قالت دراسة أعدها الدكتور عبد المنعم السيد، عضو نادى خبراء المال والمحكم الدولى، أن إجمالى السيولة من الاحتياطى النقدى المصرى المتاح حالياً هو 7 مليارات دولار فقط وهذا المبلغ لا يكفى إلا لتغطية احتياجات مصر خلال 42 يومًا فقط. استعرضت الدراسة رحلة صعود هبوط منذ مرحلة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، حيث كان لدى مصر احتياطى نقدى كبير، وكان غطاء هذا الاحتياطى هو الذهب وهذا ما كان يعطى قوة للجنيه المصرى الورقي، وكان الجنيه الذهب عام 1953 يساوى 97.5 قرش أى أقل من جنيه وكان الجنيه أقوى من الاسترلينى، وكان أحد العملات العالمية التى يتم بها التداول كالإسترلينى الإنجليزى والفرنك السويسرى. كان الفرنك السويسرى يعادل 4 قروش مصرية لذلك كان المصريين يطلقون كلمة نصف فرنك على فئة القرشين، وكان الجنيه المصرى يعادل 5 ريالات سعودية. وعندما قامت الثورة فى 23 يوليو 1952 كانت مصر وفقًا لميزانية 30/6/1952 قبل قيام الثورة بنحو 3 أسابيع كانت مصر دائنة لإنجلترا بنحو 400 مليون جنيه استرلينى، وبعد قيام الثورة، ونظرًا لمساعدتنا لحركات التحرر الإفريقية والعربية فى سوريا ولبنان وليبيا والسودان واليمن وإفريقيا، بدأت فى التصرف فى جزء من الاحتياطى النقدى سواء السائل والذى كان يستثمر فى البنوك الأجنبية أو فى سبائك الذهب التى كانت موجودة ومحفوظة لدى البنك المركزى. ودخلت مصر عدة حروب وعلى رأسها حرب السويس أو ما يعرف باسم العدوان الثلاثى على مصر ثم قيامنا بالتحدى لإرادة الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا لبناء السد العالى لتوفير المياه والكهرباء ثم دخولنا حرب 1967 أو ما يعرف بعد ذلك بنكسة 5 يوليو 1967، ثم دخولنا بعد ذلك حرب 1973 مما أجهز على الاحتياطى النقدى المصرى وكذلك احتياطى الذهب وظهرت نظريات فى ذلك الوقت تفيد أن قوة عملة الدولة لا تتوقف فقط على ما تحتفظ به من ذهب أو نقود وإنما يكفى القوة البشرية لذلك وكذلك يكفى الزعامة التاريخية وكذلك يكفى المكانة العالمية، وكل هذا يجعل لعملة الدولة قوة فى سوق العملات العالمية وكان هذا الكلام للأسف يروج له بعض الاقتصاديين المصريين وعلى رأسهم الدكتور حسن عباس زكى، وزير الاقتصاد فى ذلك الوقت، واستمرت مصر على ذلك الحال حتى بعد حرب 1973 وانتصارنا ومحاولة الرئيس محمد أنور السادات استثمار ذلك الانتصار وتحويله إلى مكاسب اقتصادية. وقامت مصر بتغيير النظام الاقتصادى لها من سياسة اشتراكية إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي، وخاصة أن اسعار البترول ارتفعت عالميا" من دولارين للبرميل الواحد إلى نحو 40 دولارًا للبرميل وساعد ذلك مصر على زيادة عدد العاملين بالخارج وزيادة تحويلاتهم وكذلك افتتاح قناة السويس وزيادة الإيرادات منها كل ذلك جعل مصر تقوم بعمل احتياطى نقدى مرة أخرى بعد أن كانت الخزانة خاوية على حد وصف السيد الرئيس الراحل محمد أنور