محمد زكى مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق هو أحد شيوخ مهنة البحث عن المتاعب، وهو من قاتل من أجل حرية الصحافة وإلغاء الحبس فى قضايا النشر، وفى ظل الأحداث التى تمر بها مصر لا يمكن أن نتجاهل آراء وتحليلات كاتب بحجم وقيمة شيخ الصحفيين، الذى أكد أن ما يحدث الآن من الإخوان هو نوع من السعار والجنون، وما قام به الشباب المصرى أصاب رئيس الوزراء التركى «أردوغان» أيضا بالجنون والخوف من نقل التجربة المصرية لتركيا، وأضاف مكرم أن ما يفعله الإخوان هو محاولة للخروج الآمن لهم ولقيادتهم، لأنهم على يقين بأن عودة مرسى مستحيلة، وأن العلاقة بين أمريكا والإخوان علاقة ممتدة منذ زمن، والمشروعان الإسلامى والشرق الأوسط الكبير وحماية أمن إسرائيل هما من وطّد هذه العلاقة وإلى الحوار: كيف تقرأ المشهد السياسى بعد 30 يوليو؟ أعتقد أن الموضوع حسم بشكل نهائى يوم 30 يوليو بهذا الخروج العظيم الذى قام به الشعب المصرى، حيث تراوحت الأعداد ما بين 33 مليونا حسب تقديرات ال CNN ، وتقديرات أخرى أوروبية 25 مليونا وفى كل الأحوال فإن جميع مياديين مصر وشوارعها غصت بكل فئات الشعب المصرى جميعها فى كل المحافظات ليؤكدوا بشكل واضح أن المصريين لفظوا حكم الجماعة بشكل نهائى، وأنهم ما عادوا يطيقون صبراً أخطاءها وفشلها خصوصاً أن الجماعة لم تفشل فقط فى إدارة مصر، وأن الأمور تجاوزت كثيراً موضوع أزمات السولار والبنزين المتتابعة إلى درجة انزلاق البلاد إلى صراع داخلى يمكن أن يصل إلى حرب أهلية، هذا المشهد الخطير لعب فيه الجيش المصرى جزءا محدودا التزاما بما أعلنه سابقا بأنه سوف يحمى حق المصريين فى حرية التعبير وإرادتهم الشرعية المتمثلة فى إجماعهم الوطنى وتأكد ذلك بخروج الملايين مرات عديدة فى جميع المدن المصرية. الإخوان المسلمون يعيشون دائما فى عالم افتراضى لا يريدون أن يروا الواقع كما هو وإنما يخلطون بين الواقع وأحلامهم التى فى الأغلب أضغاث أحلام رفضوا هذا المشهد، وأصروا على ما حدث «انقلاب عسكرى» وذهبوا أبعد من ذلك وحاولوا أن يؤكدوا لمتخذى القرار وبعض الدوائر الأمريكية أنه انقلاب على السلطة الشرعية، وإثارة الفتنة فى سيناء، وفى كل مكان وهددوا بحرق البلاد وبقطع الطرق فى كل مكان، ودعوا الدول الغربية والولايات المتحدة إلى قطع المعونات العسكرية عن الجيش المصرى، ووصلت الأمور إلى حد ارتكاب جرائم تقترب من الخيانة العظمى لأنه لا معنى أنك كتيار سياسى مختلف مع تيار آخر أن تتحالف مع الجهادية السلفية التى هى الاسم الجديد لتنظيم القاعدة لتضع أمن مصر القومى على المحك، وأعتقد أن الصورة تعكس حاجة مهمة جداً هو إحساسهم بأن الفريسة التى كانت بين أنيابهم وهى مصر قد فلتت من أيديهم وهذا أصابهم بنوع من "المس الجنونى والسعار" جعلهم لا يفكرون فى مصر وهم الآن يرتكبون جريمة انتحار