أسامة الدليل - قبل أن تنشر بوابة "الأهرام العربي" الحوار الذي أجرته المجلة مع الرئيس السوري بشار الاسد كاملا مساء اليوم الإثنين، ترصد أجواء الشارع السياسي السوري، وهي في طريقها إلى عرين بشار الاسد. لا أحد يملك القول بأن سوريا تعيش حالة حرب. ولا أحد يملك أن يقول العكس، ولا برهان واحداً على أن المسلحين في سوريا يملكون الشوارع والدعم الجماهيري. ولا برهان على العكس. المشهد السوري من على الأرض وبالذات من العاصمة يبدو في غاية التناقض والالتباس. أصوات القذائف المتبادلة بين الجيش والمعارضين المسلحين يمكن سماعها في أنحاء من العاصمة وحركة السير على حالها. اختناقات مرورية وأسواق تكتظ بالمواطنين وصالات للسهر والديسكو تصخب بضجيجها في قلب الليل وعشاق يفترشون عشب الحدائق في قلب العاصمة وأطرافها. وبرغم أن هذه لم تكن زيارتي الأولى للقطر العربي السوري. فإنها المرة الأولى التي أسمع وأرى وألمس فيها حيرة المواطنين السوريين. ويبدو أن الشعوب العربية التي عاشت لعقود تحلم بالوحدة لم يعد يجمعها الآن سوى ترقب المجهول. وكما هى الحال اليوم في القاهرة وطرابلس وتونس وصنعاء والمنامة. يتوحد السؤال في دمشق: البلد دي رايحة على فين؟ الاتهامات بالعمالة والخيانة في خطاب السوريين هى أيضا عنف مواز. فكما أن العنف المسلح قد طال الجميع تجد لغة التخوين والتكفير مجالا أوسع للحركة لم يكن مرئيا ولا مسموعا لي بهذا الوضوح من قبل. ففي الخطاب الإعلامي الرسمي وكذا في الشارع السوري: المسلحون مرتزقة إرهابيون يتلقون السلاح والدولارات من قطر والسعودية والتدريب من تركيا. وفي الإعلام الداعم لإسقاط النظام وكذا في ذات الشوارع: من يدعو للحوار بين الضحية والجلاد هو أيضا مرتزقة ومجرمون ويتلقون الدولارات من النظام. ولا أحد ينجو من هذه المنظومة. حتى أنا!! وضعوني في سلة واحدة مع روبرت فيسك، الكاتب البريطاني الشهير في الإندبندنت ومع تيري ميسان، المفكر الفرنسي الشهير. بوصفنا مرتزقة لأن ما يجمع بيننا هو إدانة العنف المسلح من قبل المعارضة. ورفض التدخل الأجنبي ودعم الحوار السياسي بين الفرقاء بوصفه الخيار الوحيد للحل في سوريا. وبرغم إصراري وتكراري في كل وسائل الإعلام العربية والغربية على أن انحيازي في دمشق ليس لنظام الرئيس بشار الأسد ولا للمعارضة المسلحة. وإنما لمصالح الأمن القومي المصري التي ستتضرر بشكل مروع إذا ما فقدت سوريا – العمق الإستراتيجي لمصر - وحدة شعبها وتعرضت للتقسيم. إلا أن لغة التخوين والعمالة هي الأرض التي تتبختر عليها الفتنة في شوارع المدن السورية. ولا أحد يملك إيقاف هذا العنف أيضا. بل إنه وصل لذات الدرجة من عنف السلاح للمعادلة الصفرية. لا غالب ولا مغلوب. وبرغم كل شيء. لا دخان من غير نار، هناك بالفعل مرتزقة من مصر وليبيا والأردن والشيشان واليمن لقوا حتفهم في مواجهة الجيش العربي السوري. وجثثهم وجوازات سفرهم ليست مؤامرة من النظام السياسي على المعارضة السورية المسلحة. وقد التقيت بنفسي السيد نجم الدين أحمد، وزير العدل الذي أكد وجود معتقلين لدى سوريا من المسلحين المصريين الذين قدموا للجهاد في سوريا. وقال إنه من بين كل من عرضت شاشات الإعلام السوري اعترافاتهم فإن المشاعر القومية للشعب السوري جعلت من عرض اعترافات المصريين على شاشات التليفزيون أمرا غير مرغوب فيه من كل أصحاب القرار. وقد وعدني الوزير بإمدادي بملف كامل لمن قضى نحبه من المصريين المسلحين ولمن تم اعتقاله من قبل الجيش السوري وملابسات تورطهم بالعنف المسلح في سوريا من باب الارتزاق أو الجهاد. بعد مراجعة وزارة الخارجية السورية. وبالمقابل. أعترف بأن هناك من القوى السياسية والشخصيات التي تحسب نفسها على التيارات اليسارية والقومية والناصرية من يذهب إلى دمشق في ظل هذه الظروف القاسية التي يعاني فيها السوريون ليعرض أن يقايض دعمه السياسي لصمود النظام. بالدولارات. وبنفس القدر لا