وظيفة مضمونة.. تعرف على تنسيق تمريض 2024 وأبرز الشروط والأوراق المطلوبة    هشام طلعت مصطفى: مشروع ساوث ميد يجذب عوائد دولارية ضخمة لمصر    «الدولار والكهرباء» أولويات المجموعة الاقتصادية بالحكومة الجديدة    توقيع اتفاقية مساهمين بين الصندوق السيادي وشركة الأهلي سيرا    مطالب أهالي المنيا من الحكومة المرتقبة.. مشروعات صناعية ورقابة على الأسواق    مصدر ليلا كورة: عمر كمال جاهز للداخلية.. وأشعة للتأكد من حالة تاو    ضبط 3 عناصر إجرامية بمخدرات قيمتها 3 ملايين جنيه في القاهرة ومطروح    آلام الولادة تفاجئ طالبة ثانوية عامة داخل لجنة الامتحان بالفيوم    ضبط سيدة تدير كيان تعليمى يمنح شهادات مزورة بمبالغ مالية في الإسماعيلية    محسن محي الدين: نجوم الفن ابتعدوا عني عندما اعتزلت    العريش للموسيقى العربية تحيي حفل ذكرى 30 يونيو بشمال سيناء    ماذا يحدث للجسم في حال تناول المخبوزات على الإفطار؟.. طبيبة تجيب (فيديو)    تنسيق الجامعات.. تعرف على كلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان    أفضل فرصة استثمارية في الساحل الشمالي.. مطور عقاري يكشف التفاصيل    وزير خارجية جنوب السودان: لابد من وجود عقوبات حتي يتحقق للسلام    استمرار الارتفاع.. الأرصاد تكشف حالة الطقس وبيان درجات الحرارة المتوقعة    مسؤولون أمنيون إسرائيليون: التهدئة مع حماس يمكن أن تسهل التوصل إلى اتفاق مع حزب    شيخ الأزهر يهنئ المستشار أحمد عبود برئاسة مجلس الدولة    هشام عبد الخالق رئيسا لغرفة صناعة السينما خلفا ل فاروق صبرى    «زيادة الدخل والأرباح».. توقعات برج العذراء في شهر يوليو 2024    موعد صيام عاشوراء 2024 وفضله وحكمه في الإسلام    أليسون: فينيسيوس يستحق الفوز بالكرة الذهبية    لم تلزم بقرار الغلق.. تحرير 137 مخالفة للمحلات التى خلال 24 ساعة    رياضة المنيا: قافلة طبية مجانية للأسر الأكثر احتياجا في قرية الجندية    جهاد جريشة: ياسر عبد الرؤوف وسمير محمود عثمان الأنسب لقيادة لجنة الحكام    لتنفيذ التوصيات.. رئيس «الشيوخ» يحيل 17 تقريرًا إلى الحكومة    قطار سياحي فاخر.. أبرز المعلومات عن «حارس النيل» قبل إطلاقه في مصر    مصدر حكومي: التغيير الجديد يشمل عددا كبيرا من الحقائب الوزارية والمحافظين    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة دراسة نظم الري الحديثة    ضبط 2.5 طن لحوم ودواجن وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمى بالمنوفية    ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم مخدرات بقيمة 3 ملايين جنيه    وزير الخارجية يفتتح النسخة الرابعة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين    تقرير فلسطينى يرصد انتهاكات الاحتلال بالضفة خلال النصف الأول من 2024    تسعى لفرض قيود على الهجرة والحجاب.. من هي مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي؟    هآرتس: الجيش الإسرائيلي ينوي إنهاء القتال في غزة دون التوصل لصفقة تبادل    فيلم ولاد رزق 3 يتصدر شباك التذاكر بإيرادات تخطت ال 2 مليون جنيه    «ربنا فوق الكل».. رد جديد من شقيق شيرين عبد الوهاب بشأن اتهامه ببيع «صفحات التواصل»    مشاركون فى ملتقى الهناجر: مصر تمتلك قوة ناعمة قادرة على تجميع المصريين    مصدر حكومي: التغيير الوزاري شهد دمج وزارات واستحداث أخرى    مصدر مطلع: الحكومة الجديدة تؤدي اليمين أمام الرئيس السيسي غدا    الكومي: بيريرا مستمر حتى نهاية تعاقده.. وأخطاء التحكيم أثرت على نتائج 8 مباريات فقط    موقف سيف الجزيري من اللحاق بلقاء الزمالك وفاركو    ارتفاع معدل التضخم في هولندا إلى أعلى مستوى في 5 أشهر    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز سبل التعاون المشترك    بعد الإفراج عنه.. مدير مجمع الشفاء بغزة: الاحتلال عذبنا بالكلاب البوليسية    الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة الداخلية في الدوري    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز التعاون المشترك    محافظ بني سويف: البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب أصبح مشروعا قوميا    الإفتاء: تعمد ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها من الكبائر    14 وفاة و6 ناجين.. ننشر أسماء ضحايا عقار أسيوط المنهار    مأمورية خاصة لنقل المتهمين بقتل طفل شبرا الخيمة    الحوثيون يعلنون تنفيذ أربع عمليات عسكرية نوعية استهدفت سفنا أمريكية وبريطانية وإسرائيلية    أمين الفتوى: وثيقة التأمين على الحياة ليست حراما وتتوافق مع الشرع    خالد داوود: جمال مبارك كان يعقد لقاءات في البيت الأبيض    كوبا أمريكا.. أوروجواي 0-0 أمريكا.. بنما 0-0 بوليفيا    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    تصعيد مفاجئ من نادي الزمالك ضد ثروت سويلم    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعًا عن العقلانية 1
نشر في بوابة الأهرام يوم 31 - 05 - 2020


د. جابر عصفور
لا يزال مستقرًا فى وعيى أن الحداثة والتحديث والعقلانية والحرية هى طرق المستقبل فى حياتنا. ولا فارق بين الحداثة والتحديث إلا فى أن الكلمة الأولى تشير إلى الجانب الفكرى والمعنوي، بينما التحديث يشير إلى الجانب المادى من الفعل الشامل لتغيير المجتمع وتطويره. أما العقلانية فهى الوعى الذى يحرك الحداثة والتحديث فى كل مستوياتهما وعلاقاتهما على السواء. ولا يكتمل له ذلك إلا فى مناخ من الحرية التى تفتح أمام العقل كل أبواب الاجتهاد دون خوف من الخطأ أو القمع المعرفى أو السياسى أو الديني.
ولذلك فلا حداثة ولا تحديث دون شيوع الفكر العقلانى الحر فى المجتمع وأولويته فى العقل الجمعى الذى يفكر فى المستقبل. ولهذا اخترتُ أن أكون ناقدًا عقلانيًّا منذ أن كتبتُ كتابى الأول فى مجالات النقد الأدبي ، ومضيتُ فى هذا الطريق إلى أن جاءت السبعينيات التى أشعرتنى بحاجتنا الشديدة إلى العقلانية وإلى التمسك بها كالحرية سواء بسواء. ومن حُسن الحظ أننى تأثرتُ ب الفكر العقلانى للمعتزلة فى القرن الثالث للهجرة، قبل أن أتأثر بالفكر الرُّشدى ( ابن رشد ) فى القرن السادس للهجرة الذى جاء بعد تحول الفكر الكلامى إلى فلسفة خالصة.
والحق أننى لم أتخيل فارقًا كبيرًا بين عقلانية الاعتزال عند ازدهاره فى القرن الثالث للهجرة، وعقلانية ابن رشد قُرب مغيب التيار العقلانى عن الفلسفة العربية فى القرن السادس للهجرة. ولا أزال أرى أن الجانب المزدهر فى الحضارة العربية الإسلامية ظل قرين ازدهار العقل والعلم على السواء. صحيح أننا لا نهتم كثيرًا بتاريخ العلم العربي، ولكن أى نظرةٍ فاحصةٍ إلى تراثنا تؤكد أن ازدهار العلم العربى كان مرتبطًا دائمًا بازدهار العقلانية الفلسفية، ولذلك كان ازدهار الفكر العقلانى هو الوجه الآخر لازدهار العلم فى التاريخ الإسلامي.
وحتى عندما انتقلت ثمرات الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا، وأخذت أوروبا فى ترجمة العقلانية العربية، سبيلًا لها إلى النهضة والاستنارة، وأخذنا نحن فى الانحدار المتزايد والتبعية لأوروبا الصاعدة، فإننا عدنا إليها لنتعلم منها ما سبق أن أعطيناه لها، وما أضافت هى إليه فى التتابع الصاعد لحركة التاريخ. وهكذا بدأنا نأخذ منها بعد أن سبق أن قدَّمنا إليها، وخضعنا لها فى عمليات غزوٍ استعمارى بعد أن كنا نحن نقوم بهذا الدور فى العالم القديم. ولذلك كان من الطبيعى أن يكون التقدم الأوروبى الحديث لنا نبراسًا ومقياسًا مع عصر النهضة.
