يؤكد التاريخ الإسلامى أن هناك ثلاث معارك فاصلة، قدم فيها المسلمون نموذجا للتضحية والفداء والانتصار على أعدائهم.. يأتى فى مقدمة هذه المعارك الفاصلة معركة ذات السلاسل والتى انتصر فيها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد على الفرس وألحقوا بهم هزيمة قاسية.. ومعركة عمورية، التى حقق فيها المسلمون انتصارا كبيرا على الروم، ومعركة عين جالوت التى أنهت همجية المغول الذين عاثوا فى الأرض فسادا. بداية فإن معركة ذات السلاسل والتى تسمى باسم معركة كاظمة، وذلك نسبة إلى مكان حدوثها «منطقة شمال الكويت»، وقد وقعت هذه المعركة فى عام 12 ه، وكان طرفا هذه الحرب هما؛ جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ضد جيش الفرس، وانتهت هذه الحرب بانتصار المسلمين . وترجع أسباب معركة ذات السلاسل إلى أنه بعد أن انتهى المسلمون من حروب الردة فى منطقة البحرين، حدثت غارة من قبل المثنى بن حارثة الشيبانى مع مجموعة من رجاله على أطراف العراق، وبعد ذلك جاء المثنى بنفسه إلى المدينة طالبا من الخليفة أبى بكر، أن يؤمره على من أسلم من قومه ليقودهم لقتال الفرس.. ووافق أبو بكر الصديق على ما طلبه المثنى وكتب للمثنى فى ذلك عهدا، وبعد ذلك العهد وافق الخليفة أبو بكر أن يمد المثنى بمساعدة ليتابع غزواته، فأمر خالد بن الوليد بأن يجمع جنده فى اليمامة ويتوجه بهم إلى العراق، كما كتب رسالة إلى المثنى يأمره بطاعة أوامر القائد خالد بن الوليد . بعد ذلك توجه خالد بن الوليد إلى العراق برفقة عشرة آلاف مقاتل، وزادوا ثمانية آلاف كانوا مع المثنى، وكما جرت العادة أرسل خالد بن الوليد إلى هرمز، حاكم العراق الفارسى رسالة، يترك له الخيار بين الإسلام أو الجزية أو القتال، ففضل هرمز القتال. وبعد ذلك تحرك هرمز وجيشه إلى كاظمة –الكويت حاليا- حيث تمركز جيش المسلمين، واستخدم خالد بن الوليد وجيشه الخدعة، فترك الكاظمة لينتقل إلى منطقة تسمى الحفير، فلحقه هرمز وجيشه، وفى هذه الحركة قام خالد بن الوليد باستغلال نقطة ضعف جيش هرمز، وهى ثقل التسليح الذى يجعل الحركة مرهقة لأفراده . وقد كانت ردة فعل هرمز لذلك قوية وبعدها انتقل هو وجيشه قرب موارد الماء ليمنعه عن المسلمين، فأثار ذلك حماسة المسلمين، وزاد خطاب خالد فيهم المزيد من الحماسة الذى قال فيه : «أَلا انْزِلُوا وَحُطُّوا أَثْقَالَكُمْ، ثُمَّ جَالَدُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ، فَلَعَمْرِى لَيَصِيرَنَّ الْمَاءُ لأَصْبَرِ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَكْرَمِ الْجُنْدَيْنِ». وهنا أمر هرمز رجاله أن يربطوا أنفسهم بالسلاسل، حتى يستميتوا فى القتال بالمعركة ولا يفروا منها، كما طلب هرمز مبارزة خالد وبذلك بدأت المعركة بالمبارزة، وقد أمر هرمز بعض فرسانه أن يفتكوا بخالد إن خرج للمبارزة، وعند تنفيذ هذه الخطة علم القعقاع بن عمرو التميمى بهذا الأمر، وأدرك خالد إلا أن خالد