د.نصر الدين علام كان الشرط الأثيوبي للانضمام إلى مُبادرة حوض النيل، هو أن تشمل المبادرة إعداد اتفاقية إطارية تُحدد المبادئ العامة لتنظيم واستغلال وتنمية النهر لصالح شعوبه، وذلك من خلال تفاوض دول الحوض حولها، ووصولا إلى إنشاء مفوضية لحوض النيل للإشراف على تعاون دول الحوض فى إدارة وتنظيم استغلال النهر.. وهذه الاتفاقية الإطارية هى ما تم تسميتها فيما بعد باتفاقية عنتيبى. وبدأت المفاوضات من خلال لجنة للخبراء من دول حوض النيل ضمت ثلاثة خبراء من كل دولة من تخصصات مختلفة هندسية وقانونية وسياسية للبدء فى إعداد إطار قانوني ومؤسسي لتعاون دول الحوض، وعقدت لجنة الخبراء تسعة اجتماعات انتهت بمسودة أولى للاتفاقية الإطارية فى الخرطوم بالسودان وذلك فى مارس 2000.. وتم بعد ذلك تشكيل لجنة تفاوضية من دول الحوض للاتفاق على الشكل النهائى للاتفاقية الإطارية.. وعقدت هذه اللجنة سبعة اجتماعات، الأول فى ديسمبر 2003 بأديس أبابا فى إثيوبيا، والأخير فى ديسمبر 2005 بعنتيبي في أوغندا، والذي رفعت فيه تقريرها الختامي إلى مجلس وزراء المياه فى دول الحوض.. وفي هذا التقرير الختامي كانت هناك العديد من النقاط الخلافية بين دولتي المصب مصر والسودان من ناحية ودول المنبع من ناحية أخرى. وكانت هذه الخلافات معظمها يدور حول الاتفاقيات التاريخية وعلاقتها بالاتفاقية الإطارية، ومبدأ الإخطار المُسبق عن المشروعات المائية على نهر النيل وإجراءاته التنفيذية، وإجراءات تعديل مواد أو ملاحق الاتفاقية. وكان الوفد المصرى يُصر على تضمين الاتفاقية ما ينص على أنها لا تتعارض مع الاتفاقيات التاريخية مثل اتفاقية 1902 مع أثيوبيا واتفاقية 1929 مع دول الهضبة الاستوائية و1959 مع السودان.. وكان أيضا يطلب أن تشمل الاتفاقية مبدأ الإخطار المُسبق عن المشاريع المائية على نهر النيل وإجراءاته التنفيذية، وعلى أنه يجب أن يكون هُناك توافق آراء بين دول الحوض لتعديل أي مادة أو ملحق من الاتفاقية.. وكانت دول منابع حوض النيل تُعارض أي إشارة للاتفاقيات التاريخية، وتُعارض وضع إجراءات الإخطار المُسبق فى الاتفاقية إلاَ بعد إعادة تقسيم الحصص المائية بين الدول الأعضاء، وكانت دول المنبع تريد أن يكون تغيير بنود وملاحق الاتفاقية بالأغلبية وليس بتوافق الآراء مما يمكنهم، وهم الأغلبية، تغييرها بدون موافقة مصر والسودان. جدير بالذكر أن الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة عام 1997 بشأن استخدامات الأنهار الدولية المُشتركة تقر بالاتفاقيات القائمة في مادتها رقم 3، وكذلك على الإجراءات التنفيذية للإخطار المُسبق فى مادتها رقم 12، وعلى مبدأ التوافق في تعديل أي من بنود الاتفاقية، أي أن المطالب المصرية مشروعة، وتتسق مع القانون الدولي وليست بدعة أو محاولة لإعاقة الاتفاقية. تولى بعد ذلك مجلس وزراء مياه دول الحوض ملف الاتفاقية الإطارية لحل هذه الخلافات التفاوضية، وذلك على مدى أربع اجتماعات متتالية.. وكان الاجتماع الأول في أديس أبابا فى مارس 2006، والاجتماع الثانى كان فى بوجمبورا في بورندى فى مايو 2006، والاجتماع الثالث فى كيجالى فى رواندا فى فبراير 2007، والاجتماع الرابع كان فى عنتيبى بأوغندا فى يونيو 2007. وخلال هذه الاجتماعات الأربعة رضخت مصر لضغوط دول المنبع، وقبِلت بعدم إدراج الإجراءات التنفيذية للإخطار المُسبق في الاتفاقية الإطارية على أن تقوم المفوضية بعد إنشائها بإعداد هذه الإجراءات، ووافقت أيضا على طلب دول المنبع بأن يكون تعديل العديد من مواد وملاحق الإتفاقية بالأغلبية، ولكنَّها تمسكت بالاتفاقيات التاريخية السابقة التي تنص على حقوقها المائية المكتسبة، واشتعلت الخلافات بين دولتي المصب ودول المنبع حول الاتفاقيات السابقة، حيث لم توافق دول المنبع على الإشارة إليها بأي شكل من الصور فى الاتفاقية الإطارية. وحلاً لهذا الخلاف اقترح البنك الدولى إحلال مادة الاتفاقيات السابقة بمادة للأمن المائي، ووافقت مصر ودول الحوض على ذلك على ذلك، ولكن استمر الخلاف حول صياغة هذه المادة، وكان تعريف الأمن المائى في الاتفاقية هشًا لايصلح للاستخدام فى مثل هذه الاتفاقيات الدولية "حق كل دولة في الحصول والاستخدام المستدام لمياة النهر لأغراض الصحة والزراعة والمعيشة والإنتاج والبيئة".. ومادة الأمن المائي في الاتفاقية تشمل جزئين الأول (أ) والثانى (ب). والجزء الأول ينص على "حق جميع دول حوض النيل فى تحقيق أمنها المائي"، أمَّا الجزء الثاني (ب) ينص حسب الصياغة التى اقترحتها دول المنبع "بعدم إحداث تأثير محسوس على الأمن المائي لأي دولة من دول الحوض"، والتي اعترضت عليها كل من مصر والسودان، واقترحتا صياغة بديلة للجزء (ب) "بعدم التأثير سلباً على الاستخدامات الحالية والحقوق وكذلك الأمن المائي لأي دولة من دول الحوض"، ورفضت دول المنبع هذه الصياغة المقترحة. وقرر مجلس وزراء مياه دول حوض النيل فى اجتماع عنتيبى بأوغندا فى يونيو 2007، أن التفاوض أصبح لا يُجدي حول هذه المادة، وتم رفعها للرؤساء للتوصل لحل هذا الخلاف. ولكن لم يتحرك رؤساء الدول لحل هذا الخلاف، وهذا لسبب بسيط هو أن هذا الخلاف ليس جديدًا، بل مطروحًا منذ استقلال دول المنبع ورفضهم للاتفاقيات السابقة وعدم اعترافهم بحصص مصر المائية، وتُمثل هذه القضية محور الخلاف الرئيسى فى ملف حوض النيل لعقود طويلة.. فكان غير مقبول أن يتفاوض الوزراء لمدة ثماني سنوات ثم يعودون للرؤساء بنفس المشكلة بدون تغيير أو تعديل يقرب مابين وجهات النظر.. فماذا يفعل الرؤساء هل تتنازل دول المصب عن حصتهم أم تتنازل دول المنبع عن مطالباتهم المائية. واجتمع مجلس وزراء مياه دول حوض النيل مرة خامسة لإيجاد حل لهذه الإشكالية وذلك في كينشاسا في الكونغو عام 2008، وتم الاتفاق على قيام رئيس المجلس الوزارى- وكان وقتها السيد الوزير الكونغولي- بزيارة جميع دول الحوض للتوصل إلى صيغة توافقية للجزء (ب) من مادة الأمن المائى. وبالفعل قام سيادته بهذه الزيارات بصحبة وزيرة المياه الأوغندية الرئيسة السابقة للمجلس الوزاري وممثل البنك الدولي.. وأثناء زيارتهم للقاهرة فى يناير 2009 وفى اجتماعهم مع السيد وزير الموارد المائية والري المصري حينذاك، نقل الوفد للسيد الوزير المصري أن دول المنبع لا توافق على استخدام كلمة "الحقوق" فى الجزء (ب) من مادة الأمن المائي، وطلب الوفد من السيد الوزير بالموافقة على حذفها. ووافق السيد الوزير على حذف كلمة "حقوق"والاكتفاء بتعبير"الاستخدامات الحالية". وبعد هذه الموافقة المصرية على مطالبهم، رفضت دول المنبع هذه الصيغة لمادة الأمن المائي. وأصبح لا يتبقى لمصر شيء يُمكِنها التنازل عنه سوى تعبير "الاستخدامات المائية"، وبالتالي الموافقة على إعادة تقسيم الحصص المائية بين دول الحوض.