هذا الدرس الذى يقدِّمه تاريخ تراثنا العربى الإسلامى هو الدرس نفسه الذى يعنينا فى سعينا نحو التقدم والازدهار فى عصر مختلف فى مستقبله وأحلامه عن آفاق مفتوحة إلى ما لا نهاية من الحرية والعدل الذى ورثنا قبسًا من نورهما فى عصورنا السابقة، فقد تعلَّمنا من تراثنا، فى عصور ازدهاره، أن العلم كالعقل، وأن العقل يحرك العلم ويدفعه إلى التقدم. فالعلم يبدأ بفكرةٍ، والفكرة تبدأ من التفكير والاجتهاد، ولذلك كان نجيب محفوظ يرى فى تلازم العلم والعقل المقرون بالعدل، بشيرًا بمشرق النور والعجائب فى رائعته: «أولاد حارتنا»، ولذلك جعل من «عرفة» وريث الديانات والحضارات، مبتكر الأفكار وصانع المعجزات التى تتحول إلى بدايات جديدة لحيوات أجد. وبالقدر نفسه كنتُ أرى أن كل هزيمةٍ وانحدارٍ فى مسيرتنا التاريخية منذ مشرق الإسلام إلى اليوم، مرتبطة بانكسار العقلانية وهزيمتها فى مواجهة خصومها: الاستبداد والظلم والقمع. وهذا نوع من التفكير انتهى بى إلى أن العقلانية ليست درسًا من دروس الماضي، ولا هى لُحمة وسدى تراث الاستنارة العربى والعالمي، وإنما هى طريق المستقبل الواعد.
وربما كان أخطر ما يتميز به عصرنا، على مستويات السلب، أن العقلانية فيه كانت مهددة على كل مستوى وفى كل مجال، وأن الفكر المصرى قد انحرف عن تطوره الطبيعى فى مجرى العقلانية مع السبعينيات، وأن هذا الفكر قد انتقلت إليه جراثيم التعصب والاستبداد والإرهاب منذ التحالف مع الإخوان المسلمين من ناحية، ومع الرجعيات العربية والغربية من ناحية ثانية. وقد زاد الأمر كارثية، قيام الجمهورية الإسلامية فى إيران، وما أعقبها من نزعات إسلامية متطرفة ومعادية للعقل فى غيرها من الأقطار التى كانت ولا تزال سدًّا منيعًا يعوق تدفق الحركة الخلاقة للعقل المقرون بالحرية والعدل اللازمينِ لحضور العقل فى فعله المجدد. ولذلك اخترتُ عنوان: دفاعًا عن العقلانية ليكون عنوانًا لكتابى الجديد الذى سيصدر بعد انقضاء جائحة كورونا وذهابها إلى حيث جاءت بإذن الله سبحانه وتعالي.
إن العقلانية تعنى الاحتكام إلى العقل، والاحتكام إلى العقل يعنى المساواة بين العقول وقبول اختلافها بوصفه أمرًا طبيعيًّا، وسُنَّة من سنن الكون. ولم يكن من قبيل المصادفة أن ذهب ديكارت، الفيلسوف الفرنسي، إلى أن العقل هو أعدل الأشياء توزُّعًا بين الناس، فالله قد منح الجميع عقولًا يتساوون بها فى معنى الإنسانية المُلازمة للحرية وغاياتها. ولا فارق بين واحد منهم عن غيره إلا فى مدى استخدامه هذا العقل الحر فى مجالاته المختلفة والغاية التى يمكن أن يصل إليها بهذا الاستخدام. ولذلك فمن المؤكد أن هناك فارقًا بين من يُعمل عقله الحر فى كتاب الكون أو كتاب الطبيعة، ومن لا يُعمل هذا العقل. وإذا كان الله يثيبنا على قدر ما توجَّهنا إليه إرادتنا الحرة، فى مسعى عقولنا الحُرة التى خلقها فينا خالقنا، حجة علينا، فإنه بالقدر نفسه يساوى بيننا وبين غيرنا من خلقه بما لا يمايز بين بشر وغيره. فالعقل الذى هو أعدل الأشياء توزعًا بين الناس هو العقل نفسه الذى يسوِّى بين الناس، فلا يمايز بينهم إلا بمدى فعله الخلاق بفضل هذا الكائن أو ذاك. (وللمقال بقية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.