عبداللطيف نصار هل آن الأوان لتموت الصحافة الورقية في لبنان؟ .. لبنان الذي كان له السبق في إدخال الصحافة والمطبعة إلي المشرق، بإصدار أول صحيفة عربية من بيروت باسم حديقة الأخبار عام 1858، لتنتشرالصحافة الورقية بعد ذلك في مصر، مع صدور الأهرام في 27 ديسمبر 1876، علي أيدي الأخوين اللبنانيين سليم وبشارة تقلا، ثم بقية المطبوعات الصحفية اللبنانية في مصر، مثل دار الهلال للبناني جورجي زيدان وغيرها، ثم سرعان ما انتقلت الصحافة الورقية إلي المشرق كله، هل يمكن أن تعصف الأزمة المالية الخانقة بصحف لبنانية عريقة كالنهار والسفير؟ وبرغم أن الطباعة في بيروت هي الأرخص سعرا، فإن النسخة الواحدة تباع بألفي ليرة - الدولار يعادل 1500 ليرة- فهل ارتفاع سعر بيع الصحف وراء عدم الإقبال عليها؟ في نفس الوقت الذي تستمر فيه صحف لبنانية ممولة خليجيا في الصدور، مثل الحياة والشرق الأوسط، بينما تستعد إيران لإصدار صحيفة عربية من بيروت تحت اسم أخبار العرب. يبدو أن التاريخ لا يرحم ولن يترك باريس الشرق - بيروت- ست الدنيا تنعم بصحافتها المحترفة والمهنية، لأن الصحف غير قادرة علي الاستمرار، بسبب الضائقة المالية التي تحاصرها، ويبدو أن يوم 15 مارس 2016، تحوّل ليوم أسود، على الصحافة اللبنانية المكتوبة، حيث أرسلت صحيفة السفير "صوت من لا صوت لهم" تعميما إلي موظفيها وصحفييها، قالت فيه بتوقيع صاحب السفير ورئيس تحريرها الصحفي الكبير طلال سلمان: "يهمّ رئيس التحرير أن يحيط الزملاء في أسرة السفير بأننا عشية العيد الثالث والأربعين لإطلاق هذه الصحيفة المميزة، وذات الدور التاريخي نواجه ظروفاً وتحديات صعبة، صحيح أن السفير قد عاشت في قلب الصعوبة دائماً، إلا أن الظروف قد اختلفت، خصوصاً في ظل ثورة المعلومات "مواقع الإعلام"، فضلاً عن تبدل الأحوال بطول الوطن العربي وعرضه، نحو الأسوأ، مع الأسف. كذلك فإن الظروف السياسية والاقتصادية فاقمت الأزمة، لا سيما أنها قد انعكست على الدخل الإعلاني وعلى الاشتراكات وصولاً إلى البيع. وفي مواجهة هذا الواقع الصعب والمرشح بأن يزداد صعوبة، في المرحلة المقبلة، كان من الطبيعي أن يبادر مجلس الإدارة في السفير إلى طرح الاحتمالات جميعاً للنقاش، بما فيها خيار التوقف عن الصدور، وفي انتظار تبلور القرار تستمر السفير بالصدور. ويهمني أن أطمئن العاملين جميعاً أن أي قرار يُتخذ سيُصار إلى إبلاغكم به فور تبلوره، مؤكداً أن حقوق العاملين مصانة بل مقدسة". ولم تكن صحيفة النهار الأقدم في لبنان، بعيدة عما يحدث في السفير، فالصحيفة تعاني أزمة خانقة، منذ اغتيال رئيس تحريرها النائب جبران تويني، حيث أدت الضائقة المالية إلي توقف صدور ملاحقها الواحد تلو الآخر، وهناك نية لتحويلها إلى صحيفة إلكترونية فقط، في وقت تتأخر فيه عن دفع مستحقات موظفيها النهار للشهر السابع على التوالي، ويتردّد أن هناك توجّهاً لصرف الموظفين في المؤسسة، مع دفع مستحقاتهم وتعويضاتهم. أما صحيفة "اللواء" فقد أبلغت موظفيها وصحفييها، بمذكرة مطبوعة عن فتح باب الاستقالات، قائلة: "عطفاً على إجراءات التقشف الأخيرة، وإفساحاً للمجال أمام الزملاء لاتخاذ الخيار المناسب لكل منهم، تقرر فتح باب الاستقالة أمام من لا