الحد الأقصي للدخل الكارثة التي قادت نظام مبارك الي الهاوية هي هذه الفجوة المفزعة بين دخول القادرين والكادحين, ففي بلد يهرول فيه الشاب العاطل وراء وظيفة يتقاضي عنها ثلاثمائة جنيه شهريا, نجد علي الجانب الآخر من يحصل علي نفس هذا الرقم في الساعة الواحدة, ونجد الموظف الحكومي الذي يظل يتفاني في عمله يرصد حوله من يحصل علي دخل شهري يفوق ما تقاضاه هذا الموظف طوال مشواره المهني, وعلي مدي ما يزيد عن أربعين عاما كاملة. لقد كان الحد الأقصي للدخل في الستينيات يبلغ أربعمائة وستة عشر جنيها, أي ما يعادل خمسة آلاف جنيه سنويا, واذا قلنا أن الجنيه في الزمن الماضي يعادل مائة جنيه بأسعار هذا الزمان, فلنقل هنا إن الحد الأقصي للدخل يتعين أن يستقر عند رقم الأربعين ألف جنيه شهريا.. لقد سمعنا في عهد مبارك ووفقا للمجاملات والمحسوبيات عن مستشارين لا عمل لهم يتقاضون ثلاثمائة وأربعمائة ألف جنيه شهريا, فماذا نتوقع هنا من أصحاب الدخول الدنيا تجاه هذا الخلل سوي السخط والكراهية والحقد, لقد رأينا علي الشاشة الصغيرة موظفا يعول وهو يبكي لأن دخله الشهري مائتا جنيه فماذا يفعل بها وكيف يطعم أبناءه. القضية ليست فقط في رفع الحد الأدني للأجور وانما أيضا وهو الأكثر أهمية, في تحجيم هذه الدخول المنفلتة الطفيلية التي لا مبرر لها ودون ذلك, فالعدالة غائبة والانتماء مفقود والكراهية طاغية بين طبقات المجتمع وحتي لو انتقلنا الي القطاع الخاص فلا مبرر أيضا لانفلات هذه الدخول تحت دعوي أن أصحابها مبدعون, فهم ليسوا جهابذة, فلم يعد مقبولا أن نجد بين أهل الفن من يتقاضي عن الفيلم الواحد ثلاثين مليونا أو فنانة تتقاضي عن مسلسل سبعة ملايين أو رئيس أحد البنوك الاستثمارية راتبه شهريا مليون ونصف المليون أو لاعب كرة يشترط قبل توقيع العقد ثمانية ملايين في العام وهو شاب في مقتل العمر, بل مذيعا بلغ دخله السنوي تسعة ملايين, وهذا كله في بلد تقع فيه صدامات دامية في طوابير الخبز.. الأمر أصبح يتحتم معه التدخل الضريبي وفرض الضريبة التصعدية لتصل الي سبعين في المائة لوضع حدود لهذا الانفلات. هذا اذا أردنا أن نعيد العدالة التي غابت عن مجتمعنا علي مدي ثلاثين عاما. [email protected]