عن الخلافات السياسية. ونوه عامر أن ما يحدث من أزمات سياسية وطائفية وراءها مخططات ومؤامرات خارجية وثورة مضادة داخلية لاستهداف مصر وثورة 25 يناير وتحولها الديمقراطي مستغلين الأوضاع الداخلية والانقسامات بين القوى السياسية والثورية وبعض المطالب المشروعة لتنفيذ تلك المخططات. مشددا على أن من يريد إدخال الجيش يهدف بحسن أو بسوء نية إشغاله بالخلافات الداخلية ومن ثم الصدام والاشتباك كما حدث مع خبرة المجلس العسكري بالفترة الانتقالية يستهدف إضعافه وانشغاله، وما يترتب عليه مخاطر للأمن القومي المصري. وقال عامر إن الحل هو التوافق الوطني بين القوى الثورية والفرقاء السياسيين وإعلاء مصلحة مصر العليا على المصالح الحزبية الضيقة وتنفيذ النظام لمطالب الثورة والمطالب الشعبية المشروعة وعمل مصالحة وطنية وسياسية من خلال العدالة الانتقالية بين النظام السابق ونظام الثورة وجميع الفرقاء السياسيين شريطة عدم التورط في قضايا فساد أو قتل المتظاهرين من أجل الخروج من النفق المظلم والانتقال من دولة الصدام إلى جمهورية البناء والاستقرار. والمثير أن تلقى تلك الدعوة معارضة شديدة من المؤسسة العسكرية نفسها التي أكدت أكثر من مرة على لسانها مسئوليها أنها لن تنقلب على الشرعية السياسية والرئيس الذي انتخبه الشعب. وحدد هؤلاء مسار واحد لتدخل الجيش متمثل في منع انهيار الدولة ومؤسساتها ولحماية الشرعية، أي حرب أهلية تعجز الدولة عن أداء الأدوار المنوط بها. كما حملت دعوة مباشرة للقوى السياسية بحل مشاكلها وصراعاتهم بعيدًا عن توريط الجيش فيها.