د. أحمد سيد أحمد بعد مرور عدة أشهر على انتشار جائحة كورونا وارتفاع أعداد المصابين والمتوفين, لا يزال العالم يدور فى حلقة مفرغة وإستراتيجية أساسية فى التعامل مع الفيروس ترتكز على الدفاع والتجنب و الإجراءات الاحترازية لتقليل أعداد المصابين, وقد تنوعت إجراءات الدول المختلفة فى هذا الصدد ونجح بعضها خاصة التى اتخذت إجراءات مشددة فى تحجيم انتشار المرض نسبيا بينما انتشر المرض بشكل كبير خاصة فى أمريكا وبعض الدول الأوروبية, انعكس فى الارتفاع الكبير فى الضحايا, رغم الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها. واقع الحال أنه مادام لم يتم التوصل إلى مصل فعال ل علاج المرض وإلى لقاح فعال أيضا وأمن للوقاية منه, فسيظل العالم مضطرا للاستمرار فى إستراتيجية الدفاع و الإجراءات الاحترازية , لكن تظل المشكلة فى المقابل هى التكلفة الاقتصادية المرتفعة التى تتصاعد يوميا مع استمرار الفيروس وعدم التوصل إلى علاج ناجع له. فقد تجاوزت خسائر الاقتصاد العالمى بسبب الفيروس تريليونات الدولارات نتيجة لتوقف الحركة التجارية وحركة الأفراد والسلع والخدمات مع توقف الكثير من المصانع عن العمل, كما حدث انهيار كبير فى أسعار النفط العالمية وصل إلى أقل من عشرة دولارات، للبرميل وهو ما ينذر بكارثة اقتصادية عالمية وتكرار سيناريو الانهيارات الاقتصادية السابقة التى شهدها العالم ومنها أزمة الكساد الكبير وانهيار الأسواق المالية, بل الأخطر فى حالة كورونا وتأثيرها العالمى مع تصاعد الخسائر الاقتصادية, والتى تتباين الدول المختلفة فى تحملها, خاصة الدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدة, التى تأثرت بشكل كبير بالأزمة الاقتصادية. التداعيات الاقتصادية السلبية الناتجة عن كورونا تتفاقم بشكل كبير على البشرية كلها خاصة فى الارتفاع الكبير فى معدلات البطالة مع إغلاق الكثير من المصانع والمنشآت وتوقف كثير من القطاعات الاقتصادية بشكل كامل خاصة قطاع السياحة, إضافة إلى تأثر العديد من الفئات بشكل كبير بالأزمة خاصة العمالة غير المنتظمة وغيرها, ورغم الإجراءات التى اتخذتها بعض الدول لتخفيف الآثار الاقتصادية مثل ضخ مليارات الدولارات فى الاقتصاد وتعويض الشركات والمصانع للاستمرار وعدم تأثر العاملين بها, إلا أنه مع استمرار أزمة كورونا لوقت طويل ستتفاقم تلك التأثيرات الاقتصادية, وما يتبعها من تأثيرات اجتماعية خطيرة على كثير من الفئات الضعيفة فى العالم. كورونا أدت لعولمة الخوف والهلع نتيجة لثورة الاتصالات والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والتى جعلت كل البشر يتابعون لحظة بلحظة منحنى الخط البيانى للإصابات والوفيات حول العالم, وهذا بدوره فاقم من التأثيرات السلبية للازمة, ودفعت الناس أيضا إلى الاتجاه نحو إستراتيجية الدفاع والانكفاء على الداخل خوفا من الإصابة ولا أحد يعرف متى ستنتهى الأزمة, مما زاد من التأثير المزدوج للفيروس اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا. وبدلا من تبنى العالم, خاصة الدول الكبرى فى النظام الدولى, إستراتيجية الهجوم, وهى العمل المشترك على مواجهة عدو مشترك للبشرية, كورونا, والتنسيق فى المجال الطبى والصحى لسرعة التوصل إلى علاج ولقاح لهذا المرض ينهى هذا الكابوس, نجد أن هذه الدول, خاصة أمريكا والصين, دخلت فى تجاذبات سياسية واتهامات متبادلة حول المسئولية عن انتشار الفيروس, وهو ما يقلل من فرص إمكانية الخروج من تلك الأزمة, التى كشفت هشاشة وضعف الأنظمة الطبية والصحية للدول الكبرى ذاتها وكشفت عن وهم القدرات البحثية والعلمية لهذه الدول والتى عجزت حتى الآن عن التوصل إلى علاج سريع وفعال للفيروس. من المبكر الحديث عن عالم ما بعد كورونا مادامت الأزمة مستمرة، وسيظل العلم يعيش فى مرحلة كورونا وتداعياتها الاقتصادية الضخمة وتكلفتها البشرية العالية وتأثيراتها الاجتماعية والنفسية الهائلة. والمواجهة الأمثل لأزمة كورونا تكون من خلال إستراتيجية التعايش والهجوم. إستراتيجية التعايش تقوم على تحقيق التوازن بين العمل واستمرار عجلة الاقتصاد و الإجراءات الاحترازية التى تتخذها الدول المختلفة، ويجب أن يلتزم بها المواطنون لتجنب الإصابة بالمرض مثل التباعد الاجتماعى واتباع تعليمات منظمة الصحة العالمية فى الوقاية واستخدام المطهرات والتعقيم والأقنعة وغيرها، وهذه تحتاج إلى تغيير حقيقى فى سلوك الأفراد وتعميق التوعية بها خاصة من جانب وسائل الإعلام وذلك لتقليل أعداد الإصابات ومن ثم الوفيات. من المهم أن يتأقلم العالم مرحليا مع تلك الأزمة, وكلما تم تحقيق التوازن بين استمرار العمل والإنتاج والعودة التدريجية للحياة الطبيعية وإجراءات الوقاية قلت تأثيرات كورونا السلبية. ويجب أن يتوازى مع إستراتيجية التعايش وما بعد الصدمة, العمل بقوة على مسار إستراتيجية الهجوم فى التعامل مع الفيروس وهو الإسراع باكتشاف مصل ولقاح له وهذا يتطلب تكثيف التعاون بين الدول الكبرى فى إطار دعم منظمة الصحة العالمية, ودعم مبادرتها من خلال تخصيص جزء من الدخل القومى لتلك الدول للإنفاق على الأبحاث العلمية والمختبرات من اجل التوصل إلى علاج شامل لفيروس كورونا حتى تلتقط البشرية أنفاسها وتعود الحياة لطبيعتها. فيروس كورونا هو تهديد خطير للسلم والأمن الدوليين, والتغلب عليه يتطلب التخلى عن الانانية والفردية التى تتبعها الدول الكبرى, والتوجه نحو ا لعمل الجماعى الدولى المشترك خاصة فى المجال الطبى, مع التعايش مع الأزمة حتى يتم التوصل إلى علاج فعال للفيروس. نقلا عن صحيفة الأهرام