يستطيع الاستمرار في العمل في هذه الظروف القاسية". أما مؤسسات تيار المستقبل الإعلامية - تليفزيون المستقبل، جريدة المستقبل، إذاعة الشرق، وعدد من المواقع الإلكترونية- التي يرعاها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، فتأخرت رواتب موظفيها لأكثر من 8 أشهر، دون بادرة أمل تلوح في الأفق ترحم مئات العاملين الذين ينتظرون مستحقاتهم لتسيير أمورهم الأسرية والمعيشية. وزير العمل اللبناني سجعان القزي قال في بيان له بعد تناثر أخبار الصحف المهددة بالتوقف عن الصدور:"شعرت بالأسى والاكتئاب وأنا أقرأ البيانات الصادرة عن إدارات عدد من المؤسسات الصحفية المرئية والمسموعة والمكتوبة، ومن بينها أخيراً بيانا الصديقين والزميلين طلال سلمان وصلاح سلام - اللواء-، وكلّاهما تشكو بصدق صعوبة الاستمرار بالصدور نتيجة الضائقة المالية، فيما تعج البلاد بالثروات الطائلة التي تصرف على أمور سطحية وتافهة. وأكد وزير العمل أن إغلاق المؤسسات الإعلامية أو حتى ضعفها يفقد لبنان دوره التاريخي منارة للإعلام والثقافة والحريات، وطالب بوجوب التحرك لإنقاذ الصحافة اللبنانية، من خلال صندوق دعم يمول من القطاعين العام والخاص ويديره مجلس مشترك. أما مجلس نقابة المحررين فعقد اجتماعاً طارئا، وأصدر بيانا أكد فيه أنه قرر التصدي للأزمة، التي تعانيها الصحف اللبنانية بتحرك واسع من خلال اجتماعات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة تمام سلام، ووزير الإعلام رمزي جريج، ووزير العمل سجعان قزي، للبحث في وسائل تأمين ديمومة عمل الصحافة اللبنانية. وقال نقيب المحررين إلياس عون، إننا أمام أزمة فعلية وكبيرة، مطالباً الدولة بالاهتمام بهذه الأزمة، إذ لا يعقل تجاهل ما يجري بعدما كانت لبنان رمزاً للصحافة العربية وأسهم في إغناء الصحافة في مصر ودول الخليج قاطبة. أما مجلس نقابة مخرجي الصحافة ومصممي الجرافيك، فأكد أن قرار بعض الصحف بالتوقف عن الصدور بطبعتها الورقية والاكتفاء بالموقع الإلكتروني، يترك عدداً كبيراً من العاملين لديها على حافة الإفلاس والعوز، وطالب بالتدخل الفوري للدولة من خلال الدعم المادي لتلك الصحف، ولو بصورة مؤقتة لحين زوال الأسباب التي تدعو إلى توقفها لما يشكل ذلك من إساءة إلي لبنان وتاريخه المشرق في عالم الصحافة والإعلام في المنطقة والعالم، حيث كانت الصحافة اللبنانية من رواد الكلمة الحرة في هذا الشرق القاتم والمظلم. ودعا مجلس النقابة جميع اللبنانيين إلى وعي مخاطر مرور مثل هذا الموضوع مرور الكرام، داعياً إلى المساهمة في بقاء صمود الصحف الورقية من خلال شرائها يومياً. فهل تصمد الصحافة الورقية اللبنانية في وجه العاصفة من خلال غرفة إنعاش بدعم مادي يقيلها من عثرتها، لتظل منارة مستمرة منذ أكثر من قرن ونصف القرن، أم أن العوز المادي سينتصر عليها بالضربة القاضية، في ظل فراغ رئاسي مستمر في لبنان منذ مايو 2014، وتمديد للمجلس النيابي حتي يونيو2017، وتعطيل يشل الحكومة ومجلس النواب، وانقسام حاد بين القوي السياسية، حول ما يحدث في سوريا وتصنيف حزب الله منظمة إرهابية، وملاحقة عربية ودولية للمتعاونين والداعمين لحزب الله، سواء في لبنان أو الدول العربية أو الأجنبية؟