حازم عمر- عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تساءل الجزء الثالث عن آليات تنظيم تدفق المطالب والنوعية التي يجب الاستجابة لها والأخرى المطلوب التفاوض بشأنها، فهي قد تكون محدودة وبسيطة كالمطالبة ببناء مدارس ومستشفيات وشبكات من الطرق والمياه والصرف صحي، أو تكون معقدة أو غامضة كالمطالبة بأداء حكومي أفضل أو تحقيق العدالة الاجتماعية أو تطوير التعليم أو مواجهة البطالة والفقر. ومهما تعددت المطالب فهي من ناحية تعبر عن الاختلافات بين الجماعة السياسية، ومن ناحية ثانية تعكس الشعبية التي تحظى بها الحكومة، ومن ناحية ثالثة تعكس نضج الجماعة السياسية، ولاسيما عندما تكون المطالب واضحة ومحددة، بينما التوقعات والرغبات في الوصول إلى منصب أو ثروة أو الانتماء إلى طبقة اجتماعية أو سياسية معينة تخرج عن دائرة المطالب فهي أشبه بالأمنيات التي لا يفضل التعامل معها أو النظر إليها باعتبارها مصدرا من مصادر الضغط على النظام. فمن أين تأتي تلك المطالب، وكيف تتدفق إلى السلطة؟ إنها تأتي من المواطنين العاديين كتعبير عن احتياجهم الشديد لمطلب ما، مثل المطالبة بشق ترعة لري الأراضي أو بناء مدرسة لتعليم الأبناء أو مستشفى للعلاج من الأمراض أو محطة مياه للشرب، إنها مطالب وخدمات عامة، تتباين آلية تدفقها حسب طبيعة النظم السياسية، ففي النظم التقليدية يتم نقل المطالب عبر شيوخ القبائل، وفي النظم الحديثة عبر الأحزاب السياسية والمجالس النيابية، وربما من خلال شبكة من القنوات الأخرى الحديثة، وقد تنجح هذه الآليات في نقل المطالب وقد تفشل، ففي الحالة الأولى تستطيع السلطة ومراكز صنع القرار الاستجابة والتعامل معها، وفي الحالة الثانية وهي الفشل فتمثل عبئاً على السلطة ولاسيما عندما تتراكم هذه المطالب نتيجة عدم القدرة على توصيلها، هذه الدائرة لن تتوقف فالمطالب والاحتياجات لن تنتهي، وفي المقابل الموارد أحياناً لا تكفي للوفاء والاستجابة للمطالب، ومن ثم قد تفرض الأوضاع والإمكانات عملية فلترة وتحديد للأولويات، ولاسيما في فترات التغيير السياسي التي يصعب فيها على السلطة الاستجابة لكافة المطالب، ومن ثم يتوجب على الجماعة السياسية ومسئولي نقل المطالب الإدراك الجيد للظرف السياسي الذي تمر به نظمهم السياسية، فليس من المقبول أن يقوم شيوخ القبائل أو قادة الأحزاب أو نواب الشعب بترديد عبارات فشل السلطة في الاستجابة لمطالبهم أمام المواطنين العاديين، لأن من شأن ذلك اهتزاز الثقة بين الحكام والمحكومين، ومع تفاقم أزمة الثقة نصبح أمام مجتمع مخاطر، ولاسيما مع شيوع حالة اليأس والإحباط التي تعمل على ترويجها الكيانات غير الشرعية وغير المعترفة بالنظام والخارجة عليه وعلى قواعده، كل هذا يفرض على السلطة تحديد أوليات المطالب ووضعها أمام صانع القرار، فكيف يتم تحديدها ومن يقوم بذلك الدور؟، هذا ما سيتم تناوله في الجزء الخامس.