وفاء فراج وسط إسطبلات الخيل فى منطقة نزلة السمان وسقارة الشهيرة بتربية الخيول وبعد مشاهدتى ومعايشتى لسيف وعبير وأسطورة وأعجوبة وشمس أجمل وأشهر الخيول العربية الموجودة فى تلك الإسطبلات فى تجربة شيقة نقلتنى من عالم الإنسان لعالم الخيول المثير، اقتربت أكثر إلى مهنة وهواية تربية الخيول العربية من خلال أهل الخبرة المربين أنفسهم لتلك الخيول، حيث تحولت المهنة إلى عشق لهذا العالم. هواية تربية الخيل العربى مكلفة ولكنها لو تحولت إلى تجارة فهى تجارة مربحة جدا هكذا تحدث إسلام عزمى مخرج تليفزيونى وأحد أصحاب إسطبلات الخيل فى نزلة السمان قائلا: بدأت هوايتى لتربية الخيول منذ كان عمرى 12 عاماً، حيث وفرت من مصروفى حوالى 700 جنيه كان ثمن أول حصان بلدى اشتريته وأجرت غرفة فى إسطبل وقمت بتربية وتدريب الحصان حتى تخرجت وركزت أكثر فى الأمر، وأصبح عندى 38 حصانا نصفهم عربى أصيل ومسجل رسميا، موضحا أن الحصان بشكل عام هو حيوان رقيق وتربيته والعناية به تحتاجان لمواصفات خاصة، ولكن الحصان العربى يزداد الاهتمام به جدا نظرا لندرته وغلو سعره، حيث يبدأ سعر الحصان العربى فى مصر من 10 آلاف جنيه إلى مليون جنيه، أما فى الخارج فقد يصل سعر الحصان العربى إلى 20 مليون يورو كل على حسب صفاته ونقاوة أصله ونسبه وقوته وجماله وحصوله على مراتب متقدمة فى المسابقات، كما أنها صناعة أو مهنة مكرمة، فقد قال رسول الله: «كرموا إناث الخيول ففوق ظهرها عز وفى بطونها كنز، إضافة إلى أنها هواية الملوك». ويضيف عزمى قائلا: هناك مشكلة كبيرة تواجهة أصحاب الخيول تتعلق بالنسب إلى الأصل العربى والتوثيق الذى حدث عام 1828قامت الهيئة الزراعية المصرية فى توثيق الخيول العربية صاحبة الصفات التى تم تحديدها عن طريق وفود من الخبراء، برغم أن تلك الصفات هى أساس الخيل المصري، أى أن معظم الخيل المصرى هو حصان عربى أصيل، ولكن التوثيق ظلم كثيرا من هذه الخيول حيث لم يشمل التوثيق جميع أنواع الخيل صاحب نفس الصفات، حيث إن هناك خيلا بلديا كما يطلق عليه أى غير موثق كحصان عربى وغير مختوم، ولكنه قد يتفوق على الخيل العربى جمالا وقوة وصفات تؤهله أن يكون من أفضل الخيل العربى صاحب النسب الأصيل، فمثلا هناك حصان بلدى اسمه (الراوي) يعيش لدى صاحبه فى محافظة الإسكندرية وصل سعره إلى 700 ألف جنيه بسبب أنه بطل دولى وحاصل على المرتبة الأولى فى كل مسابقات القوة والتحمل التى خاضها لذلك يلجأ أصحاب الخيول المتميزة نسبتها إلى أنفسهم كعرف بين مربى الخيل، لذلك يجب أن يكون هناك تصنيف جديد للخيل ذات الموصفات النادرة لتوثيقها من جديد وختمها. ويتابع إسلام: لدينا نقص فى عمل المسابقات والمهرجانات الخاصة بالخيل العربى ولا توازى ما يحدث فى الخارج، حيث إن هناك مسابقات محلية تحدث فى مزرعة الزهراء للخيول العربية إضافة إلى مهرجانات يقوم بها كبار مربى وأصحاب مزارع الخيول فى مصر، كما فى مزرعة الخالدية