عاد "غياب اليقين" ليهيمن على المشاعر العامة في مصر مجددا.. وهي ذات المشاعر التي كانت قد بلغت ذروتها عشية 25 يناير 2011.في مصر قلق عام، ومشاعر محبطة، وفزع لا يخفى على أي مراقب، من مآلات المستقبل، وعن شكل البلد، بعد انقضاء ليل 30 يونيو الجاري.سؤال المستقبل، يطرح بالتزامن مع سؤال آخر، غني بالدلالة والمغزى وهو: متى ينزل الجيش؟! والسؤال هنا هو سؤال مشروع، بعد أن فشلت النخبة المدنية (في السلطة وفي المعارضة)، في اقناع الرأي العام، بأن الدولة بلغت حد الفطام، وتستطيع الآن الاستغناء عن الحضور السياسي للمؤسسة العسكرية.قبل يناير 2011، توقع باحثون حدوث تغيير سياسي كبير ومفاجئ في مصر، وطُرح سؤال مشابه، يبحث عن القوة القادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه مبارك.. وأكدوا أن "جنرالا" آخر في إشارة إلى الجيش سيحكم البلاد، خلفا للعائلة الفاسدة، وطالبوا النخبة المدنية بالتوافق على "مدونة وطنية" استعدادا لهذا اليوم.وجاء الجيس فعلا، ثم خرج من المعادلة السياسية، بعد انتخاب أول رئيس مدني، وبعد عام من تجربة التداول الديمقراطي للسلطة، عاد "جدل البدائل" ليشغل الرأي العام، وتنامت المطالب بعودة الجيش مرة أخرى، وبمضي الوقت تحولت من محض مشاعر "خجولة" إلى "حركة وطنية" منظمة ومتسعة، وبادرت بجمع توكيلات لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. المفارقة هنا أن ذات النخبة المدنية التي ساهمت في إلحاق "هزيمة سياسية" بالجيش، وساهمت بشكل كبير في خروجه من السلطة، هي ذاتها التي تطالب بعودته، والاستيلاء على نظام الحكم الإخواني.غير أن تجربة الجيش في مرحلة ما بعد يناير، تركت "مرارات" لا تُنسى، وجعلت من "الأول" يتحسس موضع قدمه، قبل أية خطوة، ويرفض عروض القوى المدنية، بعودته للحكم مجددا، مؤكدا أنه لن يقبل بأن يخوض معارك ب"الوكالة" عن تيارات سياسية، بالغت في إهانة الجيش، وطالبت بخروجه "غير الآمن" من السلطة. غير أن منزلة المؤسسة العسكرية، وعقيدتها القتالية، تحصنها من التورط في وضع "أجندة وطنية" مؤسسة على "علاقات ثأر" مع المجتمع المدني خارجها، كما أن الأصول الطبقية للجيش المصري، حررته من الولاءات النخبوية والأيديولوجية والطائفية.. وأصلت داخل الضمير العسكري الرسمي المصري، تحيزه ل"الشعب" وحسب. هذا التكوين الطبقي، ضبط عبر تعاقب الأجيال والقيادات داخل المؤسسة ترتيب أولويات أجندته الوطنية، على النحو الذي جعل الرهان عليه حاضرا، مع التحولات السياسية الكبيرة "الثورات الشعبية".. وحال تعرضت الدولة للإنقسام، أو للاقتتال الداخلي، والحرب والأهلية. ولذا تظل التكهنات بنزول الجيش يوم 30 يونيو، مرهونة بالتطورات اللاحقة عليه، حال نزل الإسلاميون، ومارست كل الأطراف العنف والعنف المضاد.. وأشرفت الدولة على الدخول في أتون "الحرب الأهلية".. عندئذ سيعود الجيش إلى السلطة، وقد يعزل الرئيس، ويعلق العمل بالدستور، ويغلق الأحزاب ويعلن الأحكام العرفية.