اثبتت التجارب العالمية أن القضية المطروحة للنقاش لم تعد الاختيار بين الاجدر للقيام بالمشاريع والمهام الاقتصادية سواء كانت الحكومة ممثلة في القطاع العام أم تفعيل آليات السوق عن طريق تشجيع القطاع الخاص وانما اصبحت القضية هي القدرة علي تفعيل المشاركة بين القطاعين حيث يتميز كل منهما عن الآخر بعدة مزايا اذا تم استغلالها بطريقة صحيحة سوف تحقق أقصي كفاءة اقتصادية لتحقيق أعلي مستويات الرفاهية. تقول ايمان نجم مدرس اقتصاد مساعد بجامعة العلوم والتكنولوجيا ان الحاجة لمشروعات البنية الأساسية تزداد مع ارتفاع النمو الاقتصادي المصاحب لزيادة النمو السكاني وتستمر مشكلة تمويل تلك المشروعات في مصر كباقي الدول النامية مع استمرار عجز الموازنة العامة للدولة. وبالتالي تظهر أهمية البحث عن بدائل جديدة غير تقليدية لتمويل مشروعات البنية الأساسية بشكل يساعد علي التخفيف عن كاهل الموازنة العامة وفي نفس الوقت يضمن رفع الكفاءة في تنفيذ تلك المشروعات. واشارت الي ان مراجعة الخبرات الدولية, والتطبيقات العملية في مجال اقتصاديات التمويل تكشف عن وجود صيغ عديدة لمصادر تمويل غير تقليدية يمكن تصنيفها في مجموعتين رئيستين هما: 1 التمويل المشترك بين قطاعي الأعمال العام والخاص.Private-Public-Partnership(P.P.P) 2 قيام القطاع الخاص بالتمويل الكامل للمشروع علي أن يسترد رأس المال وعائده من القطاعات المستفيدة: نظم البناء والتشغيل والاعادةBuild-Operate-Transferprojects(B.O.T). وبالنسبة لعقود الB.O.T فانها نمط من العقود يمكن الجهة الحكومية سواء كانت الدولة أو أحد أجهزتها من توفير خدمات البنية الأساسية للمواطنين دون أن تضطر إلي دفع تكاليف هذه الخدمات حيث يتكفل الطرف الذي تتعاقد معه الجهة الحكومية بتوفير رأس المال وإنشاء المرفق وتشغيله طوال أجل متفق عليه وتسمي تلك الفترة بفترة الامتياز وبناء علي أسس تجارية تتيح للمستثمر إمكانية تحصيل رأس المال المدفوع في إنشاء المرفق وكذلك تحقيق هامش ربح مجز وبالتالي يتم تقديم خدمات جديدة للمواطنين دون الضغط علي الموازنة العامة للدولة, زيادة فرص الاستثمار وتشغيل العمالة وتحقيق عدالة اجتماعية تتمثل في أن المستهلك المباشر هو من يدفع التكلفة أي يتحمل جزءا من تكاليف المشروع, بينما في المشاريع التي تمولها الدولة يتحمل جميع دافعي الضرائب تكلفتها بغض النظر عن استخدامهم لها من عدمه. وتضيف ايمان نجم انه قد ظهرت تجارب البناء والتشغيل والاعادةBOT في مصر منذ وقت مبكر جدا, وان لم تكن مطبقة بمفهومBOT المتعارف عليه حاليا لأن هذا المصطلح لم يصبح شائعا الا علي يد رئيس الوزراء التركي'تورجوت أوزال' عام1984, وانما التجارب التي كانت يتم تطبيقها في مصر كانت في صورة حقوق التزام, لإدارة المرافق العامة, أو حقوق امتياز لاستخراج الثروات الطبيعية. ومن الصور المبكرة لهذه التجارب في مصر: مشروع خط السكك الحديدية بين الإسكندرية والقاهرة عام1856, ومشروع قناة السويس عام1869, وتلا ذلك مشروعات أخري مثل اتفاقيات استغلال البترول بالتنقيب والاستخراج والتكرير والتوزيع. وقد تراجعت هذه الممارسات في مصر اعتبارا من الخمسينيات مع صعود حركة التمصير عام1956, ثم مع حركة التأميم1961 ثم مع تطبيق سياسات التخطيط المركزي, التي تمثلت في سيطرة الدولة الكاملة علي وسائل الإنتاج والتوزيع والخدمات وتهميش دور الاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص الوطني علي السواء حيث تملكت الدولة جميع جوانب النشاط الاقتصادي وتملكت القطاعات والأنشطة الموجهة للاقتصاد المصري. ومع أوائل التسعينيات وفي اطار برامج الاصلاح الهيكلي عادت مصر لتشهد صعودا جديدا لاستثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي في مجالات البنية الأساسية ويرجع ذلك الي عدة عوامل أهمها: تخفيف أعباء الانفاق في الموازنة العامة والحاجة إلي استكمال وتجديد شبكة البنية الأساسية الواردة في خطط التنمية للارتقاء بالخدمات الحيوية للمواطنين وتنشيط الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي وتخفيف أعباء الاقتراض الخارجي اللازم لتمويل تلك مشاريع. ومن المشروعات الحديثة التي طبقت علي أسسBOT انشاء ثلاث محطات كهرباء في سيدي كرير وشرق بورسعيد وغرب خليج السويس, وإنشاء مطارين دوليين بمنطقتي مرسي علم والعلمين, ومحطات تداول حاويات في مواني السخنة وشرق بورسعيد ودمياط, بالإضافة لمشروعات مختلفة في مجال الطرق والجراجات ومحطات معالجة مياه الشرب وغيرها. وتري ايمان نجم انه بالرغم من فوائد مشروعات الB.O.T الا أنها لم تطبق في مصر دون مشاكل وعقبات, وإذا كانت مسألتا التأميم والمصادرة قد أصبحتا غير واردتين لاعتبارات كثيرة, فإن هناك مشكلات أخري واجهتها, ومنها اتجاه المستثمرين إلي المصارف المحلية لاقتراض العملات الأجنبية اللازمة لتمويل هذه المشاريع واستخدامها في استيراد احتياجاتها من الخارج مما يؤدي إلي انكماش الأرصدة الأجنبية لهذه المصارف وبالتالي ارتفاع أسعار هذه العملات في السوق المحلية وما ينجم عن ذلك من تأثيرات اقتصادية سالبة, وكذلك تحويل المستثمرين الأجانب لأرباحهم من هذه المشاريع لخارج الدولة دون قيود, ومنح الامتياز لمدد طويلة تصل احيانا إلي تسع وتسعين عاما, وعدم وجود دراسات دقيقة لتسعير الخدمات مما يؤدي لاختلاف في أسعار نفس الخدمة المقدمة من عقد لآخر لذا يجب الاهتمام جيدا عند اختيار تلك المشروعات والاستفادة من تجارب الدول السابقة.