لصاحبها الشيخ سالم بن لادن شقيق أسامة بن لادن نحو أربع لخمس مرات فى السنة، ولكن ليس عليها دعاية أو تسليط أضواء وتكون فى الأغلب مهرجانات ومسابقات محلية وليست دولية، فلا يتم فيها تسعير حقيقى للفرس على عكس المسابقات فى الخارج فى إنجلترا وفرنسا والإمارات الآن، حيث تكون تلك المسابقات مصدرا لتسعير الحصان ورفع ثمنه حسب قدرته وصفاته وتكون تلك المسابقات ذات إمكانات ضخمة ودعاية وتغطية إعلامية تبدأ قبلها بشهور مثل صالون "دو شوفال" بفرنسا ذات الشهرة العالمية، فعلى سبيل المثال هناك حصان يسمى (عديد الشقب) مصرى الوالدين ثمن فى صالون سوفاج ب 10 ملايين يورو برغم أن أباه عند خروجه من مصر لم يتعد ال100 ألف جنيه، وهذا ما ينقصنا فى مصر، حيث يوجد فى مصر وفى إسطبلات الخيول فى الجيزة والشرقية والصعيد أفضل أنواع الفرس العربى الأصيل ذات الصفات النادرة والقوة والجمال، ولكنها كى يتم تقديرها ماليا جيدا يجب أن تسافر وتشترك فى تلك المهرجانات فى الخارج، وهذا أمر يصعب على كثير من مربى الخيول وأصحابها، حيث إن الأمر يحتاج إلى إمكانات مادية ضخمة، متسائلا: لماذا لا تقوم الدولة بتبنى مثل تلك المسابقات وهى بلد المصدر للحصان العربى وبلد التوثيق لمعظم الخيول العربية لتكون مصدرا أيضا لتسعير الحصان وتقدير قيمته الحقيقية بدلا من مهرجانات الخارج. محمد أبو زيد مربى الخيول فى نزلة السمان يقول: أربى خيل منذ 25 عاما وهى مهنة آبائى وأجدادي، حيث أعرف كل ما يتعلق بالخيل من طعام ورعاية وعلاج وتدريب لدرجة أننى أصبحت من عينى الحصان أعرف ماذا يريد وإذا كان مريضا أعرف ما هو مرضه بفعل العشرة والعكس، حيث إن الحصان من أرق وأذكى الكائنات وأوفاهم على وجه الأرض فقد يموت إذا حزن على فراق صاحبه، ومشيرا أن الحصان العربى فى مصر مظلوم فى منظومة تربيته والاهتمام به حيث إنه فى أحسن تقدير يتم الإنفاق عليه شهريا بنحو 3 آلاف إلى 5 آلاف جنيه أما فى الخارج من الممكن أن يتم الصرف على الحصان الواحد 10 آلاف يورو ويعيش فى أماكن مكيفة وأى مرض يعانى منه الخيل تتم معالجته على الفور أما فى مصر فمازال الحصان العربى يعانى أمراضاً ينقلها له الذباب قد نصل إلى شهور حتى نستطيع علاجها وأحيانا نعانى حتى نحصل ونجد علاج الخيول، كما أنه مهما استطاعت مزارع الخيول أن توفر إمكانات وأموالا للإنفاق على خيولها فى شتى مجالات الغذاء والرعاية والتدريب والعلاج لن تضاهى أبدا الاهتمام بالخيل العربى فى الخارج. ويضيف أبو زيد أن الحصان العربى منذ شهوره الأولى نعرف فى أى مجال سيتم تأهيله خصوصا أن مسابقات الخيول تنقسم إلى مسابقات فى التحمل والقوة ومسابقات لقفز الحواجز وأخرى للجمال وأخيرة لأدب الخيل فيما يخص الرقص والاستعراض، موضحا أن إسطبلات الخيل فى نزلة السمان هى مكان تربية أشهر الخيول العربية للفنانين والمشاهير ورجال الدولة، ومنها الخيول الخاصة بالفنان مصطفى شعبان وأحمد