ما بين ميدان التحرير وشارع محمد محمود خطوات بسيطة، لكن ما حدث فيه خلال الأحداث الأخيرة لم يكن بسيطًا.. وتساءل عن سر اختيار هذا الشارع ليتم منه التوجه إلى مقر وزراة الداخلية ومحاولة اقتحامها.. وتساءل آخرون عن قصة هذا الشارع وسبب تسمتيه بهذا الاسم.. ليكتشفوا أن ما يحدث به سيناريو مكرر لما تعرض أعضاء حزب الوفد إبان عهد الملكية فى نفس الشارع. تم إطلاق اسم محمد محمود على هذا الشارع نسبة إلى محمد محمود باشا، وزير الداخلية في عهد الملك فؤاد، من مواليد 1878 بمحافظة أسيوط واختاره الملك فؤاد الأول رئيساً لوزراء مصر عام 1928 وتقلد منصب وزير الداخلية، ومارس سياسة القبضة الحديدية بدرجة في منتهى الحزم، ومارس أعنف أشكال التعسف والفصل والاستبعاد ضد أعضاء حزب "الوفد" حيث كان ينتمي إلى حزب الأحرار الدستوريين. كتب التاريخ تقول عن هذا الرجل إنه كان عنيفاً بطبعه، لدرجة أنه لم يتورع عن نهر مأمور زراعة الخديوي عباس حلمي الثاني أمام عينه بالفيوم، فما كان من الأول سوى أن رفض إكمال زيارته. شكل محمود باشا الوزارة أكثر من أربع مرات ودائمًا ما احتفظ بوزارة الداخلية لنفسه، وحل البرلمان الوفدي وفصل موظفيه وكان الذراع الحديدية للملك. لكن ما سلف لا يعني أنه كان خائناً أو ما شابه ففي السنوات الأولى من القرن العشرين ساهم الرجل في تسيير الحركة الوطنية في مصر بصحبة سعد باشا زغلول واعتقل معه في ثورة 1919، وتوفي عام 1941. والآن وبعد أكثر من 70 عاماً على وفاته، استلهمت روحه في جنباته، ومورست قبضة حديدية، ضد من حاولوا التوجه إلى مبنى وزارة الداخلية، ليسقط فيه ضحايا من الجانبين وقلعت عيون، حتى قرر الثوار أن يغيرو اسمه إلى شارع "عيون الحرية". كان 19 نوفمبر الماضي تاريخ ميلاد جديد وحقيقيا لشارع محمد محمود الذي انشق من قلب ميدان التحرير مطلا برأسه على وزارة الداخلية التي يعتبرها كثير من ثوار 25 من يناير متهما وسببا رئيسيا فى الدماء التى سالت على رصيف وجدران هذا الشارع. في هذا اليوم ومن هذا الشارع خرجت جحافل من قوات الشرطة بقصد فض اعتصام مجموعة من مصابي الثورة في صينية الميدان الشهيرة، لكن الوضع تطور، وتحول فض الاعتصام لاشتباكات واعتقالات، وبدأت الأعداد تتزايد داخل الميدان دفاعًا عمن تم اعتقاله أو ضربه، وتطورت المشادات لاشتباكات ثم لاشتباكات عنيفة أعادت للأذهان صور ثورة 25 يناير، وبالتالي توالت الأعداد إلى الشارع، البعض يقول بغرض دفع الشرطة ومنع تقدمهمن والبعض الآخر يقول بغرض مهاجمة مقر وزارة الداخلية وإسقاطها للأبد. وبين هجوم معتصمى التحرير ودفاع الشرطة المستميت، دارت المواجهات في تلك المنطقة الوسطي وهذا الجسر الأرضي الواصل بين ميدان يعتبره البعض رمزاً للحرية، وبين وزارة يعتبرها البعض رمزًا للقمع.