السادات "إن مصر لم يكن بها أى احتياطى لمدة 3 أيام قبل حرب اكتوبر عام 1973". والاحتياطى النقدى عادة هو ما يجعل لعملة الدولة قوة كما أنه يؤمن احتياجات الدولة من الغذاء والكساء وكل الاحتياجات لو تعرضت الدولة لأى مكروه أو حروب أو خلافه وكلما زاد الاحتياطى زادت نسبة الأمان للدولة وكان بعد الحرب وحتى منتصف الثمانينيات الاحتياطى النقدى المصرى لا يتجاوز 6 مليارات دولار، واعتبارًا من وزارة الدكتور عاطف صدقى فى بداية عام 1987 وحتى اوائل التسعينيات وعلى وجه التحديد اعتبارًا من عام 1992 عندما بدأ فى تكوين الاحتياطى النقدى مستفيدًا، من حرب العراق حرب الخليج كما يسمونها وقيام الدول الأوروبية بإسقاط جزء كبير من المديونية المستحقة على مصر وذلك وفقًا" للمفاوضات مع الدول الدائنة لمصر فى نادى باريس فقد قام الدكتور عاطف صدقى بإعادة تكوين الاحتياطى النقدى وحتى قيام الدكتور عاطف صدقى بتقديم استقالته فى 3 يناير عام 1996 وكان الاحتياطى النقدى المصرى يبلغ 21 مليار دولار، وكان هذا المبلغ يؤمن احتياجات مصر لمدة 13 شهراً من الغذاء والكساء وخلافه. وبعد تولى الدكتور كمال الجنزورى الوزارة فى 4 يناير 1996 وحتى تركه للمسئولية فى 5 أكتوبر 1999 كان الاحتياطى النقدى يبلغ 18 مليار دولار وكان هذا المبلغ يؤمن احتياجات مصر لمدة 9 أشهر من الغذاء والكساء وعندما تولى الدكتور عاطف عبيد المسئولية فى 7 أكتوبر 1999، وحتى استقالته من الوزارة فى 14 يوليو 2004 كان الاحتياطى النقدى انخفض بدرجة كبيرة جداً ليصل إلى 11 مليار دولار، وكان هذا المبلغ يؤمن احتياجات مصر من الغذاء والكساء لمدة 5 أشهر فقط وزاد سعر الصرف بالنسبة للجنيه ليبلغ سعر الدولار أكثر من 6 جنيهات بسبب الأزمة الاقتصادية والتعثر التى واجهت معظم المستثمرين المصريين بسبب زيادة سعر الصرف للجنيه وكان من نتاج ذلك إفلاس معظم البنوك المصرية واندماجها مع بعض كما أنه كان السبب المباشر فى هروب وسجن معظم رجال الأعمال المصريين لعدم قدرتهم على سداد المستحق عليهم وبعد ذلك جاءت وزارة الدكتور أحمد نظيف الأولى ثم الثانية التى تم تشكيلها فى 14/7/2004 وحتى 30/12/2005 بعد انتخابات الرئاسية وكذلك انتخابات مجلس الشعب المصرى وبعد قيام الوزارة والتى تسمى وزارة رجال الأعمال أو وزارة وزراء رجال الأعمال والتى قامت بزيادة الاحتياطى النقدى من 11 مليار دولار إلى نحو 33 مليار دولار حتى أغسطس 2008 بعد بيع بنك الإسكندرية وشركة عمر أفندى وكذلك بيع رخصة المحمول الثالثة لشركة اتصالات وبيع معظم شركات الغزل والنسيج وكل ذلك ساعد على زيادة الاحتياطى النقدى لهذا المبلغ وهو 33 مليار دولار. وبعد الأزمة المالية العالمية فى سبتمبر 2008 ومحاولة الحكومة لإيجاد الحلول لمواجهة الأزمة المالية العالمية ومحاولة زيادة الإنفاق حتى يتم تشغيل أكبر عدد من الشباب وكذلك محاولة الحكومة تخفيض مبالغ العلاوة الاجتماعية التى تبلغ 10% من أساس المرتبات ووعد الحكومة بأنها ستقوم بإنفاق مبلغ 30 مليار جنيه على دفعتين كل دفعة تبلغ 15 مليار جنيه، ووعدت الحكومة بأن هذه المبالغ ستكون من موارد حقيقية ولكن بعد ذلك أتضح أن الحكومة لم تجد أمامها سوى أن تقوم بأخذ مبلغ 3 مليارات دولار من الاحتياطى النقدى أى ما يعادل نحو 16 مليار جنيه مصرى وذلك لمواجهة الازمة ثم قامت بتخفيض الاحتياطى النقدى بمبلغ 3 مليارات دولار آخرين ليصل إلى 26 مليار دولار بعد أن كان 33 مليار دولار والاهم والأخطر من ذلك أن هذا المبلغ لا يؤمن احتياجات مصر إلا لمدة 90 يومًا" فقط وخلال عام 2009/2010، قامت الحكومة ببيع معظم مصانع وشركات القطاع العام وكذلك بيع مجموعه كبيره من الأراضى المصريه للمستثمرين العرب وخاصة شركات الديار وإعمار الإماراتية، كما أن الدوله قامت بالاقتراض من الخارج عن طريق إصدار سندات وأذون خزانه عامه بمبلغ 3 مليارات دولار وبأسعار فائدة أكبر من أسعار السوق إذ بلغ سعر الفائدة 6,5% على بعض السندات وذلك لان مؤسسات التصنيف الائتمانى العالميه قامت بتصنيف السندات المصريه على أنها سندات خردة ولذلك زاد سعر الفائدة على هذه السندات وكل هذا جعل الاحتياطى النقدى لمصر يبلغ 36 مليار دولار وذلك حتى 31/12/2010 وكانت وزاره الدكتور أحمد نظيف تتباهى دائما بأن الاحتياطى النقدى لمصر زاد من 11 مليار دولار فى وزاره الدكتور عاطف عبيد حتى بلغ 36 مليار دولار فى عهد وزاره نظيف ولكنه نسى او تناسى بأن أسعار الفائدة على هذا الاحتياطى أو بالأحرى على جزء كبير منه هو 6% وأنها أسعار فائدة عالية إذا علمنا أن سعر الفائدة على الافتراض فى ذلك الوقت عالميا يبلغ 1,5% على الأكثر كما أن هذا الاحتياطى ليس نتاج وفر فى الصادرات أو الإيرادات مثلًا ولكنه نتاج بيع مجموعة من الأصول كما أنه نتاج الاقتراض وإصدار السندات على الخزانة المصرية أي أنه بمثابة مصادره على حقوق الأجيال القادمة، والأدهى من ذلك أن هذا الاحتياطى كان يؤمن احتياجات مصر لمده 4 أشهر ونصف الشهر فقط وليس كما كان لمده 12 شهرًا مثلا وهذا هو الأهم. وبعد قيام ثوره 25 يناير 2011 والتى انتهت المرحلة الأولى منها بخلع رأس النظام السابق من الحكم يوم الجمعة 11/2/2011 وكذلك ملاحقه رءوس نظامه وأركان الدوله قضائيًا وحبسهم على ذمه قضايا فساد وبسبب ظروف الانفلات الامنى وفترات حظر التجول وكذلك إغلاق البورصة لمده 55 يومًا، وكذلك إغلاق البنوك لفترات طويلة كل هذا يساعد على تأكل الاحتياطى النقدى المصرى لأن الاستيراد زاد بدرجة كبيرة وخاصة استيراد المواد الغذائية كما أن الإيرادات قد انخفضت بدرجة كبيرة وخاصة إيرادات السياحة وقناة السويس وتمويلات العاملين بالخارج وذلك نتاج الثورات التى اشتغلت فى المنطقة وخاصة دول البحرين وتونس وليبيا واليمن وسوريا والتوتر السائد فى المنطقة كل هذا ساعد على انخفاض معدلات تحويلات العاملين بالخارج بالإضافة الى رجوع عدد كبير من العماله الموجودة بهذه البلاد وخاصة ليبيا ولذلك نجد أن الاحتياطى النقدى لمصر قد انخفض من 36 مليار دولار فى 31/12/2010 إلى 22 مليار دولار فى 31/8/2011 أي انخفض بقيمه 14 مليار دولار خلال 7 أشهر فقط أى بمعدل 2 مليار دولار شهريًا أي نصف مليار دولار أسبوعيًا وهذا هو الخطر الكبير الذى يجب أن ننتبه له وأن نعمل على زيادة الإنتاج وإعادة الاستقرار الامنى والاقتصادى حتى يتم زيادة موارد مصر من العملات الأجنبية وخاصة عوده السياحة وعوده النشاط لكل المصانع والوحدات الإنتاجية وغير ذلك حتى يتم إيقاف الاستيراد ويزيد تكوين الاحتياطى النقدى مرة أخرى لأن غيرذلك يعد هو الخطر الأهم والذى يجب على الحكومة أن تدركه وتعمل على تلافى هذه الاخطاء وتعمل محاولات جادة لإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص عمالة أكثر وذلك لمواجهة ظاهرة البطالة. وحتى يتم نوع من التوازن الاجتماعى أعلن البنك المركزى فى التقرير الذى صدر فى 31/3/2012 أن الاحتياطى النقدى المصرى أصبح 15 مليار دولار مع العلم بأن الاحتياطى النقدى يشتمل على ذهب يمثل قيمة الغطاء النقدى للعملة المصرية بنحو 7 مليارات دولار. أى أن إجمالى السيولة من الاحتياطى النقدى المصرى المتاح حالياً هو 7 مليارات دولار فقط وهذا المبلغ لا يكفى إلا لتغطية احتياجات مصر خلال 42 يومًا فقط. ونحن الآن فى مأزق حقيقي يجب أن تتكاتف كل القوى السياسية والاقتصادية حوله للمرور والخروج من هذا المأزق الاقتصادى فمن المعروف أن الاحتياطى النقدى للدولة بمثابة جهاز المناعة الذى يحمى الدولة من التعرض لأى هزات اقتصادية قد تحدث عالمياً أو داخلياً، كما أنه يعطى نوعًا من أنواع الأمان لتغطية احتياجات الدولة فى استيراد السلع الرئيسية الأغذية خلال فترة يجب ألا تقل عن 6 أشهر ومن ثم يجب على الدولة وضع استراتيجيات للحد من تدهور الاحتياطى النقدى والعمل على زيادته. وطرحت الدراسة عدة حلول واقتراحات تساعد على زيادة الاحتياطى النقدى يمكن من خلالها زيادة الاحتياطى النقدى: 1. زيادة رءوس أموال البنوك الأجنبية العامله فى مصر طبقاً لاتفاقية بازل 3 . 2. زيادة نسبة الاحتياطى النقدى الذى تقوم البنوك العامله فى مصر بإيداعه لدى البنك المركزى المصرى كنوع من أنواع التأمين الذى يشترطه قانون البنوك، لأن البنك المركزى المصرى ضامن لكل الودائع المودعة لدى أى بنك يعمل فى مصر. ويمكن توفير مبلغ 10 مليارات دولار يمكن من خلالها زيادة الاحتياطى النقدى لدى مصر بنحو 50% فقط . 3. أيضاً إلغاء استيراد السلع الرفاهية مؤقتاً ولو لمده عامين وثلاثة لتخفيض الضغط على طلب الدولار. 4. إعادة هيكلة الموازنة العامة من خلال إيجاد موارد جديدة تتمثل فى تخفيض دعم المصانع ذات الإستخدام الكثيف للطاقه أو إلغاؤه بما يوفر ما يقرب من 60 مليار جنيه. 5. إلغاء انتداب المستشارين البالغ عددهم 220 ألف مستشار فى الجهاز الإدارى الحكومى يحصلون على 18 مليار جنيه سنوياً.