تأثرت المسئولية الاجتماعية للشركات بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وما تبعها من أوضاع اقتصادية وسياسية غير مستقرة .. هذا ما أكده الخبراء ورجال الأعمال ، البعض يرى أنها تراجعت ، والبعض الآخر يؤكد أنها زادت. وليس هذا الاختلاف الوحيد بين الخبراء، فهم انقسموا أيضاً حول مفهوم "المسئولية الاجتماعية"، وفيما يرى فريق أن المسئولية الإجتماعية ،التي ظهرت في مصر بداية التسعينيات مع الإصلاح الاقتصادي، يجب أن تنحصر داخل جدران المؤسسة وتكون موجهة ،فقط، للعاملين فيها ، أكد آخرون أنها يجب ألا تقتصر على العاملين فقط ، بل المفترض أن تمتد لتشمل المجتمع بأكمله. يقول شريف دلاور ،الخبير الاقتصادي ، أن المصطلح الأصح ، هو المسئولية الاجتماعية للمنظمات وليست الشركات ، لأن المنظمات أشمل وأعم وتتضمن شركات أو مؤسسات أو منظمات خاصة ، مساهمة ، مسجلة غير مستهدفة للربح ، أو منظمات أهلية ، وفي السابق كانوا يقولون المسئولية الإجتماعية لرجال الأعمال. وأشار إلى أن هناك 3 مدارس اقتصادية تتحدث عن المسئولية الاجتماعية : أولهما مدرسة شيكاغو الاقتصادية ، وهي مدرسة أمريكية تعبر عن الأيديولوجية التى يتبناها الحزب الجمهوري، وتري هذه المدرسة أن مسئولية الشركات يجب أن تنحصر في تحقيق الأرباح والنشاط الإقتصادي البحت، بشرط أن تدفع الضرائب وأن يكون نشاطها دون احتكار أو أساليب ملتوية. أما المدرسة الثانية – والكلام لدلاور- هي هارفارد الاقتصادية، وهي أيضا مدرسة أمريكية، التي تري أن على المنظمات مسئولية اجتماعية تجاه المجتمع ، ويجب أن تؤديها لأن تلك المنظمات جزء من المجتمع ويجب أن تقوم بدورها في خدمته. يضيف "دلاور"، أن هناك مدرسة الثالثة ، هي مدرسة اليسار الأوروبي ، وتطالب بالمسئولية الاجتماعية تجاه العاملين داخل المنظمة ، ولا علاقة لهم بالمجتمع الخارجي ، لأن المسئولية الحقيقية للمنظمة الاهتمام بالعاملين فيها ، من حيث لإحداث نقلة نوعية من خلال تدريبهم ، وإعدادهم فنيا ، ومسئولة أيضا عن توفير المصايف والنوادي لهم. ويعتقد "دلاور" ، أن المدرسة الأوروبية هي الأفضل في التطبيق ، قائلا "المسئولية الحقيقية تكون تجاه العاملين في المنظمة ، من خلال تدريبهم جيدا وإعطاء كافة مستحقاتهم ، وتوفير النوادي والمصايف لهم ، ورفع المستوى الاجتماعي والمادي والعملي لهم ، إضافة إلى مسئولية المنظمة في دفع الضرائب للدولة حتى تقوم الأخيرة بدورها في تنمية المجتمع" ، مشيرا إلى أن المسئولية الاجتماعية تطبق في مصر بشكل خاطىء ، موضحا "المسئولية في مصر تنحصر في التبرع للمستشفيات والمدارس ، ولا تصل إلى العاملين في المؤسسة، بمعنى أن معظم المؤسسات تقدم تبرعات لمدارس ومستشفيات ولا تدرب عامليها أو تصرف لهم الحوافز والبدلات" ، مضيفا "تقديم تلك الخدمات للمجتمع تعني استبدال المنظمة لدور الدولة، وتضعف دورها، كما تمكن رجال الأعمال والشركات الخاصة من السيطرة على الدولة، لكن دورها الحقيقي تجاه العاملين فيها وإعطاء الدولة الضرائب لتتصرف هي فيها بطريقتها". وتقول هالة يوسف ، من منظمة كير الدولية بمصر، إن المسئولية الاجتماعية تعني مساهمة الشركة بدورها في تنمية المجتمع والموظفين العاملين فيها، مضيفة "بمعنى أن تقوم الشركة باحترام قوانين العمل ودور المرأة داخل الشركة، والتدريبات الخاصة بهم ، بالإضافة لمساهمتها في تنمية المجتمع، يعني مسئولية داخلية في الشركة وخارجية في المجتمع" ، وتشير "هالة" إلى أن أبرز المجالات التى تقدم فيها الشركات خدمة للمجتمع ، هي التعليم والصحة وحقوق الأفراد ، مضيفة أنه بالرغم من قيام عدد كبير من الشركات بالمسئولية تجاه المجتمع فى كثير من المجالات إلا أن تأثيرها غير واضح على أرض الواقع ، مفسرة ذلك بأن كل شركة تعمل بشكل منفصل عن باقي الشركات ، وبالتالي تكون منعزلة عن الإستراتيجية العامة للدولة ، مضيفة "المفروض أن تعمل تلك الشركات معا بإستراتيجية واحدة ، لتكون متكاملة في إطار متكامل ، ويصبح لها تأثير حقيقي وفعال داخل المجتمع". ويتفق معها خالد أبو إسماعيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية الأسبق، رجل الأعمال، قائلا إن المسئولية الاجتماعية في مصر تطبق بشكل فردي ، مضيفا "كطبيعة المصريين تتعامل مع المسئولية الإجتماعية على أنها عمل خيري فلا تظهره ولا تتحدث عنه حتى لا يذهب ثوابه، وحاولنا مرار في السابق تجميع الأعمال الاجتماعية للشركات وتتبناها مؤسسة واحدة، حتى تتضافر أعمال الشركات معا وتعمل في إطار واحد ليكون تأثيرها أقوى في المجتمع" ، مشيرا إلى أن المسئولية الاجتماعية لا تنحصر داخل الشركة التى تقوم بها ، لكنها تمتد إلى المجتمع الخارجي ، قائلا "المسئولية داخل الشركة تعتبر بداية للمسئولية الاجتماعية الأكبر وهي التى تكون خارجها لخدمة المجتمع" ، مؤكدا أن الشركات الصغرى تقوم بدورها في المسئولية الاجتماعية أكثر من الشركات الكبرى ، معقبا "عدد قليل من الشركات الكبرى تؤدي المسئولية الاجتماعية ، لكن هناك أعدادا كثيرة من الشركات الصغرى تقوم بدورها تجاه المجتمع ، لكن لا تعلن عنه إعلاميا". وعن العائد الذي تحصل عليه تلك الشركات نتيجة قيامها بالمسئولية الاجتماعية في المجتمع ، يقول "دلاور" أن العائد شخصي جدا ، مضيفا "معظم رجال الأعمال وأصحاب الشركات التى تقوم بهذا الدور من أجل المظهرية الإجتماعية ، ومن أجل المصالح السياسية تحديدا ، تستغل هذا الدور للدعاية الانتخابية " ، مستبعدا أن يكون تخفيض الضرائب هو العائد ، موضحا "القانون واضح في هذه النقطة تحديدا، فهو محدد 7% فقط من الأرباح تعفى من الضرائب للشركات التى تقوم بالتبرع للدولة". أما "أبو إسماعيل" فيرى أنه لا يوجد عائد خاص من القيام بالمسئولية الاجتماعية، موضحا "العائد هو إرتباطه وإنتمائه بالعاملين في الشركة وإرتباطهم به ، ومن ناحية أخرى يكون اتجاه ديني متلازم" . وعن تأثر المسئولية الاجتماعية للشركات بعد ثورة 25 يناير، وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد ، يقول "دلاور" أن المسئولية الاجتماعية تراجعت بعد الثورة ، نافيا أن يكون السبب هو الوضع الاقتصادي الحالي ، موضحا "بعد الثورة لم يعد هناك عائد شخصي من القيام بهذا الدور ، فتراجعت" ، في حين يرى "أبو إسماعيل" إن الوضع الاقتصادي مستقر لكن يشوبه بعض القصور ، مؤكدا أن المسئولية الاجتماعية لم تتأثر سلبا ، لكنها زادت في الآونة الأخيرة ، مضيفا "خاصة إننا في شهر كريم ، زاد فيه الدور الاجتماعي للشركات".