أجد ضيرا من أن أعترف أيضا أن من بين من يحرص على صمود النظام السياسي السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد بعض قوى المقاومة الفلسطينية التي لم يعد لها من ملاذ لدعم قضيتهم التي (كانت) قضية العرب المركزية. سوى هذا النظام السياسي الذي بات الأخير والوحيد الذي يدعم خيار المقاومة ضد العدو الصهيوني الغاصب. ويدعم المقاومين!! هل شخص بشار الأسد هو جوهر الأزمة في سوريا؟. قدري جميل، نائب رئيس الوزراء السوري حاليا، وهو معارض شيوعي قديم عانى سجون النظام لسنوات في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وأيضا بشار الأسد. سبق أن صرح في زيارة له في موسكو أن طاولة الحوار ممتدة في دمشق وأنه لا خطوط حمراء في الحوار السياسي في سوريا بما في ذلك مصير الرئيس بشار الأسد. وكانت قنبلة هزت أوساط المراقبين السياسيين الذين رأوا أنه ما كان ليتحدث عن إمكان تنحي الرئيس السوري دون تعليمات من الرئيس السوري ذاته!! التقيته في مقر الحزب الشيوعي في دمشق لا في مكتبه برئاسة الوزراء. سألته: هل كنت تقصد ما تقول وهل كنت تمثل إرادة رئاسة الجمهورية فيما صرحت به في موسكو. أجاب: لا. هذا التصريح كان من بنات أفكاري وبمبادرة مني. وبتقدير دقيق للموقف على الأرض. ونحن كمعارضة وطنية سورية نرى أن الحوار السياسي هو أول الأمر وآخره. وأنه بالنهاية لن يجد أحد أي سبيل سوى الحوار. وربما هذا ما يفسر لك سبب انخراطنا في حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية الحالية. صحيح أن بعض الفصائل أخذت علينا المشاركة في الحكومة. لكنهم لا يملكون البديل وهم عاجلا أو آجلا سيجلسون إلى طاولة الحوار. وأريد أن أنبه أن الحركة الشيوعية السورية لم تخطئ أبدا في حساباتها السياسية منذ تأسيسها وحتى اليوم. على عكس الحركة الشيوعية في مصر. نحن ندرك أن العنف قد بلغ مداه من الطرفين وأن المعادلة باتت صفرية لا يمكن لأي طرف أن يحسمها لا على المدى المنظور ولا على المدى البعيد. والغرب وأمريكا يدركان ذلك وهي حريصة على إبقاء المعادلة على حالها. فهذا يحقق مصالحها الإستراتيجية بما فيها ضمان أمن إسرائيل!! وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، وهو الرجل الذي استقبله المسلحون بحفاوة زائدة منذ أن تولى منصبه – تفجير مقر قناة الإخبارية السورية وخطف طاقم إخباري وقتل إعلاميين وصحفيين وتفجير مقر ستديوهات البث بالطابق الثالث من مبنى التليفزيون وأخيرا الدعم العربي للأزمة بقطع بث قنوات الإعلام السوري على النايل سات – هو بالأساس ناشط سياسي قديم عمل بأوساط منظمات الشبيبة السورية وهو محام قدير، شارك في صياغة الدستور السوري الحالي. لا يرى ضيرا من العلم السوري الأخضر الذي يرفعه المعارضون في تظاهراتهم المناوئة للنظام. صحيح أنه كان العلم السوري في ظل الانتداب الفرنسي ولكنه يؤكد: لقد حصلت سوريا على استقلالها تحت لواء هذا العلم ، وقد استمر بعض الوقت من بعد الاستقلال. والعلم الحالي هو علم الوحدة السورية المصرية. ونحن معتزون بهذا العلم الحالي لأنه كل ما تبقى للشعور القومي العروبي في سوريا من ذكرى وحدة عربية حقيقية تآمر عليها الجميع في حينها. ومازالت هذه الوحدة في ضمائر ومشاعر كل السوريين. هذه حقيقة لا سبيل لإنكارها. كل الذين التقيتهم في سوريا أو حتى في مصر من المعارضين للنظام السياسي السوري. مصر في قلوبهم. المكان والمكانة والرجال والتاريخ. حتى عتاة المعارضين من الإخوان المسلمين في سوريا يعتزون بهذه الرابطة حتى اليوم ولا يبالون من الجهر بذلك على شاشات الجزيرة القطرية. وفي لقائي مع الرئيس بشار الأسد ، لم يتطرق الرجل من قريب أو بعيد لموقف الرئيس المصري محمد مرسي، من ملف الأزمة. بل كان حريصا على إكرام وفادتي بوصفي مواطناً عربياً من القطر الجنوبي. للجمهورية العربية المتحدة. التي يرفرف علمها لليوم. أعلى ساحة الأمويين في دمشق.