الصاروخ السورى يكشف اهتراء الجبهة الداخلية الإسرائيلية منذ اندلاع الثورة السورية، فى مارس من العام 2011، والكيان الصهيونى يعبث بمقدرات الأمور فى سوريا بالتنسيق مع قوى غربية بغرض القضاء على إحدى قوى المقاومة العربية وإسقاط الجيش السورى الذى اعتبره رئيس الوزراء الصهيونى الأسبق، ديفيد بن جوريون، أحد أقوى ثلاثة جيوش عربية (إضافة للجيشين، المصرى والعراقى). بين الفينة والأخرى كانت القوات الجوية الإسرائيلية تقوم بغارات وضربات عسكرية لأهداف إستراتيجية بطول القطر السوري، ولم ينبس الرئيس بشار الأسد ولا نظامه ببنت شفه، طوال الست سنوات الماضية، ولم يعترف الكيان الصهيونى بهذه العمليات، وكان يتعمد المحاورة واتباع سياسة « اللف والدوران «، وفى الغالب كانت تل أبيب تكتفى بالتلميح بأنها من قامت بتلك العمليات العسكرية فى سوريا؛ حتى اعترف بنيامين نيتانياهو، رئيس الوزراء الصهيونى قبيل فترة بأنه يحمى بلاده وأمنه القومى من مخاطر محدقة به، وتتعلق بضرب قوافل شحنات أسلحة تابعة لحزب الله اللبنانى قادمة من الأراضى السورية، وقبلها اعترف بضرب أهداف لتنظيم داعش فى هضبة الجولان السورية المحتلة وبالقرب منها. بيد أن الاعتراف الأخير يوم الجمعة الماضية بأن القوات الصهيونية ضربت أهدافاً عسكرية وإستراتيجية سورية فى العمق السورى بالقرب من مدينة تدمر، فى وقت زادت العمليات العسكرية الصهيونية على سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ وللمرة الأولى منذ عقود يرد الجيش السورى على مقاتلات إسرائيلية بصاروخ مضاد للطائرات، سقطت شظاياه فى مدينة القدسالمحتلة، وسمع دوى انفجاره فى غور الأردنوالقدس وتل أبيب! وذلك بحسب ما ذكره، أمير بوخفوط، المعلق العسكرى للموقع الإلكترونى « واللا «! البداية المهمة والملهمة، جاءت مع اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، إيهود باراك، بأن بلاده أخطأت فى إطلاق صاروخ « حيتس « ردًا على إطلاق صاروخ سورى مضاد للطائرات الصهيونية للمرة الأولى، ربما منذ حرب يونيو من العام 1967، مبديًا رفضه لإطلاق الصاروخ الإسرائيلى الذى أجبر بلاده على الاعتراف بمهاجمة سوريا إثر سقوط الصاروخ فى الأردن، ومن قبل ذكر أنه سقط فى القدسالمحتلة، ليطالب رئيس وزرائه الحالى بالتحقيق فى الأمر، بدعوى أنه كان يجب على الجيش الإسرائيلى التنسيق مع الروس فى سوريا على اعتبار أنهم أصحاب القرار فى سوريا! وهو الاعتراف الصهيونى الأول باستهداف سوريا صراحة وتلقيها ضربة من سوريا أكثر صراحة! وتوالت بعد ذلك ردود الأفعال الإسرائيلية، حيث رأى نيتانياهو أن بلاده سترد على أية صواريخ قادمة من سوريا، وهو ما شدد عليه وزير حربه أفيجدور ليبرمان، من أن القوات الجوية الصهيونية ستدمر الدفاعات السورية الجوية كاملة فى حال جددت إطلاق صواريخ مضادة للطائرات الإسرائيلية التى تنفذ « تدريباتها « فى المجال الجوى السوري! ذكرت القناة السابعة الإسرائيلية، على موقعها الإلكتروني، أن الروس غاضبون من الضربة العسكرية الصهيونية دون التنسيق معهم فى سوريا، باعتبار أن الأراضى السورية باتت تحت السيادة الروسية الكاملة، مما دفع الروس إلى حفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولى باستدعاء السفير الإسرائيلى فى موسكو، وإبداء استيائهم من الهجمات الإسرائيلية داخل العمق السوري، فى وقت يبدو أن الصمت الروسى على توالى تلك الضربات الصهيونية فى سوريا قد أخرج نظام الأسد عن صمته، ودفعه إلى الرد بصواريخ مضادة للطائرات، للمرة الأولى منذ عقود طويلة! حيث طلبت موسكو من تل أبيب توضيحات حول الغارات المتعاقبة على سوريا، بدعوى أن هناك اتفاقًا بين الطرفين على تحديد مسارات العمليات الجوية فى سوريا! الغريب أن تلك الهجمات الصهيونية المتعاقبة جاءت بعد زيارة مهمة وخطيرة لنيتانياهو إلى العاصمة الروسية، موسكو، قبل أسبوعين، ولقاءه بالرئيس فيلاديمير بوتين، للحديث عن إبقاء هضبة الجولان السورية المحتلة تحت الاحتلال الصهيونى للأبد، واعتبارها أراضى إسرائيلية، مع رفض