جماعى، لأنهم يعرفون أن الشعب يلفظهم ويعرفون أن ما حدث ليس انقلابا حقيقياً، صحيح تدخل الجيش، ولكن كان الجزء الأصغر فى عملية واسعة البطل فيها الشعب المصرى، وهم يعرفون لولا تدخل الجيش لحدث صراع وحرب أهلية، لكن على الناحية الأخرى، الإخوان يتصورون أن الجيش يمكن أن ينشق وبالتالى المصريون أصبح لديهم غصة حول متى ينتهى هذا الموقف، والموجودون فى رابعة يدركون جيداً أن مرسى لن يعود، الجديد فى الأمر أن الأمريكان تغيرت مواقفهم، حيث لم يقولوا قولا حاسما ونهائيا وقالوا أربع حقائق، أولها أن حكم مرسى لم يكن ديمقراطيا وارتكب كثيرا من الأخطاء، وتصوره القاصر عن أن الديمقراطية مجرد صندوق انتخابات تصور قاصر، والديمقراطية أكبر من ذلك، والحقيقة الثانية عدم الاعتراف بأن ما حدث فى مصر انقلاب عسكرى، لأن استجابة الجيش جاءت للمصريين الذين خرجوا فى الشوارع بالملايين، والثالثة أن الإمدادات فى مصر تمثل مصلحة عسكرية ولا يمكننا قطعها عن مصر لأنها تمثل مصلحة أمريكية، وقطعوا على أنفسهم وعدا بتوريد الأربع طائرات إف 16، على أن يتم توريد باقى الطائرات المقاتلة قبل نهاية العام، وقالوا إننا درسنا طبيعة المرحلة الانتقالية ووجدنا أنها تسير فى الاتجاه الصحيح، ولا نريد أن نقطع على الشعب المصرى، ولكن نتصور أنه دخل الطريق الصحيح إلى الديمقراطية، والعالم بأكمله تغيرت مواقفه تجاه مصر، ولم نجد معارضا مصمما على اعتراضه سوى الرئيس رجب طيب أردوغان. وبماذا تفسر ذلك؟ ما من شك أنه قيادة كبيرة من قيادات حركة الإخوان المسلمين التركية وأنجز أشياء كثيرة لوطنه وجعل تركيا فى 10 سنوات السادسة فى الناتج والدخل المحلى على أوروبا وال 16 فى التصنيع على مستوى العالم، وزاد من دخل الفرد التركى ثلاثة أضعاف خلال 12 عاماً، وحقق إنجازا كبيرا لكن مشكلته أنه حصل نوع من الانتفاخ وورم فى الشخصية، وتصور أن كل ما يقوله لابد أن ينفذ، وتدخل فى حياة الأتراك الشخصية، مثل إجبار السيدة التركية على إنجاب ثلاثة أطفال، وارتدائها ملابس معينة، فأحس الأتراك أن أردوغان يقترب من كشف حرياتهم الشخصية، وأنه بدأ فى إشغال نفسه فى حصار الطبقة الوسطى والتضييق على الحريات العامة والخاصة وتدخله الشديد فى الأزمة السورية بما أضر بمصالح تركيا نفسها، وتسبب فى مشكلة ضخمة مع سوريا أثرت على التركيبة السكانية التركية، ثم جاءت حركة شباب ميدان تقسيم المدافعين عن حرياتهم، ورأى أردوغان أنهم أولاد عصاة، فضربهم بقسوة إلا أنهم تصدوا لذلك، حيث رأى أردوغان أن ثورة الشباب المصرى أثرت بشكل كبير فى نفوس الشباب الأتراك ومن الخطورة الصمت على الشباب التركى حتى لا يتحولون إلى شوكة فى وجه نظام أردوغان، حيث تصور أنه سيغير الدستور ويصير رئيسا للبلاد، إلا أن مشروعه يكاد ينهار حاليا. أيضا كنموذج ومثال الأمريكان كانوا يحاولون أن يصوروا لدول الشرق الأوسط