* تحت يدى حقيبة من رسائل وصلتنى من قراء «المصرى اليوم» عن طريق «البريد الإلكترونى»، رداً على السؤال الذى طرحته الأسبوع الماضى فى هذا المكان تحت عنوان: «فى الغربة.. لماذا يكرهون بعضهم؟»، وكان المصريون هم المقصودين فى هذا السؤال.. معظم الرسائل جاءت مؤيدة لهذه القضية، وعدد محدود منها جاء معارضاً.. والخلاف بين هذا الرأى وذاك يحمل رسالة مضمونها أننا فقدنا قيمنا وتغيرت أخلاقياتنا، ولم يعد للشهامة والجدعنة مكان فى حياتنا.. وقد ضرب أحد القراء مثالاً بواقعة «فتاة العتبة».. رغم أن الحادث فى القاهرة وليس خارجها.. وفى قلب ميدان العتبة وليس فى مكان من الأماكن العشوائية المهجورة. * يقول الدكتور سعيد حسين، وهو طبيب على المعاش: هل نسيتم حادثة فتاة العتبة التى تم اغتصابها أمام نصف مليون مواطن، وساعتها لم يتحرك أحد للدفاع عنها؟ والقارئ العزيز يقصد بهذه الواقعة اختفاء الشهامة والجدعنة بين المصريين، ولم يعد هناك ما يجمعهم على حب أو تضحية.. ولذلك سألنى فى بداية رسالته: لماذا لا يكون هذا السؤال بديلاً عن سؤالك، وهو.. لماذا يحبون بعضهم؟.. ثم يقول: لقد طرحت هذا السؤال لأن الحياة التى يحياها المواطن داخل الوطن تتجه إلى الانعزالية بداية من طفولة كريهة، سواء كانت فى الشارع أو المدرسة أو البيت، فينمو الإنسان ليعايش ما حوله من تحذيرات بألا يلعب مع أحد، ولا يصادق أحداً سواء كانوا من أبناء الجيران أو الأصدقاء، على اعتبار أنهم «وحشين» ثم تزداد مداركه، وينضج وعيه ثم يرى نفسه وهو يختلف عن الآخرين.. من هنا تنشأ الكراهية بين البشر بسبب التفرقة بينهم.. ومع ذلك يرتضون الواقع حتى أصبحت البساطة تغلب عليهم. * وللقارئ أبوعبدالله رأى فهو يقول فى رسالته: بصراحة شديدة أعجبنى المقال، رغم أن ما نتناوله من أفعال المصريين فى الغربة هو القليل.. فالسبب فى كراهيتهم لبعضهم هو ضعف التربية الدينية مع أن الرزق بيد الخالق، ومع ذلك نجدهم يستعملون الفهلوة التى تربوا عليها فى وطنهم ثم نظام البوليسية والمخابراتية من أيام عهد عبدالناصر، فهم يستخدمون نفس الأسلوب فى كل شىء حتى صار الحب بينهم معدوماً، ويكفى أن نشاهد الصراعات والقتل والعقوق والنصب، وجزى الله القنوات الفضائية خير الجزاء على تسويقها هذه الصور ليظهر وجه مصر القبيح على العالم.. وقد كان فى مقدورنا أن نتصدى لكل ما يسىء إلينا، على اعتبار أن هذه القنوات هى صناعة مصرية ولعقول مصرية. *وقارئ آخر يدافع عن عبدالناصر.. ويتساءل: لماذا الزج باسم الزعيم الوطنى جمال عبدالناصر فى هذا الموضوع مع أن المصريين على عهده فى الخمسينيات والستينيات كانوا أكثر احتراماً ومهابة فى غربتهم أينما كانوا بالدول العربية وغيرها؟ وهذه حقيقة مؤكدة بالرغم من قلة عددهم حينذاك فلم تكن الهجرة والسفر للبحث عن عمل والبطالة من ظواهر عصره، أما بعد الانفتاح السداح مداح وما تلاه من كوارث فأصبح حلم كل شاب فى السفر أو الهجرة، بحثاً عن فرصة عمل حقيقية مجزية لحياة كريمة.. واسألوا مئات الآلاف من المتسكعين على أبواب السفارات ومكاتب التسفير.. حتى أصبحت حرب المصريين بالخارج امتداداً لصراعهم بالداخل من أجل لقمة عيش، فالمصرى فى الغربة يتغنى بحب وطنه ولكنك إن سألته عن ميعاد عودته أدار وجهه عنك واتهمك بالجنون، فهو على استعداد أن يقاتل حتى لا يعود. * أما وليد الغنيمى فهو يختلف معى فى المقال، وعلى حد تعبيره، فإن الصورة ليست بهذا القبح.. وليس أغلبية المصريين هم الذين يكرهون بعضهم.. لكنهم قلة.. والسبب غياب السفارات المصرية فى الخارج.. لأن مهمة السفارة هى تجميع المصريين فى الغربة.. وإبراز الجوانب المشرفة لأى مصرى دون أن نتجاهله. * وأحمد باهى، مصرى مقيم فى الإمارات يقول: أذكر فضل المصريين فى الغربة معى.. فجميع الوظائف التى تنقلت فيها وحققت عائداً أكبر فيها كان بمساعدة المصريين هنا فى الإمارات.. وهذا لا يمنع من وجود نماذج أخرى من المصريين تبيع الشر والحقد والحسد، ولأننا شعب له أغلبية فى الغربة فعيوبنا واضحة وبارزة بين الجاليات الأخرى.. فالغربة هى المحك بين الناس.. هناك شباب عائدهم المادى ضعيف لكن نفوسهم «زى الفل».. وفيه ناس الحقد بياكلها وشغلها الشاغل تأليب الآخرين على بعضهم.. على أى حال ربنا يسترها علينا فى الغربة. * ويقول مؤيد للمقال: هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد لاحظتها حينما عملت بعض الوقت فى دولتين من دول الخليج.. رأيت المصرى مستعداً للتسلق على جثة زميله المصرى لكى يحقق طموحاته. .. فى النهاية لا أجد تعليقاً على ما جاء فى رسائل القراء بعد أن وضعوا نهاية للسؤال الحائر بين الحقيقة الضائعة وعلامات الاستفهام التى أصبحت إشارات المرور.. صحيح أنها أعطت اللون الأصفر، فأصبحنا نقف فى منتصف الطريق ولا نعرف إن كان الفقر والقهر هما سبب كراهية المصريين لبعضهم البعض فى الغربة.. أم أن بذور الكراهية التى زرعها النظام منذ الخمسينيات هى السبب؟ أنا شخصياً ما زلت أبحث عن السبب. [email protected]