تل أبيب لإقامة إيران ميناء بحرى فى سوريا على البحر المتوسط، واعتراضها فى الأساس على الوجود الإيرانى فى القطر السوري. مع إشارة أكثر من وسيلة إعلامية إسرائيلية، منشورة باللغة العبرية، من بينها القناة العاشرة على موقعها الإلكتروني، إلى أن بوتين يغض الطرف عن الميناء الإيراني، وهو ما يقلق تل أبيب، برغم إشارته الضمنية السابقة بالموافقة على استهداف شحنات الأسلحة القادمة لحزب الله من سوريا! ومن الواضح أن أغلب وسائل الإعلام الصهيونية ركزت الحديث عن بناء إيران لميناء بحرية فى مدينة اللاذقية السورية، وأنه كان على تل أبيب الرد الفورى على مساعدة إيران للسوريين ومن قبلهم لحزب الله بمنع قوافل الأسلحة القادمة إلى لبنان من سوريا، فى محاولة للتعريف للمجتمع الدولى بأن ما تقوم به من عمليات عسكرية فى سوريا أمر طبيعى ردا على الميناء الإيرانية فى سوريا، وهى سمة عامة لتلك الوسائل خلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدًا منذ زيارة نيتانياهو لموسكو قبل أسبوعين! والواضح من الرد السورى الأول من نوعه على المقاتلات الإسرائيلية التى صالت وجالت طوال السنوات الست الماضية أن الأسد قرر تغيير قواعد الاشتباك، وأن ما حققه من انتصارات على الميليشيات المسلحة فى بلاده وعلى الجماعات الإرهابية فى أجزاء كبيرة من سوريا قد يدفعه للرد المباشر والقوى على التجمع الصهيوني. لذلك كان من البدهى أن يجرى الجيش الإسرائيلى مشاورات ولقاءات عاجلة وعلى أعلى مستوياته السياسية والعسكرية، وهو ما أشارت إليه هيئة تحرير صحيفة « يسرائيل هايوم «، العبرية، من أن ثمة خلافات جوهرية داخل سدة الحكم فى الكيان الصهيونى جراء التباين حول مدى أهمية إطلاق الصاروخ « حيتس « الإسرائيلي، مؤكدة أن تصريحات باراك، وزير الحرب السابق، قد ألقت بالكرة فى ملعب رئاسة الأركان حول مدى ضرورة إطلاق الصاروخ فى هذا التوقيت وجدواه أم لا! ويبدو من لهجة الصحيفة العبرية أن هناك خلافات عميقة داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، ربما نتيجة لسقوط الصاروخ السورى المضاد للطائرات على الأرض، إذ كان من الممكن تفجيره فى الجو، حتى لا يؤثر على السكان! وحتى لا تثار القضية على نطاق واسع فى بلاده، رد عضو الكنيست عومير بار ليف (عن حزب العمل) على رؤية باراك باعتراضه على الدفاع عن التجمع الصهيونى أمام سوريا، موضحًا أنه من الأفضل إطلاق الصاروخ «حيتس»، حتى إن تجربته كانت ممتازة، ولا يمكن السكوت على مهاجمة إسرائيل مرة أخرى، مما يلمح إلى أن سوريا من حقها التفكير جيدًا فى الرد مجددًا على الطائرات الإسرائيلية فى حال مهاجمتها، وهو أمر محرج فى ظل استمرار التنسيق الأمنى بين الطرفين، الإسرائيلى والروسي، وكذا فى ظل الاحتراب السورى الداخلي! من ناحيتها، رأت صحيفة «معاريف» العبرية أن الرد السورى كان حادثة خطيرة سيؤثر مستقبلا على الأمن القومى الإسرائيلي، ومن الممكن أن نشهد مواجهات بين الجيش السورى بمساندة من حزب الله مع الجيش الصهيوني، وأن تل أبيب ليست فى حاجة إلى فتح جبهة جديدة، ربما تكون الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية قبل ست سنوات كاملة. وحذرت الصحيفة العبرية بلادها من مخاطر أى هجوم قادم محتمل من سوريا، على اعتبار أن دمشق يمكنها إطلاق صواريخ أخرى مماثلة تصيب من خلالها المئات من الإسرائيليين! ومن هنا، فإن الاهتمام الصهيونى برد نظام الأسد الواضح على المقاتلات الإسرائيلية المغيرة على الأراضى السورية تراه تل أبيب بمثابة بداية جديدة فى العلاقات السورية الصهيونية، من الممكن أن يؤثر بالسلب على الأمن القومى الإسرائيلي، وما نذير الخلافات بين القيادات العسكرية الصهيونية حول الصاروخ السورى إلا أنموذجًا واضحًا لمدى الرعب من مجرد إطلاق صاروخ سورى واحد، فى وقت اهتزت الجبهة الداخلية الصهيونية من مجرد تناثر بقايا هذا الصاروخ، ليتأكد، مجددًا، بأن الداخل الإسرائيلى مجرد « شبكة عنكبوت «، وجبهته الداخلية مهترئه، وهو ما يظهر من تصريحات عنترية مجرد « صوت عالٍ «!