عدم تجاوز الدين كعنصر مهم، والترويج إلى نموذج أردوغان، وتصوروا أن الإخوان يمكن أن يخوضوا تجربة الإخوان فى تركيا، إلا أن اختلاف الثقافتين كبير، مع اختلاف ينابيع الطرفين. حيث لجأ الإخوان الأتراك إلى التحول لجزء لا يتجزأ عن أوروبا فى حين أن الإخوان المسلمين ينابيعهم تصل إلى بدو الصحراء، ويتسمون بالتشدد الشديد والغلو ورفض السماحة واختيار النهج الأكثر تشددا نتيجة تأثرهم بالوهابية، وفضلا عن التخلف الثقافى، فمن الصعب أن نقارن بين المرشد محمد بديع وأردوغان، أو بديع وراشد الغنوشى، الذى اجتمع بالإخوان قبل ثورة يونيو بعشرة أيام واجتمع أيضا بالعديد من الرموز الثقافية استمع منهم إلى مهازل الإخوان فى مصر كاضطهادها للصحفيين، وحربها مع كل مؤسسات الدولة كالقضاء. وقال الغنوشى إن أخطاء الإخوان عديدة أخطرها، أنها لم تدرك طبيعة المجتمع المصرى وأنه متنوع ولا يمكن حكمها بفصيل واحد، حيث وصل به الحد إلى مطالبته باستمرار عمل الجبهة الوطنية، حيث رأى أنها قادرة على حشد همم المجتمع المصرى وراء هدف الإخوان فى التنمية، وهنا يتضح أن الغنوشى يتأثر بفترة نشأته فى فرنسا، لذلك الغنوشى يحكم بالتوافق مع حزبين علمانيين أحدهما حزب اشتراكى، وثانيا قال: إن الوزارات السيادية لابد وأن نعهد بها إلى شخصيات قومية لأن طبيعة المهام قومية حتى لا تصبح هذه المهام حكرا على أحد. وهل رحيل الإخوان أسعد بعض الدول العربية؟ نعم العالم العربى كله تنفس الصعداء برحيل الإخوان وتحديدا السعودية، والسعودية بسبب أنه فى 54 حدثت أزمة عبد الناصر مع الإخوان وهربوا إلى السعودية، وأتاحت لهم فرصة إنشاء ونشر التعليم الخاص فى السعودية، وإدارة الروابط الإسلامية التى أقامتها السعودية والعمل بالمقاولات، وكون الإخوان ثرواتهم بالسعودية، إلا أنهم خانوا السعوديين بعد غزو صدام للكويت وتوقعوا أن صدام هو الموجة الثانية، ومنذ هذا التاريخ والسعودية لا تثق فى الإخوان أبدا برغم عدم إعلانها ذلك، وفور ثورة 30 يونيو على الإخوان ساعدت مصر ب خمسة مليارات دولار تعبيرا عن فرحتها برحيل الإخوان عن حكم مصر. هل ترى أن العلاقة بين أمريكا والإخوان اهتزت بعد 30 يونيو؟ الجميع يتحدث عن مشروع إسلامى، لكن لم يطلعنا أحد عن تفاصيل المشروع فى الوقت الذى كانت تتحدث فيه أمريكا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد، وهنا ظهر توافق بين المشروعين، وظهر وجود توافق على حماية الإخوان لأمن إسرائيل، ولابد أن ننتبه إلى أن ما أسموه بالمشروع الإسلامى قسم العالم العربى وقسم مصر نفسها إلى شقين، وهذا معناه أن تفتيت وحدة البلاد العربية والاستفادة من حروب العرب مع بعض البعض، وظهور كيانات طائفية جديدة، وكل هذا مفيد لأى عدو يتربص بالبلاد، والأخطر من هذا أن المشروع ينطوى على تدمير كل الجيوش العربية ومنها الجيش العراقى والسورى.