السؤال الذى يطرح نفسه وسط ما يمر بنا فى مصر من أحداث: هل نحن بحالة أفضل، أم أننا نتراجع؟ ولكى نصل إلى إجابة عادلة يجب أن نقارن بين فترات أطول قدر الإمكان؛ لأن ما نمر به حاليا من أحداث وخاصة فى الشأن الاقتصادى هو شىء عارض جربنا مثله وأسوأ وتخطينا تحديات مماثلة مرة ومرات. فى هذا أتذكر أننى اقترحت سنة 1980 على وزير الخارجية كمال حسن على، تزويد الوزارة بثلاثة موتوسيكلات لتوصيل الرسائل العاجلة فقد خجلت أثناء حديثى مرة مع الدكتور محيى الدين الغريب رئيس هيئة الاستثمار وقتها؛ لأن الخط انقطع 8 مرات، ثم جاء قرار الرئيس السادات بمشروع عملاق لإصلاح حال التليفونات يضرب به المثل. نقارن هذا الآن بالقفزة التى حدثت مؤخرا لإصلاح وضع الطاقة بشراء أكبر 3 محطات لتوليد الكهرباء فى العالم والاقتراب من إنشاء أول محطة للطاقة الذرية ومشروع الربط الكهربائى العربى الذى سيربط الشبكات العربية من بغداد شرقا حتى الدار البيضاء غربا، ولن يمر وقت طويل حتى تصبح مصر مقرا لبورصة بيع الكهرباء فى المنطقة. وحديث الساعة هذه الأيام يدور حول الإصلاح الاقتصادى وعجز الموازنة واختلال سوق الصرف وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وانتقل الأمر لثقافة رجل الشارع الذى كان يجعل من سعر كيلو جرام اللحم مسطرة لقياس الأسعار، فأصبح يتخذ من سعر الدولار مقياسا للغلاء، كذلك انقلبت المؤشرات عند الناس فأصبحوا يربطون قوة الاقتصاد بسعر صرف الجنيه وعجز الموازنة وحجم الاحتياطى النقدى، بينما القياس الحقيقى للأداء يتمثل فى كفاءة الإنتاج وحجم الصادرات وجذب الاستثمارات وما يترتب على ذلك من زيادة معدلات النمو وتحسن أوضاع المواطنين والخدمات المقدمة لهم. وتخلط تفسيرات الأزمات الراهنة بين نظريات المؤامرة واتهام رجال الأعمال بالاحتكار أو السيطرة على السوق، بينما يختلف الأمر عن ذلك ويتلخص فى الآتى: 1- قامت ثورة ظن الجميع أنها ستأخذ لكل واحد حقه. 2- ازدادت المطالب واستجابت الحكومات لرفع الأجور دون ارتفاع مقابل فى الإنتاج فانعكست زيادة النقود على زيادة الأسعار والتضخم. 3- تراجعت معدلات الإنتاج نتيجة لعوامل عديدة منها عجز التمويل الأجنبى واختلال أجهزة الأسعار. 4- تراجعت الصادرات مع انخفاض معدلات نمو التجارة الدولية. 5- ضربت السياحة نتيجة للحوادث المؤسفة. 6- عجز فى موارد العملات الصعبة نتيجة للمضاربة، والادخار بالدولار. 7- ازداد العجز فى الموازنة لتلبية المطالب ولسداد الديون الداخلية. ومع كل هذه التعقيدات والمشاكل كان لا بد من حزمة سياسات تشمل: - خفض الإنفاق وتقليص عجز الموازنة. - فرض ضريبة القيمة المضافة التى لا تختلف عن ضريبة المبيعات كثيرا. - إطلاق سعر العملة ومرونة كاملة فى سياسات الصرف والفائدة. - خفض دعم الطاقة وتوجيه الدعم لمستحقيه. وقد اتخذت الدولة قرارا شجاعا، بتبنى الإصلاحات الجديدة، غير أنها جاءت متأخرة سنتين، ما زاد من ألم العلاج وتكلفته (الأسعار)، ويبقى فى النهاية أن الحكومة اختارت طريقا أسرع؛ فالعلاج بالصدمة غالبا يكون أكثر نجاحا، خاصة إذا نجح فى كسب ثقة المتعاملين، وحشد الرأى العام وراءه بالتأييد، وهذه النقطة بالذات تنقص الحكومة الحالية فهى بحاجة إلى تسويق افضل لسياساتها، وإلى متحدثين كبار لحشد الرأى العام، وعدم الاقتصار على دور المتحدث الرسمى الذى لا يحسده عليه أحد. أصبحنا فى سباق مع الزمن لتحقيق الهدف وأضعنا كثيرا من الوقت (سنتين) والمال (22 مليون دولار لدعم قيمة الجنيه من سنة 2011 دون مبرر) وعلينا أن نعوض ما ضاع؛ لأن المؤشرات الإيجابية لنتائج الإصلاح بدأت تظهر، لكن يبقى برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى رهنا بتحقيق الآتى: 1- زيادة حقيقية فى الناتج المحلى بالإنتاج. 2- الاعتماد على المنتج المحلى، وحفز الصادرات. 3- إعادة تدفق تحويلات المصريين فى الخارج. 4- عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وقد بدأت مؤشرات إيجابية لنتائج الإصلاح من بينها تبنى مؤسسة (ستاندرد آند بورز) نظرة مستقرة للاقتصاد المصرى، وتتوقع تعافى الاقتصاد المصرى بدءا من عام 2018 بدعم من الاستهلاك والاستثمارات المحلية، متوقعة أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلى تدريجيا ليصل إلى 4.3% بحلول عام 2019 .