د. شيماء سراج عمارة تكتب تتغير المؤشرات الاقتصادية بصفة شهرية أو سنوية لتعكس وضع الاقتصاد المحلى والعالمى، وقد نستمع إلى أداء تلك المؤشرات ما بين ارتفاعات أو انخفاضات، لنهتم بمدلولها تارة، وربما لا نعيرها اهتمامًا تارة أخرى، خاصةً إذا كنا لا نعرف تحديدًا مدى انعكاس أثرها علينا كمواطنين، وما الدور الذى أديته كمواطن لنصل إلى تلك الأرقام، وما المطلوب منى لتحسين الأداء، لتدور فى مخيلتى كل هذه التساؤلات خاصةً إذا كنت من غير المتخصصين فى الشأن الاقتصادي. لكن ما لا يدركه غير المتخصصين أن الاهتمام بوضع الاقتصاد المحلى والعالمى هو الاهتمام بكل نواحى الحياة، فكل مؤشر اقتصادى ينعكس مباشرةً على أحوالنا المعيشية كمواطنين سواء الحالية منها أو توجهاتها المستقبلية، كما أن الرقم الواحد كفيل بإعادة رسم العديد من التوجهات على مختلف السياسات التى تتبعها الدولة. فإذا ما تحدثنا عن «معدل التضخم» على سبيل المثال باعتباره أحد المؤشرات الاقتصادية المهمة، فيمكن أن نقول بصورة مبسطة إنه انعكاس لقدرة الأفراد على الشراء، كما إنه انعكاس لقوة الطلب فى الأسواق، وما يقابلها من سلع وخدمات متواجدة فى الأسواق لتلبية احتياجات المواطنين، ويمكن لمعدل التضخم أن يتحكم فى مختلف السياسات المالية التى تتبعها الدولة من خلال ضبط نفقاتها، كما يمكنه أن يتحكم فى السياسة النقدية التى يتبعها البنك المركزى من خلال ضبط تدفق العملة المحلية إلى الأسواق، سواء بالتحكم فى معدلات الطباعة للنقود أو التوجيه بزيادة أو الحد من منح القروض استنادًا إلى أسعار الفائدة المطبقة فى الأسواق، وسنركز فى هذا المقال على التوجهات الحكومية المقابلة لمعدلات التضخم من خلال السياسة المالية والنفقات الحكومية فى إطار الموازنة العامة للدولة. فإذا ما انخفضت السيولة النقدية مع المواطنين فسينخفض إقبالهم على شراء السلع والخدمات، وهو ما يمكن أن تعكسه حركة عدم البيع أو الإقبال على الشراء، وبالتالى سينخفض معدل التضخم، ومع الانخفاض الشديد فى معدلات التضخم سيحدث نوع من الركود بالأسواق، ومن ثم من الممكن أن تنخفض الأسعار وتظهر العروض المصحوبة بتخفيضات فى الأسعار فى محاولة من البائعين لتشجيع حركة البيع وتحسين شهية المشترين على الشراء، متخلين عن جزء من أرباحهم، إلا أن استدامة هذا الأمر سيؤدى إلى انكماش الاقتصاد. وفى حال ارتفاع السيولة النقدية مع المواطنين دون زيادة لحجم السلع والخدمات المقدمة فى الأسواق فسينعكس ذلك على ارتفاع الأسعار، أما فى حال زيادة المعروض من السلع فستنخفض فرص زيادة الأسعار لتوفر المعروض، فزيادة السيولة النقدية مع المواطنين بالتزامن مع زيادة المعروض من السلع والخدمات سينعكس على نمو اقتصاد الدولة المقترن بنمو الإنتاج والسلع المعروضة فى الأسواق وكذلك زيادة دخل المواطنين، وهو ما يمكن أن نترجمه فى اتساع حجم اقتصاد الدولة، وهو ما ينعكس على زيادة رفاهية المواطنين بتزايد قدرتهم الشرائية. ويمكن ترجمة ذلك فى خطوات الدولة المصرية الأخيرة المتمثلة فى زيادة الحد الأدنى للأجور وإقرار العلاوة الدورية والعديد من الحوافز لفئة الموظفين الحكوميين، وهو ما أدى إلى زيادة النفقات الحكومية الموجهة إلى الأجور فى الموازنة العامة للدولة بنحو 37 مليار جنيه، وهو ما ينعكس على استهداف تحقيق المزيد من التوجهات التوسعية لحجم الاقتصاد المصرى من خلال تحسين مستويات دخول الفئات الأولى بالرعاية، وينعكس على تحسن دخل مختلف الشرائح الوظيفية الحكومية. وتأكدت إيجابية الخطوات المصرية على الرغم من الركود العالمى الذى أصاب دول العالم جراء أزمة كورونا، فالاقتصاد المصرى استطاع الحفاظ على ثبات تقدم مؤشراته، بفضل الجهود التى استهدفت احتواء الأزمة، من منح للعمالة وبرامج لتشجيع الإنتاج، ليتحقق معدل نمو يقترب من حاجز ال4%، لتحتل مصر ثانى أكبر معدل نمو اقتصادى على مستوى الاقتصادات الناشئة بحسب تقديرات صندوق النقد الدولى، وهو الأمر الذى انعكس على انخفاض معدل البطالة إلى أقل من 8% خلال الربع الأخير من عام 2020، كما انخفض متوسط مُعدل التضخم السنوى إلى نحو 5% لتوفر المعروض، واسترد احتياطى النقد الأجنبى عافيته ليُغطى احتياجاتنا من الواردات لأكثر من 8،5 شهر بوصولنا إلى أكثر من 40 مليار دولار على الرغم من تداعيات الجائحة العالمية، لتعكس تلك المؤشرات جهود الدولة التوسعية دون تراجع. ** خبيرة اقتصادية