حمدي الجمل هل الحكومة جادة في ضبط الرقابة علي الأسواق؟ هل الحكومة قادرة علي تحديد هامش ربح للسلع كما هو متبع في كل دول العالم؟ هل الحكومة عازمة علي كسر احتكار التجار للسلع ؟ هل الحكومة راغبة في تخفيف الأعباء عن المواطنين؟ هل الحكومة معنية بوضع قوانين وتشريعات لضبط الأسعار؟ هل الحكومة ملتزمة بتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين كما ينص الدستور؟ هل الحكومة تسعي إلي توسيع رقعة الطبقة المتوسطة التي تمثل الكتلة الصلبة للمجتمع؟ هل الحكومة تعمل علي تطبيق الرأسمالية كما هي مطبقة في الدول الرأسمالية؟ أم أنها مؤمنة بالرأسمالية المتوحشة في ظل التراجع عنها في أمريكا والاتجاه إلي رأسمالية العدالة الاجتماعية أو الرأسمالية الرحيمة؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة، بنفي الفعل عن كل الأسئلة السابقة أو بلفظ لا، ولن أبالغ إذا قلت إن كل الأزمات الاقتصادية في المجتمع صناعة حكومة بامتياز وأن الحكومة في الفترة الأخيرة تنتصر لرجال الأعمال ومصاصي الدماء والمحتكرين علي حساب الشعب . وربما صمت الحكومة علي الأزمات اليومية التي يصنعها محتكرو السلع الغذائية والأدوية والدولار مثل أزمة الأرز والقمح والسكر والمحاليل الطبية وأزمة سعر الصرف وتحويل الدولار إلي سلعة, يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الحكومة الحالية لا تفرق كثيرا عن حكومات سابقة في الإيمان بفوضي السوق وتعطيل القوانين القائمة وعدم تفعيل الآليات المطلوبة لتنظيم السوق . يكفي أن أشير إلي أن الاقتصاد المصري بلا هوية فلا هو رأسمالي بشكل كامل ولا هو اشتراكي, ولا هو اقتصاد موجه, ولا هو اقتصاد مختلط, رغم إعلان الدولة أنها تتبع منهج الرأسمالية التي تقوم علي آليات السوق الحر, لكن الحرية من وجهه نظر الحكومة هي أن يفعل رجال الأعمال كل ما يحلو لهم ويحققوا أرباحا من مشروعات ليس لها قيمة مضافة تصل إلي 600% ولا يدفعون أي ضرائب بزعم تشجيع الاستثمار وخلق فرص عمل, وكأن المستثمرين في كل دول العالم لهم دور آخر غير دور المستثمرين في مصر. ليس هذا فحسب بل إن الحكومة وهي في سبيلها إلي التأكيد علي أن مصر تعتمد علي آليات السوق تركت ما يسمي بالغرف التجارية والصناعية إلي تشكيل لوبي يخدم مصالح أعضائها، ويضغط عليها إذا حاولت خلق حالة من التوازن بين مصالح التجار ومصالح المستهلكين، وهذا يظهر جليا في أزمة ملف القمح وإقالة وزير التموين خالد حنفي، وهو الأمر الذي كان يرفضه اتحاد الغرف التجارية، الذي ترجم رفضه في خلق أزمات يومية للحكومة وللمواطن من خلال التلاعب بمخزون المواد الغذائية وتعطيش السوق ورفع الأسعار بمعدلات سريعة ومتلاحقة، مما رفع التضخم إلي معدلات قياسية وصلت إلي 18% لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية. وكان من نتيجة ذلك أن الطبقة المتوسطة الدنيا تلاشت ودخلت طبقة الفقراء والطبقة المتوسطة الوسطي تعاني الأمرين، حتي تدبر احتياجاتها اليومية، وارتفع معدل الفقر إلي 27% حسب الإحصاء الرسمي وإلي أكثر من 45 % حسب تقديرات جهات مستقلة. والأنكي من ذلك، أن اتحاد الغرف رفض سعي الحكومة إلي اتخاذ قرار لتحديد هامش ربح للسلع وليس إلي فرض تسعيرة جبرية، رغم أن القرار الإداري لرئيس الوزراء شريف إسماعيل هو والعدم سواء، ويذكرنا بقرار سابق للمهندس إبراهيم محلب الخاص بالحد الأقصي للأجور، فتم الطعن علي القرار وإلغاء تحديد حد أقصي للأجر، وهذا ما سيتم مع قرار تحديد هامش ربح للسلع. أتصور أن الحل يكون في تطبيق مبادئ الرأسمالية كاملة بعيدا عن الانتقائية وتحديد الهوية الاقتصادية للاقتصاد المصري بشكل واضح ووضع القوانين والتشريعات المنظمة لذلك من خلال آليات محددة وصريحة بعيدة عن أي التباس. بمعني معالجة كل مشاكل الرأسمالية بمزيد من الرأسمالية، ويتجلي ذلك في تحديد هامش للربح لا يزيد على 25 % فوق تكاليف الإنتاج، ويكون ذلك من خلال قانون يصدر من مجلس النواب وليس قرارا إداريا من السهل الطعن عليه أمام مجلس الدولة, وكسر احتكار التجار للسوق يكون بزيادة عدد المنافسين في إنتاج أو استيراد أي سلع مع دخول الدولة، ممثلة في وزارة التموين وشركاتها القابضة المنافسة علي حصة سوقية لا تقل عن 50% لأي سلعة، وكذلك الأمر يطبق في مجال الأدوية وكل السلع والخدمات الأخري. وهذا ليس عودة إلي الاشتراكية بل هو عمل من صميم النظام الرأسمالي، وهنا يجب أن نتذكر ما فعلته أمريكا إبان الأزمة المالية العالمية عام 2008 . إلغاء كل المنح المالية للتجار المصدرين، وأن تذهب إلي المصنعين والمنتجين والمزارعين, إضافة إلي الرقابة علي الأسواق, والرقابة لا تعني الافتئات علي منهج آليات السوق الحر، بل علي العكس تماما لأن الرقابة تعني أن هامش الربح يكون في الحدود التي نظمها القانون. وضع قانون جديد لتشجيع المنافسة ومنع الاحتكار بنصوص وعقوبات رادعة مثل مصادرة السلعة محل الاحتكار مع غرامه تساوي ثمن السلعة المصادرة وسجن المحتكر مدة لا تقل عن عشر سنوات، وتطبيق القانون بكل حسم . إنشاء آلية قانونية تمكن الدولة من معرفة سعر السلع المستوردة لتسهيل تحديد هامش الربح . إقامة منافذ حكومية جديدة بالمناطق الفقيرة والتوسع في مشروع جمعيتي الخاص بالشباب والتابع لوزارة التموين ومنافسة القطاع الخاص في كل السلع . تشجيع المستهلكين علي إقامة كيانات تحمي مصالح وليكن كيان أو جمعية للسلع الغذائية وأخري للأدوية وأخري للخدمات يكون دورها الحفاظ علي حقوق المواطنين من جشع التجار وتكون بمثابة لوبي ضاغط علي اتحاد الغرف التجارية والصناعية .