استنكر الناقد جابر عصفور أن يكون نجيب محفوظ قد وقف عقبة في سبيل تطور الرواية العربية، وقال في الجلسة الأولى من صالون نجيب محفوظ، والذي يقيمه المجلس الأعلى للثقافة في يوم الأحد الثالث من كل شهر، ضمن احتفاله بمئوية أديب نوبل: إنه لا يمكن لأديب مهما كبر حجمه أن يحجب أدبًا قادمًا بعده، بل إن وجود معاصرة الكُتَّاب الشباب لكاتب كبير يهدم ما بينهم من التوتر والاستنفار، ويساعدهم ذلك للارتقاء بإبداعهم حتى يصلوا به لمستوى يقارب مستوى الهرم الكبير". وتساءل صاحب "زمن الرواية": "هل فرض محفوظ حقًا تأثيرا سلبا على من جاءوا بعده؟ ثم أجاب: "للأسف بعض الناس قالوا إن محفوظ قد قطع علينا الطريق، واندفع الناقد رجاء النقاش إلى طرح هذا السؤال "السخيف" في حواره مع محفوظ بمجلة المصور". وأضاف مؤلف "نقاد نجيب محفوظ": "هؤلاء الكتاب الصغار الذين اتهموه بأنه قد وقف عقبة في طريقهم ذهبوا مع الريح كأنهم لم يكونوا ولم يعد أحد يذكرهم، الطريف أن بعض من هؤلاء عندما سمعوا بجائزة نوبل وحصول محفوظ عليها انقلبوا من النقيض إلى النقيض وأصبحوا يتحدثون عن روعة كتابات محفوظ!" وألمح عصفور إلى أن: "فترة الستينيات كانت عاصفة تغيير بالنسبة لمحفوظ ولغيره، وكان محفوظ شديد الذكاء، استطاع أن يستفيد من كل ريح جديدة أثبتت أصالتها، وكان يستمع إلى تلامذته القريبين منه، وبقدر ما أثر في الأجيال الجديدة كان يتأثر بهم". وأشار صاحب "اتجاهات النقد المعاصر" إلى أن "الأجيال التالية لمحفوظ قرءوا نتاجه وأعجبوا به، ونجد ذلك ظاهرًا بوضوح في مقالات طه حسين وغيره، حيث سنجد نوعا شديدا من الإكبار، وصل لدرجة أن لويس عوض في الستينيات وصف محفوظ بأنه "مؤسسة قومية أقبل عليه اليمين والوسط واليسار ويأتي إليه السواح ليتفرجوا عليه"، لقد كان محفوظ يؤمن برؤية لمستقبل الرواية ومضى بها دون أن يعبأ بأي شيء خارجي، ولم يكن يريد في آخر مشواره أن يحصل على نوبل، ولكن أراد أن يجعل من الرواية شعر الدنيا الحديث". واتفق الروائي يوسف القعيد مع عصفور في رفضه لفرضية وقوف محفوظ كعقبة أمام تطور الرواية، لكنه اختلف معه حول وصفه لسؤال النقاش بالسخيف، مؤكدًا في الوقت نفسه أهمية السؤال قائلًا: " سؤال رجاء النقاش لم يكن سخيفا، بالعكس فقد كان سؤالا مهمًا، وكان طرحه من قبل النقاش في غاية الشجاعة، خاصة في ذلك التوقيت عام 1969". وأوضح صاحب " قطار الصعيد" أن محفوظ قد رد على تساؤل النقاش قائلًا –والكلام لنجيب محفوظ- " أختلف معك اختلافًا موضوعيًا، فالروائي ليس مطلوبًا منه أن يشكل خطوة على من سبقه، هذه القاعدة تصلح في التكنولوجيا وليس في الفن، لايمكن أن آتي عقبة للاحقين بل يمكن أن أصبح عقبة أمام مجايليّ فقد يفكر أحد أبناء جيلي أن يكتب عن تجربة مشابهة لما كتبته في الثلاثية، وهنا قد يشعروا بنوع من المصادرة". ثم علق القعيد على رد محفوظ الذي أورده قائلا: "المعركة التي دارت حول سؤال اليوم حقيقية ومازالت مستمرة، وليست القضية صراع أجيال ولكنها فكرة التجاوز والعقبة ومحفوظ نفسه اعترف أن يمكن أن يكون عقبة أمام مجايليه ولكن ليس للاحقيه". واتفق الروائي أحمد صبري أبو الفتوح مع عصفور والقعيد على أن محفوظ لم يكن عقبة في سبيل الرواية بل عمل على تطويرها، قائلًا: " محفوظ كان أبا مؤسسا للرواية العربية، لكنه كان أيضًا مدركا أنه سيضطلع ليس فقط بدور المؤسس ولكن بدور المطور أيضا، ولهذا صنع في حياته ما صنعته شعوب عدة في حيوات عدة". وأضاف صاحب ملحمة السراسوة: "سئل محفوظ ذات مرة في السبعينيات عن التحول الذي حدث في كتاباته حينما انتقل من الكتابة عن الرواية التاريخية إلى الواقعية، فقال "عندما كتبت زقاق المدق سخر مني أصدقائي بندوة الأوبرا، وقالوا لي إنك تكتب بأسلوب القرن التاسع عشر، ولكني لم أكتبها سوى بالشكل المفترض أن تُكتب به". محفوظ قال لمنتقديه إني أكتب من واقع المجتمع الذي أقدم إليه عملي، ولهذا أستنكر أيضًا وصف نجيب محفوظ بالعقبة".