غدًا.. مصر بلا طوارئ.. عبارة فرضت نفسها على المشهد العام فى مصر، عقب قرار المجلس العسكرى بإلغاء حالة الطواريءالتى بدأ العمل بها في العهد الجمهورى منذ عام 1958، ثم تم تعطيلها لعدة سنوات، حتى عاد العمل بها مجددا عقب حرب 1967 وتم إنهاء الطوارئ لمدة 18 شهرا في عام 1980 وأعيد فرضها بعد اغتيال السادات. وقد شهدت مصر قبل ثورة يوليو 1952 فرض الأحكام العرفية أكثر من مرة، بسبب الحربين العالميتين الأولى والثانية. ويأتى قرار إلغاء العمل بالقانون، قرب إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، التى يتنافس خلالها الدكتور محمد مرسى، والفريق أحمد شفيق، بعد حصولهما على أعلى نسبة أصوات بين المرشحين ال 13 خلال الجولة الأولى. وفي ظل قانون الطوارئ تتسع سلطة الشرطة، ويتم تعليق الحقوق الدستورية وفرض السلطات الرقابية، كما يقيد قانون الطوارئ الناشطين السياسيين، حيث يمنع التظاهر في الشوراع، ويحظر نشاط المنظمات السياسية غير المعلنة، كما يحظر التبرعات المالية غير المسجلة. وتعهد المجلس العسكرى، الذى تسلم مقاليد الحكم فى البلاد عقب تنحى مبارك فى الحادى عشر من فبراير 2011، بحفظ الأمن بالبلاد لحين تسليم السلطة للرئيس الجديد، عقب إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات، وإعلان المرشح الفائز بالرئاسة. وكان يلزم لتمديد القانون، أن يجتمع مجلس الشعب لإقرار ذلك، وهو ما لم يحدث خلال الأيام الماضية. تاريخيًا.. تم فرض قانون الطوارئ في مصر، المعروف ب"قانون رقم 162 لسنة 1958" منذ عام 1967 وتم إنهاء حالة الطوارئ لمدة 18 شهرا في عام 1980، ثم تم فرضها أثناء حرب 1967، وأعيد فرضها بعد اغتيال السادات. ويتم تمديد حالة الطوارئ حسب الدستور لمدة ثلاث سنوات من عام 1981. وأنه وفقا للإحصائيات الصادرة من منظمات حقوقية إبان عهد نظام مبارك، فإنه كان يحتجز أكثر من 17 ألف شخص في ظل حالة الطوارئ، وقدر عدد السجناء السياسيين بأكثر من 30 ألف سجين. ووسّع المجلس العسكرى، في شهر سبتمبر من العام الماضى، تطبيق قانون الطوارئ، وجاءت هذه الخطوة في أعقاب الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن عند السفارة الإسرائيلية، تلك التى أسفرت عن وقوع ثلاثة وفيات فضلاً عن اعتقال نحو 130 شخصا، بتهمة اقتحام السفارة، وارتكاب أعمال تخريب فى مقر جهة سيادية على أرض مصرية. كان قانون الطوارئ في عام 2010 قد تم حصره على جرائم الإرهاب والمخدرات، لكنه عاد بعد تولى المجلس العسكرى زمام الحكم، إلى نطاقه الأصلي وتم توسيعه، بحيث أصبح يشمل الجرائم التي تضم تعطيل المواصلات وقطع الطرق، وبث الشائعات، وحيازة الأسلحة والذخائر والاتجار فيها، والاعتداء على حرية العمل. أظهرت المادة الثانية من قانون الطوارئ، أنه يستهدف الإرهابيين وتجار المخدرات فقط، لحين صدور قانون خاص بمكافحة الإرهاب، لكن قوى المعارضة فى عهد النظام السابق، وحتى عقب إسقاط النظام، احتجت على تمديد قانون الطوارئ، ووصفوه بأنه "قانون سئ السمعة" وتضامن معهم أكبر عدد من الجماهير الشعبية في مصر، فضلا عن تضامن زعماء الدول الأوروبية، ومن بينهم الرئيس الامريكى الحالى باراك أوباما، الذى كان أحد معارضى تطبيق الطوارئ فى مصر. على الصعيد الدولى، وصفت صحيفة "واشنطن بوست" تمديد الحكومة المصرية، فى الثانى عشر من مايو 2010 لقانون الطوارئ، لمدة عامين، بأنه "صفعة" على وجه أوباما، الذي كثر الحديث في الأوساط الأمريكية عن تخليه عن إحلال الديمقراطية في مصر ودفعها قدما على عكس سلفه السابق جورج بوش. وقتها اعتبرت الصحيفة، أن مبارك بهذا القرار استهزأ بالحركة الجماهيرية الصاعدة التي تنادي برفع قانون الطوارئ، حتى يتسنى لهم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وديمقراطية، كما انتهك تعهداته المتكررة بأنه هو وحزبه الحاكم سيضعان نهاية لقانون الطوارئ. كان يقر قانون الطوارئ بأن من يتم اعتقالهم يحاكمون أمام محاكم خاصة تعرف بمحاكم أمن الدولة العليا طوارئ، وهي محاكم، على غرار المحاكم العسكرية. كما يمنح القانون قوات الأمن فعليا صلاحيات مطلقة في التفتيش والاعتقال والاحتجاز. فى سبتمبر من العام قبل الماضى، استنكر فيليب لوثر نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، تمديد العمل بالطوارئ، وقال حينها: "إنه لأمر مثير للانزعاج أن نرى قوات الأمن وهي تُمنح مجددا، نفس الصلاحيات التي أساءت استخدامها مع إفلاتها من العقاب في السابق. لقد كانت هذه الصلاحيات الكاسحة سبب أسوء انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر خلال الثلاثين عاما الماضية". يتكون قانون الطوارئ، 20 مادة، أهمها المواد ال 6 المتعلقة برئيس الجمهورية، تلك التى أتاحت له: "أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي، وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال". ختامًا.. فإن قانون الطوارئ، يعنى أنه نظام استثنائي محدد في الزمان والمكان، تعلنه الحكومة، لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءاً منها وذلك بتدابير مستعجلة، وطرق غير عادية في شروط محددة، لحين زوال التهديد.