توتر العلاقات مع إيران واضطراب الأوضاع بسوريا، وصعود الإسلاميين فى مصر وتونس - أحد ثمار الربيع العربي - يجعل إسرائيل تعيش حالة من القلق والشعور بالحصار، الأمر الذى يضطرها، حسب تصريحات رئيس وزرائها، إلى زيادة إنفاقها الدفاعي لمواجهة ما تراها تحديًا كبيرًا يهدد أمنها. ويقول شلومو بروم كبير الباحثين بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب "من الواضح أن الحكومة قلقة جدًا مما رأته منذ بداية الربيع العربي". واستطرد "حين يفكر الإسرائيليون في الحكومات الإسلامية، فإن النموذج الذي يرونه أمام أعينهم هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية" مضيفا أنه ليس واضحًا كيف ستبدو مصر حين تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمون. تأسست الجماعة عام 1928 وينظر إليها منذ زمن طويل على أنها أفضل قوة سياسية تنظيمًا، وهي تتحدث لغة غيرها من الإصلاحيين حين يتعلق الأمر بالحاجة إلى الديمقراطية واستقلال القضاء والعدالة الاجتماعية. لكن منتقديها يقولون إن هذه اللغة تخفي هدف الجماعة وهو تحويل مصر تدريجيا إلى دولة إسلامية. وتدعم معاهدة السلام مع مصر التي وقعت منذ 33 عاما استراتيجية إسرائيل في المنطقة، مما يمكن إسرائيل من تقليص ميزانيتها الدفاعية بشدة، ويساعدها في الحفاظ على الوضع القائم في علاقتها المضطربة مع الفلسطينيين. كانت مصر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تمد إسرائيل بأربعين في المئة من احتياجاتها من الغاز، ولعبت دورًا حيويًا في الحد من إمدادات الأسلحة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم قطاع غزة. وقال أوري درومي المتحدث باسم رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين "سيطرة الاخوان المسلمين على اكبر دولة عربية ليست خبرا سارا. سيكونون اكثر عداء ولكن ليس لدرجة خرق اتفاق السلام". وتضررت بعض عناصر العلاقة بالفعل. واستهدفت تفجيرات متكررة خط أنابيب الغاز في سيناء الذي يمد إسرائيل بالغاز الطبيعي، واعتدى محتجون على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في سبتمبر ايلول، كما أن العلاقات بين مصر وحماس في تحسن. كانت إسرائيل حثت الولاياتالمتحدة على بذل مزيد من الجهد لدعم مبارك في الأيام الأخيرة لحكمه، ولاتزال هناك حالة من الاستياء، مما اعتبر فشلا من الغرب في مساندة نظامه في مواجهة الاحتجاجات الشعبية. وكتب جاي بيخور رئيس قسم الشرق الأوسط بمركز هرتزليا للدراسات المتخصصة في اسرائيل "كل الشياطين خرجت الآن" وتكهن بتنامي التطرف في انحاء المنطقة، وأضاف في تحليل "الاقتصاد الإسرائيلي القوي له وزن كبير، وهذا يمكننا من التسلح بطريقة لا يستطيع أي طرف عربي مجاراتها وهذا تقريبا هو الضمان الوحيد لاستقرارنا". وبعد مقتل ثمانية إسرائيليين في غارة عبر الحدود شنها نشطاء في اغسطس آب قررت الحكومة الإسراع بخطط لبناء سياج أمني على امتداد الحدود مع مصر التي يبلغ طولها 266 كيلومترا. وفي ظل تزايد التوتر مع إيران وانزلاق سوريا المجاورة لمزيد من أعمال العنف نبه نيتانياهو إلى احتمال أن تكون هناك حاجة لتوجيه المزيد من الأموال إلى الميزانية الدفاعية التي تمثل سبعة في المئة من الاقتصاد. وقال للجنة برلمانية الشهر الماضي "التهديدات الأمنية لاسرائيل في تزايد، وسنحتاج قريبا إلى اتخاذ قرار بشأن الميزانية الدفاعية لتعزيز أنظمة الدفاع النشطة.. وأيضا لتعزيز الدفاعات المادية". وفي خطوة تظهر سعي اسرائيل لتجنب غضب العالم العربي قرر نيتانياهو إرجاء هدم جسر المغاربة المؤدي إلى المسجد الأقصى. وقال مسئول إسرائيلي هذا الأسبوع "ظهرت تقارير في وسائل الاعلام المصرية بأنه إذا اتخذت إسرائيل خطوات أحادية فإن الكراهية في ميدان التحرير ستتحول إليها اسرائيل". وتتوقع حركة حماس التي تصنفها اسرائيل ومعظم بلدان الغرب كجماعة إرهابية أن تكتسب الجماعات الإسلامية التي تربطها بها قواسم ايديولوجية مشتركة قوة في مصر بحيث تضطر إسرائيل ودول العالم؛ لأن تصبح اكثر تقبلا للحساسيات الإسلامية مستقبلا. وقال فوزي برهوم المتحدث باسم حماس إنه اذا كان المجتمع الدولي مستعدا للتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر فإنه لن يستطيع تبرير تجاهله لحماس. وأضاف أن على العالم اليوم أن يفتح صفحة جديدة في التعامل مع حركة حماس وتكهن بأن تعزز الجماعات الإسلامية المعتدلة التي تكتسب قوة في شمال أفريقيا موقف الحركة الفلسطينية. ولا يريد حلفاء إسرائيل الغربيون استيعاب حماس وإنما يريدون أن تتخذ اسرائيل خطوات جريئة نحو إحلال السلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تبدو حركة فتح التي يتزعمها خارج سياق النظام العربي الآخذ في التغير. وبعبارة صريحة على نحو غير معتاد حث وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إسرائيل على العودة الى مائدة المفاوضات "اللعينة"، واتخاذ خطوات لمعالجة ما وصفه بعزلتها المتزايدة في الشرق الأوسط. وانهارت محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين العام الماضي بسبب خلاف على استمرار النشاط الاستيطاني في الضفة الغربيةالمحتلة. وفشلت محاولات أمريكية متكررة في إنهاء جمود الموقف إذ رفض نيتانياهو الرضوخ لمطلب الفلسطينيين بوقف البناء في المستوطنات. وقال بروم كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي إن على إسرائيل أن تحاول التحرك والأخذ بزمام المبادرة، نظرًا لأن العملية الانتخابية في مصر لاتزال جارية. وأضاف "لا يمكننا أن نجلس وننتظر. لا توجد ضمانات بأن نحصل على اتفاق لكن علينا أن نظهر للشارع العربي أننا نبذل جهدا". لكن هذه الخطوة غير مرجحة فيما يبدو إذ يشعر قطاع كبير من المجتمع الإسرائيلي بتشاؤم متزايد تجاه إبرام اتفاق للأرض مقابل السلام مع الفلسطينين في ظل تزايد التيار الإسلامي على الساحة السياسية. وقال بيخور من مركز هرتزليا "لماذا ننشيء دولة عربية اخرى الآن في الوقت الذي تتفتت فيه شقيقاتها الواحدة تلو الأخرى؟ الربيع العربي جاء ودفن فكرة الدولة الفلسطينية".