لكل نظام مكونات وآليات عمله كي يستمر ويستقر؟ قبل الإشارة إلى مكونات النظام، يبقى في ذهننا أن النظام مجموعة تفاعلات متصلة وغير منفصلة. ويعتبر الدستور أو العهد المكون الأول للنظام السياسي فهو منشئ السلطات وهو الوثيقة التي تحدد القواعد والقيم والمعايير السائدة داخل النظام بأكمله، ويتمثل المكون الثاني في السلطة ويمثلها شاغلوها، ويتحتم الامتثال القسري لها خاصة في مراحل الأزمات والتمرد وتفاقم الإرهاب والتهديدات وتزايد دعوات التفرقة والانفصال، أما المكون الثالث فيتمثل في الجماعة السياسية ولا تتضمن الأحزاب فقط؛ بل تتسع لتشمل كافة الأعضاء الذين يتمتعون بحقوقهم السياسية، وعليهم الاحترام والامتثال للقواعد الدستورية حتى وإن اختلفت تفضيلاتهم وتوجهاتهم السياسية، فضلاً عن تأييدهم للسلطة التي جاءت وفقاً للدستور؛ لأن مخالفتها تعني مخالفة العهد والقواعد ويجعلها في مصاف الجماعات التي تعمل خارج النظام فتصبح كيانات غير شرعية. وإذا كان الدستور يمثل القمة والجماعة تمثل القاعدة والسلطة هي القلب، فعلى هذا النحو يجب أن تكون ثمة حالة من التناغم بين هذه المكونات، لأن الارتباط الوثيق بينهم يزيد من التماسك ويقلل من الانقسامات، فالتماسك يخلق مفردات سياسية تعكس المصلحة العامة والمشتركة، هذه المفردات تقدمها وترفع شعاراتها الجماعة السياسية وعندما ينفرط عقدها تفشل في تحقيق ذلك، فتبادر السلطة بتقديمها لتحفيز المصلحة المشتركة وللحفاظ على نسيج الحياة السياسية. فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى النظام السياسي المصري، نجد أن القيادة لا تتوانى في تقديم مفرادات سياسية، تلك المفردات في حاجة إلى تضامن وإدراك أكبر من المجتمع السياسي، فلعلنا نتذكر في مناسبة حفل إفطار الأسرة المصرية قول الرئيس السيسي "مستقبل مصر بأيد كل المصريين". إن المكونات السابقة في حالة مستمرة من التفاعل والاتصال وليس القطيعة والانفصال، فالسلطة لن تتوقف عن إصدار القرارات والسياسات والتشريعات، والجماعة السياسية لن تنتهي مطالبها التي تمثل في حد ذاتها تأييداً للسلطة، وقد تمثل ضغوطاً عليها عندما تتقلص المطالب إلى الصفر لشعور الجماعة السياسية بأنه لاجدوى من رفع المطالب، لكن في ذات الوقت يجب أن تتسم تلك المطالب بالرشادة حتى يتسنى للسلطة استيعابها والتعامل معها والاستجابة لها. ولكي يتحقق الاستقرار والاستمرار يصبح من الضروري التوفيق بين المطالب من ناحية والقرارات والسياسات من ناحية أخرى، لأن المطالب هي همزة الوصل بين ما يجري في الحياة الاجتماعية بشكل عام والسياسة بشكل خاص، فضلاً عن تحقيق درجة من التوازن بينهما، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي آليات تنظيم تدفق المطالب؟ وما هي المطالب التي يجب الاستجابة لها والأخرى المطلوب التفاوض بشأنها؟ هذا ما سيتم تناوله في الجزء الرابع من المقال. كاتب المقال: عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين