أبناؤنا فى الخارج.. من السعودية إلى الإمارات إلى الكويت إلى تركيا إلى اليونان إلى إيطاليا إلى كل دول أوروبا فضلا عن الجاليات المصرية فى بلدان الأمريكتين. هل هم مجرد الدجاجة التى تبيض ذهب الرسوم والضرائب والتحويلات إلى أسرهم؟ هل هم مجرد ذلك؟ وهل هذه فقط هى العلاقة بينهم وبين أهلهم وذويهم وقراهم ومدنهم فى الوطن الأم؟ هل هم مجرد ما يبعثون به من تحويلات وحوالات وما يدفعونه من رسوم ودمغات وضرائب؟ -2وهل أفضل علاقة تربط شعب مصر، بمئات الآلاف وربما الملايين من أبنائه الذين يعيشون فى الخارج، هى بضع أغنيات وطنية أو برنامج إذاعى محدود الرؤية والقيمة والمضمون.. -3 ألمح فى أفق الكتابة سؤالا يقول: هل فقدنا القدرة على التمييز، والإحساس - إلى هذا الحد -؟! وما الذى ننتظره - حقا - من هؤلاء الأبناء - وهم بالملايين - إزاء ما نبديه لهم من رؤية، أو أفكار، أو مشاعر..ألمح أيضا سؤالا آخر يقول: أليس مؤسفا، أن تكون إنسانية هؤلاء الأبناء، هى البعد الغائب فى منظومة علاقتهم بالشعب الذى أنجبهم.. وبالوطن الذى يجمعهم؟! -4 ماذا يعرف المصريون مثلا عن عبقرية مصر التى عاشت فى منطقة «فال- دور» باريس.. أو زمالك باريس.. هل يعرفون قيمة هذا الرجل، أو معناه، هل يدركون كم كان يحب بلاده، مصر، وكيف عاش ومات عاشقا، وناقدا لها فى وقت واحد؟ حامد عبدالله - يرحمه الله - هو عبقرية تصوير الصراع المتأجج فى ذات الفنان، بين الغربة التى يعيشها - فى جليد أوروبا - وبين دفء الإيمان الذى يسكن كل خلاياه.. فهو إنسان مصرى.. حتى لو عاش فى واق الواق.. هو صاحب لوحة «القاف» الشهيرة، وهو أول من رسم بأحرف اللغة العربية فأحدث تزاوجا عبقريا بين أحرف اللغة العربية وبين ما تنطوى عليه هذه الأحرف من موضوعات ومضامين ومفاهيم وأسرار وأحلام.. ثم إنه فى نهايات حياته، رسم معانى القرآن الكريم، فى البر والبحر والآفاق، بل وفى دواخل النفس البشرية.. بارك الله فى أبنائه، سمير، ومؤنس، وأنيسة.. الذين ولدوا فى باريس.. حيث يتضاءل الشعور بالوطن - للأسف الشديد - كلما تعاقبت الأجيال المولودة فى بلدان المهجر.. -5عباقرتنا فى الخارج، ليسوا - ولا يجب أن يكونوا - مجرد خمسة أو عشرة أشخاص، نكترث أكثر بمن حصل على جوائز عالمية رفيعة من بينهم، مثل نوبل التى حصل عليها محفوظ - مغترب الداخل - وزويل والبرادعى مغتربى الخارج، إضافة إلى أطباء يتقدمهم د. مجدى يعقوب ود. مصطفى السيد، ولا أعرف، فربما كانت هناك حفنة أسماء أخرى تطغى - مع كامل الاحترام لهم - على مجتمعات أبناء مصر فى الخارج الذين قد تكون من بينهم - فى حقيقة الأمر - عبقريات تفوق عبقرية نوبل، مخترع الديناميت، الذى مات وهو يبحث عن السلام. -6 ويبدو أن نوبل كان محقا، لأن حلم السلام، لا يغنى عن ديناميت الواقع.. ولعلها مفارقة مدهشة حقا أن يجمع الإنسان بين أحلامه وواقعه فى ذات الوقت.. ومن بين أكوام الديناميت المبعثرة هنا وهناك وتهدد الحياة بالفناء فى كل وقت.. تظل الأحلام هى واقع الإنسان فى البقاء على قيد الحياة.. -7مثل هذه المضامين، الفكرية، والعلمية، والإبداعية، هى التى