بن الوليد رضى الله عنه هو والقعقاع قتلا هرمز وفرسانه، واضطربت صفوف الفرس بعد مقتل هرمز، وحينذاك استغل المسلمون هذه الفرصة، وأوقعوا بالفرس هزيمة كبيرة . أما معركة فتح عمورية فكانت عام 223ه، حيث قام ملك الروم توفيل بن ميخائيل بغزو مدينة صغيرة على أطراف الدولة العباسية فى عهد الخليفة المعتصم بالله، وأوقع بأهلها مقتلة عظيمة، وأَسر ألف امرأة مسلمة، وقام بتقطيع آذان الأسرى وأنوفهم وسمل أعينهم. استنجد المسلمون بالمعتصم، فغضب غضبا شديدا، ونادى فى المسلمين: يا خيل الله اركبي، وأرسل لملك الروم رسالة يقول فيها: «من المعتصم بالله أمير المؤمنين إلى كلب الروم: لأرسلن لك بجيش أوله عندك وآخره عندي». وخرج المعتصم إلى بلاد الروم، وتجهز جهازا لم يتجهز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد، ثم دخل بلاد الروم، فأقام على (سلوقية) قريبا من البحر، ودبر النزول على أنقرة، فإذا فتحها الله تعالى صار إلى عمورية، إذ لم يكن شيء ما يقصد له من بلاد الروم أعظم من هاتين المدينتين. وسار المعتصم مع قواده فى خطة محكمة، حتى صاروا من أنقرة على مسيرة ثلاث مراحل، فهرب أهل أنقرة وعظماؤها، ونزل بها المعتصم وقواده فأقاموا بها، ثم تابع المسير إلى عمورية. تحصن أهل عمورية وراء أسوارها، إلا أن المعتصم نصب المنجانيق، وأمر بضرب السور، فانفرج السور من موضع وسقط، فلما كان اليوم الثالث، وكثرت الجراحات فى الروم، قرر صاحب عمورية أن يخرج هو وأصحابه إلى المعتصم ليسألوه الأمان لأنفسهم ففعل، وكان فتحا إسلاميا كبيرا. أما معركة عين جالوت التى انتصر فيها المسلمون ووضعوا نهاية لأسطورة جيش المغول الذى عاث فى البلاد تدميرا، فكانت فى يوم 25 رمضان عام 658 ه، وعين جالوت هى بلدة بين بيسان ونابلس فى فلسطين. استمر المغول فى زحفهم حتى دخلوا بغداد، واستطاع قائدهم «هولاكو» إسقاط الخلافة العباسية، وقتل الخليفة العباسى سنة 1258م، وتم تدمير بغداد عاصمة الخلافة. واستمر هولاكو فى زحفه واستولى على حلب ودمشق، ثم احتلوا بلدة «الخليل» وبلدة « غزة « من أرض فلسطين، ولم يبق أمامه إلا مصر، فأرسل هولاكو رسالة تهديد لحاكم مصر فى ذلك الوقت السلطان «سيف الدين قطز»، يطلب منه الاستسلام، فرفض السلطان قطز الاستسلام، وأعد جيشه للمواجهة الحاسمة. نزل قطز بجيشه فى منطقة الغور بعين جالوت فى فلسطين، وفى يوم الجمعة 25 رمضان قامت معركة عنيفة بين الجيشين، وحقق المسلمون انتصارا كبيرا على جيش المغول، وأسروا قائدهم، وأمر «قطز» بقتله. وهكذا كانت معركة عين جالوت هى نهاية أسطورة هذا الجيش الذى عاث فى الأرض فسادا، وفرت فلول هذا الجيش إلى بلادهم خزايا مدحورين، وبعد هذه المعركة كانت بداية دولة المماليك فى مصر والشام. إن عين جالوت أعادت روح سابقاتها من غزوات ومعارك المسلمين، وكذلك أعادت للإسلام مكانته وعزته، وكانت نبراسا لكل الشعوب وكل القادة، ونموذجا فريدا فى الاستبسال والإقدام والتضحية.