د. شيماء سراج عمارة تكتب الإصلاح طريق لا يختلف عليه اثنان، والهدف الرئيسى من اتباع خطوات الإصلاح هو القضاء على ظواهر سلبية، والتى قد تكون تسببت فى معاناة الوضع القائم، وإذا ما تعلق الأمر بالإصلاح الاقتصادي، فسنجد أن الاقتصاد يمكن أن يطبق عليه نوعان من الإصلاحات، النوع الأول وهو الإصلاح المالى والنقدي، ويأتى النوع الثانى ليكمله من خلال خطوات الإصلاح المؤسسى أو الهيكلي، لنضمن بتكامل كل من الإصلاح المالى والهيكلى الوصول إلى النتائج التنموية المرجوة. ليبدأ التعرف العالمى على خطوات الإصلاح الاقتصادى بشقيه خلال فترة الثمانينيات، حيث بدأت العديد من دول العالم فى التوجه نحو تطبيق الإصلاح الاقتصادى فى إطار ما عرف بإجماع واشنطنWashington Consensusعام (1989)، وروج له مجموعة من الاقتصاديين على رأسهم جون وليامسون John Williamson، ليكون علاجًا ووصفًا من عشرة بنود للدول الفاشلة التى واجهت صعوبات مالية وإدارية واقتصادية، وقد تبنى تلك الدعوة كلٍ من البنك الدولى وصندوق النقد الدولي. ويتضمن إجماع واشنطن مجموعة من السياسات والتوصيات والمبادئ التوجيهية التى تم التوصل إليها فيما بين أطراف ثلاثة مركزها واشنطن وهى وزارة الخزانة بالولايات المتحدةالأمريكية وصندوق النقد الدولى والبنك الدولي، بهدف اعتبارها وصفة معيارية للإصلاح الاقتصادى للدول النامية التى تعانى تدهور أوضاعها الاقتصادية وعرفت «بوصفة البنك الدولي»، تتركز فى الحد من التدخل الحكومى فى الشئون الاقتصادية، إعادة توجيه الإنفاق العام من الدعم العشوائى إلى الاستثمار فى البنية التحتية، والإصلاح الضريبي، وحرية الأسواق، وتحرير التجارة، والاستثمارات، وحرية المنافسة، وتعويم سعر صرف العملة المحلية بحيث يعكس القوة الاقتصادية للدولة. وفى التسعينيات من القرن الماضى بدأ التطبيق الفعلى لبرامج الإصلاح الاقتصادي، والتى قوبلت بآراء متناقضة، ما بين مؤيد لها وبين منتقد شديد الانتقاد. إلا أن تطبيق مثل هذه السياسات الإصلاحية دون تحديد الإصلاحات الهيكلية التشريعية منها أو المؤسسية، والتى تضمن تحقيق التنمية القطاعية، قد أدى إلى حدوث مشاكل مالية جسيمة، والتى ظهر صداها فى عدد من الدول الأوروبية والآسيوية فى بداية التسعينيات. ليأتى أهم نقد للسياسات المنبثقة عن إجماع واشنطن من داخل البنك الدولى على يد جوزيف استجلتزStiglitzJoseph، فرأى استجلتز أن اتفاق واشنطن عجز عن فهم دقائق عمل اقتصاد السوق، وأكد أن تحرير الاقتصاد، لا يكفى لجعل اقتصاد السوق يعمل بنجاح. فتحرير الاقتصاد كما يراه استجلتز يحتاج إلى بنية تحتية مؤسسية مساندة والتى بدونها يمكن أن تؤدى تلك الإصلاحات إلى نتائج سلبية على المواطنين حيث تضعهم تلك السياسات تحت غلاة الرأسماليين وأقطاب القطاع الخاص. ويرى منتقدو اتفاق واشنطن أن فكرته الأساسية، قد اتخذت منعطفا سياسيًا ليبراليًا من قبل بعض المؤسسات الدولية، لتطبيق أجندتها العالمية للسيطرة على الموارد الطبيعية والميزة التنافسية لتلك الدول، من خلال الدعوة العلنية لتطبيق السياسات التحررية، ومن أهمها تحرير العملة المحلية، وتحرير التجارة، وإلغاء القيود على الواردات. وأكدت التجارب الدولية أن برامج الإصلاح الاقتصادى تحتاج إلى بنية مؤسسية قطاعية قوية خالية من الفساد، والتى بدونها ستؤدى تلك الإصلاحات إلى نتائج سلبية على المواطنين، وأبسط تلك النتائج التى أوضحها استجلتز هو ارتفاع الأسعار المتمثل فى سيطرة الرأسماليين. وبالنظر إلى التجربة الإصلاحية الاقتصادية المصرية، نجد أن مصر قد اتبعت الشق الأول من الإصلاح الاقتصادى والمعنى بالإصلاح المالى والنقدى من خلال استقرار سعر الصرف والسيطرة على تفاقم عجز الموازنة على الرغم من تزايد حجم الموازنة العامة للدولة، خلال الفترة 2014 وحتى عام 2021، ليتم إعلان الانتقال إلى الشق الثانى من الإصلاحات وهو الإصلاحات المؤسسية القطاعية بدءاً من عام 2021، والتى استهدفت عدداً من القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والاتصالات، لنعمل على إصلاح أطرهم المؤسسية بما يسهم فى زيادة إنتاجيتهم وقدرتهم الاستيعابية للعمالة، ومن ثم تحقيق التنافسية التصديرية لمنتجاتهم، وهى خطوة تعكس الإرادة القوية لإحداث طفرة فى ارتفاع معدلات النمو الاقتصادية، ومن ثم رفع مستويات المعيشة للمواطنين، وكى ننجح فى الوصول إلى ذلك نكون فى حاجة إلى جهود مضاعفة لمتابعة التنفيذ الدقيق للأهداف المطلوب الوصول إليها، ليحقق الإصلاحان المالى والهيكلى الخطوات التنموية التى طالما سعينا إلى جنى ثمارهما، وبما ينعكس بصورة مباشرة وسريعة على مستويات معيشة المواطنين. خبيرة اقتصادية [email protected]