السقا وشريهان وأنوشكا وغيرهم، ويتم تدريب الحصان منذ عامه الأول وكل حصان حسب ذكائه واستيعابه، حيث إن متوسط عمر الحصان 28 عاما ويبدأ حصد الجوائز من العام الثالث له، مشيرا أنه لديه حصان من كثرة ذكائه يفتح الحنفية ويشرب بمفرده وأخرى تفتح باب الإسطبل وتخرج يوميا دون مساعدة مربيها،كما عرفنا مربى الخيول على بعض الخيل العربى الذى يربيه مثل سيف ابن البطل الدولى وهو حصان عصبى جدا ودمه «حامى» يشعر بزعامة والغرور ويناطح كل الذكور فى الإسطبل كما تعرفنا إلى الفرسة عبير وابنتها ذات العشرة أيام التى كادت تهاجمنا عندما أخذنا ابنتها منها للتطعيم، تلك المهرة ذات اللون الأسود النادر واستمتعت بمشاهدة الحصان أعجوبة أفضل حصان يرقص فى مهرجانات أدب الخيل وصاحب البطولات فى هذا المجال. منظومة الخيل العربى فى مصر على وشك السقوط فكلها مشاكل بداية من الإهمال داخل وزارة الزراعة إلى عدم وجود أماكن متخصصة لتدريب الخيل، هذا ما يشير إليه أشرف مجدى الشهير بأشرف الطيار وهو مدرب خيول عربية، يقول: إن مهنة تدريب الخيول العربية مهنة صعبة جدا وفريدة، حيث تتعامل مباشرة مع ذكاء الحصان وأكثر مشاكلها تتلخص فى عدم وجود مدربين متخصصين فى التدريب ويتم تعيينهم فى مزرعة كمزرعة الزهراء بالواسطة، كما أنه لا يوجد مركز متخصص حكومى أو خاص لتعليم المدربين وتدريبهم غير أنه أحيانا يحضر المدربون الجدد دورات خاصة من مدربين أجانب سعرها من 500 إلى 700 دولار تتم فى مزارع الخيل الخاصة وأيضا نضطر إلى الدراسة والتعلم عن طريق الإنترنت، وهذا لا يكفى لتأهيل مدرب الخيل العربى لتأهيل الخيل لحصد الجوائز، موضحا أنه أمر غريب، حيث يفتقر بلد الأصل للخيل العربى لوجود جهة متخصصة لتدريب والتعليم على عكس دول كالسعودية والكويت والإمارات، مثلا فيها العديد من مراكز التدريب وهناك قسم خاص بالخيول العربية فى كليات الطب البطرى هناك. ويضيف الطيار هناك فى مصر ما يقرب 687 مزرعة خاصة لتربية الخيول العربية الأصيلة على الرغم من ذلك فأن مصر تأتى اليوم فى مرتبة متأخرة جدا فى مجال الخيل العربى وهى فقط الأولى بشكل شرفى وليس حقيقيا بسبب إهمال الدولة الكبير لثروتها القومية من هذا النوع من الخيول، إضافة إلى عدم وجود ثقافة لدى المجتمع لأهمية هذا الكنز الذى يمكن أن يدر على مصر مليارات الدولارات لو اهتمت بهذا المجال ونمته ولم تتركه لتجار جهلاء يتلاعبون فى الصفات والأنساب من خلال التهجين والتزواج الخاطئ للخيل، مؤكدا أن الخيل المصرى فى الداخل ليس له سعر أما لو كان قادما من الخارج فإن سعره وقسمته تختلف تماما، لدرجة أن أغنياء فى المجال فى مصر أصبحوا يشترون الخيل المصري، ولكن من الخارج، إضافة أن مصر لم تعد سوقا كسابق عهدها فى بيع وشراء الخيل العربى الأصيل للدول العربية بل أصبح السوق الأساسى لهذه التجارة المتفردة فى روسيا وهولندا وأمريكا مما ينذر بانهيار سريع للحصان العربى فى مصر .