يتوجب أن نفتش عنها لدى الكثير، من شخصيات أبناء مصر فى الخارج.. بل وحتى أولئك الصبية، الذين ركبوا مراكب الموت عبر المتوسط، بحثا عن ذهب أوروبا، وأملا فى الحصول على بعضه. 8 - قصة علاقة الإنسان المصرى - وربما العربى بصفة عامة - بوطنه، وشعبه، شهدت كثيرا من العبث، واستباحة المقدسات والحرمات عبر عقود الازدهار الأمريكى والإسرائيلى فى بلدان العرب وإقليم الشرق الأوسط الإسلامى.. فتحت راية السلام، وفى ظل شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، نجحت عملية الغزو المتواصل والاختراق الشامل، فى إنتاج هذه الأجيال العربية القائم لأجيال بعضها مشوه، وبعض الجديد مشرد. -9حقيقة الأمر أن «الهجرة» بدت وكأنها قدر على الجميع، الذين هنا تأتيهم الغربة حتى مخادعهم.. والذين هناك مروا بمراحل الغربة والهجرة، ولسوء الحظ فإن الكثيرين لم ينتبهوا إلى حقيقة أن كل ما هو مصرى ووطنى كان يتبدد فى تلك الأثناء. -10لا نريد ذلك الآن.. نريد لمصر أن توجد حيثما يوجد أبناؤها، ونريد لأبناء مصر وجودهم حيثما توجد راية مصر.. ومصالح المصريين.. نريد أن نتحول إلى أمة واحدة متحدة، فى الداخل أو الخارج، بل إننا لن نعبر عن أدنى درجة من احترام تاريخنا، أو عقيدتنا، أو مصالحنا، إلا إذا بدأنا الإيمان بوحدة المسلمين والعرب..هذه الأمة التى شوهها إعلام الغرب ومزقتها آلات الغرب السياسية والعقائدية والاقتصادية، عليها أن تتواصل الآن.. على الأقل بعدما بان الغرب على حقيقته، إزاء مطالب مصر فى الاستقلال والسيادة والتى رفضت فى الكونجرس الأمريكى وقوبلت بتهديدات ووقاحات قطع المعونة عن مصر.. أى معونة.. وهل مصر فى موقف المتسول وقد أنعم الله عليها بهذا الموقع، وبطل هؤلاء البشر، وبطل هذه الثروات. -11من واجب الإدارة والكونجرس الأمريكى أن يفزع من إدراك المصريين لحقيقة أن الصديق الذى قربوه جدا، وشاركوه كثيرا واعتمدوا عليه أيضا، إنما هو المسئول بشراكاته وسياساته وتدخلاته فى كل هذا الخراب الذى أحاط بمصر، وبكل هذه العشوائيات التى تسودها، وبكل هذا الظلم والظلام اللذين أصبحت تعيشهما فى ظل الصداقة والسلام.. الصداقة للغرب الأمريكى.. والمجد لله فى الأعالى.. والسلام الإسرائيلى. خروج بمصر عن موقعها، وطبعها، وطبيعتها. لم تحصل فى مقابله على غير الفقر والظلام والفرقة و الانقسام، فهذه هى مفاهيم العدالة، فى كل من العقيدتين، الرأسمالية والصهيونية. -12أبناؤنا فى الخارج، هم رسلنا فى تحقيق أهدافنا وكسب معاركنا، ويتوجب من الآن فصاعدا، أن يكون لهم فى مصر، أكثر مما لهم فى بلاد الآخرين، علما، أو فنا، فقها أو سياسة أو تجارة. -13أبناء مصر فى الخارج لديهم، ميزة قتالية أخرى، إنهم هم الأعرف بمناطق القوة والضعف فى البلدان التى يعيشون فيها. وبالتالى كيفية أن تكون الحياة سجالا بين شعبنا وبين شعوب مختلف هذه البلدان. وأخيرا..أما خرافات التكنولوجيا، فلا تصدقوها، لأن الإنسان هو الذى يصنع التكنولوجيا، وليست التكنولوجيا هى التى تصنع الإنسان، وهناك قاعدة تقول إن الجميع يبدأ مما يمتلكه الجميع، ثم يكون له ما يميزه بعد ذلك