بعد تحمل الشعب المصري لتكلفة الإصلاح الاقتصادي, وزيادة الأعباء المالية الملقاة علي عاتقه, وبعد موافقة صندوق النقد الدولي علي منح مصر الدفعة الأولي من القرض التنموي وقيمتها2.75 مليار دولار من إجمالي قرض يبلغ قيمته12 مليار دولار.. وبصفتي مواطنة أخشي علي وطني والأجيال القادمة من تحمل أعباء القروض الخارجية, لذا أدعو إلي المحاسبة علي أوجه إنفاق قرض الصندوق المنتظر, فنتيجة طبيعية لانتشار الفساد المؤسسي وعدم توفر الكفاءة المؤسسية في جميع الأجهزة الحكومية وفقا للتقارير المحلية والدولية, وبالتالي تراجع مؤشرات التنافسية المؤسسية, يكون من المتوقع حدوث سوء استغلال لمصادر التمويل الخارجية. أقولها صراحة.. أخشي ما أخشاه أن يتم استغلال تلك الأموال في غير موضعها, أو استغلالها لتمويل مرتبات ومكافآت لخبراء ومستشارين. فأنا لم أبني مقالي هذا من فراغ, فقد رأي استجلتز وهو من الاقتصاديين البارزين في الإصلاح المؤسسي وحاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام2001, أن السياسات الإصلاحية التي تضمنها إجماع واشنطن قد عجزت عن فهم دقائق عمل اقتصاد السوق, فلم تدرك أن التحرير لا يكفي وحده لجعل اقتصاد السوق يعمل بنجاح. فتحرير الاقتصاد كما يراه استجلتز يحتاج إلي بنية مؤسسية مساندة, وبدونها تؤدي تلك الإصلاحات إلي نتائج سلبية. والتجارب الدولية في تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي دون وجود إطار مؤسسي قوي, يضمن تنظيم التوجه نحو تحقيق تلك السياسات الإصلاحية, أثبتت حدوث مشاكل مالية جسيمة, والتي ظهر صداها في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية في بداية التسعينيات. لذا أستطيع أن أعلنها إنني من أنصار جوزيف استجلتز, فبدون وجود المؤسسات القوية ستؤدي الإصلاحات إلي نتائج سلبية علي المواطنين, وأبسطها هو ارتفاع الأسعار المتمثل في سيطرة الرأسماليين, ويمكن أن نقول جشع التجار, وهو ما قد نتلمسه بالفعل. وإذا ما تحدثنا عن مصر, أري أن مؤسساتنا وفقا للتصنيفات والتقارير المحلية منها والدولية لم تصل إلي الدرجة المنشودة من التنافسية أو الكمال, وهي المؤسسات التي ستتولي تطبيق تلك البرامج والتي من المفترض أنها إصلاحية, وباعتراف أجهزتنا السيادية هناك نسب كبيرة من الفساد المؤسسي. إذن ماذا سنتوقع في حالة استمرار الوضع المؤسسي علي ما هو عليه؟ نتوقع أن نتجه بكل تأكيد إلي ما هو أسوأ. فما نحتاجه كي يؤتي القرض ثماره أن تسير عجلة الإصلاح المؤسسي بسرعة تفوق برنامج الإصلاح الاقتصادي ذات نفسه, وذلك كي يؤتي القرض التمويلي ثماره. فالإصلاح طريق لا يختلف عليه إثنان, وأول خطوات الإصلاح هو الإصلاح المؤسسي ومحاربة الفساد بجميع صوره وأشكاله. وطالما نحن في أمس الحاجة إلي ذلك القرض وتلك المنح كي نستكمل عملية الإصلاح الاقتصادي التي بدأت تأخذ مجراها, وإلي حين تحقق عملية الإصلاح المؤسسي والتي قد تأخذ وقت ليس بالقليل نظرا لتوغلها ومحاربة خطواتها من المنتفعين ببقاء الوضع علي ما هو عليه. فإنني أدعو إلي إقامة جهاز مستقل أو تخصيص لجنة أو هيئة بخلاف الأجهزة المؤسسية القائمة التي قد يشوبها شائبة الفساد, يكون عملها مؤقتا, علي أن تتولي فقط الإشراف والمتابعة لأوجه صرف تلك القروض وإصدار تقارير معلنة للمواطنين الذين سيتحملون عبء هذا القرض, والذي أرجو من الله أن تكون سبل إنفاقه في اتجاه تحقيق التنمية المستدامة المنشودة بعيدا عن أية نفقات جارية قد تتمثل في الإنفاق علي استقدام الخبراء الأجانب أو مرتبات المستشارين وأعوانهم, مع كامل احترامي للجميع, وخالص الدعوات برفعة هذا الوطن.