أكد الدكتور بكر زكى عوض، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر، عميد كلية أصول الدين بالقاهرة سابقا، أن البعض فى الغرب غير قادر على التحرر من عصبيته الدينية وعنصريته الإنسانية، وأشار إلى أن القلق من إقبال الأوربيين على الإسلام هو السبب الرئيسى فى كراهية هؤلاء للإسلام والمسلمين، وتكرار الإساءات للرموز الإسلامية بين الحين والآخر. الأديان لا تؤاخذ بممارسات أتباعها .. والتطاول عليها ضد «الأخوة الإنسانية» وفى حوار ل«الأهرام»، قال عميد أصول الدين السابق إن الإساءة للأديان، ضد ما أقرته وثيقة الأخوة الإنسانية التى وقعها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان قبل قرابة العامين. ودعا إلى زيادة عدد الدعاة ومبتعثى الأزهر والأوقاف لنشر سماحة الإسلام وتصحيح صورته فى هذه البلاد. لماذا تتكرر بين الحين والحين، ظواهر الإساءة للإسلام ورسوله فى الغرب؟ واهم من يظن أن الغرب قد تحرر من عصبيته الدينية، وعنصريته الإنسانية: فمنذ ظهر الإسلام حتى الآن، والغرب يضمر الكره له، يظهره أحيانا، ويضمره أحيانا أخرى، يضمره عندما يكون المسلمون أقوياء، ويظهره عندما يضعف المسلمون. وقد بدا ذلك واضحًا فى فترات العصور الأولى من ظهور الإسلام، كان إضمار الكره قائمًا وإظهار الأذى مختفيًا، فلما ضعف المسلمون، وقوى الغرب، (أوروبا الصليبية)، كانت الحروب التى استمرت مائتى عام، (الحروب الصليبية)، فى سبع حملات أتت إلى ديار الإسلام، لإضعاف قوتها من ناحية، ومعها الجمع الغفير من القساوسة الذين يشككون المسلمين فى إسلامهم، فازدهرت الديانات المقارنة، بالقرنين السادس والسابع الهجري/ الثانى عشر والثالث عشر الميلادي، ثم قوى المسلمون ثانية، واشتد عودهم نسبيا، حينما فتحوا القسطنطينية، على يد محمد الفاتح، فخفت الحقد والكره، ثم ما لبث أن ضعف المسلمون، فى القرنين الأخيرين، فتتابعت الحملات الاستعمارية من أوروبا، لبلاد العالم الإسلامي، تتقدمهم بريطانياوفرنسا والبرتغال ودول أخرى. وفى الآونة الأخيرة، بدأ الكره يظهر بصورة واضحة، واتخذ صورا منها: الإساءة إلى نبى الإسلام بخاصة، والطعن فى القرآن بخاصة، الطعن فى دين الإسلام عامة، اتهام المسلمين فى عمومهم بتصرفات فردية من بعضهم. وإذا كان هذا الأمر مقبولا فى إطار العواطف الدينية المضادة من قبل عوام النصارى للإسلام فى أوروبا، فإنه غير مقبول من قادتهم وساستهم، وذلك حين يتجرأ كثير من مسئولى أوروبا، على الإسلام ونبيه، ويساندون المتطرفين من أتباع ديانتهم، فى الوقت الذى ينكرون فيه على بعض المسلمين أن يعبروا عن غضبهم تجاه هذه التصرفات المشينة. بم تفسر موقف الرئيس الفرنسى من الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ يزعم ماكرون ومن تبعه أن فرنسا تنعم بالحرية، وأن حق التعبير مكفول للجميع، وأن حق من شاء أن يقول ما شاء، دون حساب أو عقاب، وأقول له، إن كنت تؤمن بحرية القول، فهل تستطيع أن تنكر الهولوكوست، أو أن تهاجم السامية، أو أن تنكر استعمار اليهود لأرض فلسطين؟!، بل إنكم قررتم فى دياركم أن من يعادى السامية، أو السادية، فإنه يحاكم، وروجيه جارودى أفضل دليل على هذا، فلماذا لا تأذنون لمن شاء أن يعبر عن رأيه تجاه هذه القضايا أم أنها سياسة الكيل بمكيالين!. ولماذا هذه الكراهية المستمرة من الأوربيين للإسلام؟ الأسباب كثيرة ومتعددة، وهى ليست وليدة اليوم، فقديما كان الفتح الإسلامى فى شمال إفريقيا، وقد كان نصفها الأعلى يتبع الإمبراطورية الرومانية المسيحية، وبلاد الشام كذلك كانت تخضع لنفس الإمبراطورية، وقد دانت هذه البلاد بالإسلام، بل إن جزءًا من البحر الأبيض، قد فتح فتحًا إسلاميًا، زمن عثمان بن عفان، وجنوب أوروبا، فتح فتحًا إسلاميًا، وامتدت الفتوحات حتى حدود فرنسا، فهم يبكون على هذه الديار التى خرجت من قبضتهم وكانت مصدر رزق، ورغد عيش بالنسبة لهم. ثانيا: فى الواقع المعاصر، أوروبا تستشعر بخطر المسلمين وخطر الإسلام فى العقود الأخيرة، لأن تزايد عدد المسلمين فى أوروبا بحساباتهم هم، سيجعلها قارة إسلامية، قبل خمسين عاما آتية. كيف ترى دور المسلمين والمؤسسات الدينية فى الدعوة للإسلام فى الغرب؟ لابد من دور فاعل وأكثر تأثيرا، وقد طالبت فى مؤتمرات دولية إسلامية عدة، بوجود دعاة متميزين علميا بالسفارات العربية والإسلامية لهذه الديار، ونحن بحاجة إلى ملحقين ثقافيين متمكنين فى علوم الدين، للتعريف به على أساس من الاعتدال والاتزان. لأن وجود هذا النوع من الدعاة سيحد من المتطرفين الذى يتاجرون بالدين فى هذه الديار، وسيكونون مصابيح تختفى بها الخفافيش، وأقصد بالخفافيش هنا الذين عرفوا قليلا من المعرفة الدينية عن طريق الجماعات والجمعيات، ثم جعلوا من أنفسهم أئمة للإسلام فى تلك الديار، فشوهوا صورة الإسلام وأثروا على فكر بعض المسلمين وأذنوا لهؤلاء أن يتحدثوا عن الإسلام بالتطرف، غير مفرقين بين الإسلام كدين وبين انحراف بعض اتباعه، بمثل ما انحرف ماكرون فى قوله وفعله. برأيك .. كيف نصحح صورة الإسلام فى الغرب؟ بدعاة مخلصين يتم اختيارهم على أساس من الالتزام والكفاءة مع نفى الوساطة والمحسوبية والرشاوى عند الاختيار، وأشهد أن وزارة الأوقاف فى السنوات الخمس الأخيرة قد سلكت هذا المسلك. حيث خصصت لجنة لاختيار أفضل العناصر من المتقدمين للابتعاث إلى الخارج، دون شفاعة أو وساطة أو مجاملة أو محسوبية، وجعلت الكفاءة هى المعيار الوحيد عند الاختيار، ولكن عدد المبتعثين قليل للغاية، لذا فلا بد من مضاعفة أعدادهم للتمكن من عرض الإسلام بسماحته واعتداله. وما هو واجب المسلمين فى بلاد الغرب إزاء ما يتكرر من إساءات؟ ليس أمامهم سوى التعبير السلمى عن غضبهم، دون إساءة أو بذاءة، أو تكسير أو تخريب، فالمظاهرات والهتافات كالبرق لا يلبث أن ينطفئ على عجل. لذا فعليهم التزام السلوك الحسن داخل هذه الديار، وقد أعجبنى التعبير بالرفض من قبل كثيرين من المسلمين فى وجه الرئيس الفرنسي، مثل المرأة السبعينية (مريم) التى أخبرته أنها اعتنقت الإسلام، وكذلك الفتاة التى سألته وأحرجته على الهواء مباشرة، (هل سمعت عن مسلم سب المسيح أو سب دينه أو سب كتابه؟ فلماذا تسب نبينا وكتابنا وديننا) فصفق لها ولم يجد إجابة. كما أنصح كل مسلم بالغرب بألا ينقل الصراع فيما بينهم كمسلمين، معهم إلى أوروبا، وأن يركزوا على الجانب الإنسانى فى التشريع الإسلامي، وأن يطلبوا الرزق الحلال قدر الاستطاعة، ولا يعيشون عالة على التسول أو الجمعيات الخيرية فى هذه الديار، لأن من يملك المال يؤثر على اتخاذ القرار. وعلى جميع المسلمين فى شتى بقاع العالم أن يتخلقوا بأخلاق النبي، ويتأدبوا بآداب الإسلام، وأن يسعوا إلى استعادة قوة المسلمين ثانية، وأن يحترموا القيم الإسلامية، التى تمكنهم من النهوض، وتملك القوة، وإتقان العمل، والنظام والنظافة واحترام المواعيد، والوفاء بالعهود والعقود، والقيم، كل هذه المبادئ والقيم تعبر عن حبنا للرسول صلى الله عليه وسلم. البعض يرى أن وجود متطرفين من المنتسبين للإسلام مبرر للإساءة للإسلام وسوء فهمه؟ هذا غير صحيح .. فالسبب الرئيسى هو ما أشرنا إليه. أما المتطرفون فمع أننا نرفض تطرفهم وننكره جملة وتفصيلا، لكن ذلك لا يمكن أن يكون مبررا أبدا للإساءة، وإلا فكيف يتحمل سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم تطرف بعض المنتسبين إليه؟. إن هذا لا يتأتى إلا فى حالة واحدة إذا تحمل موسى عليه السلام، المسئولية عن مذابح صبرا وشاتيلا، ومدرسة بحر البقر، وكل ما يفعله اليهود فى المنطقة، وتحمل عيسى عليه السلام ما وقع فى الحروب الصليبية، وما وقع من الدول الاستعمارية المسيحية، وهذا لن يكون أبدا. * نقلًا عن صحيفة الأهرام