يتأثر القرار السياسى مثل أى قرار آخر يصدر عن شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص بعوامل كثيرة منها ماهو شخصى بحت أو ما هو عام. أستاذ بكلية طب الأزهر الطب النفسي وكمبريدج بالمملكة المتحدة ويتأثر الانسان العادى عند اتخاذ قرار متعلق بحياته أو مستقبله بعوامل مختلفة لعل أهمها طبيعة شخصيته.. خبراته المهنية وكذلك خبراته الانسانية، لكن من أهمها فى رأيى مرحلة العمر! وكذلك تشير البحوث النفسية الاجتماعية إلى تأثر الشخص العادى بأحداث الطفولة الطيبة والسيئة عند اتخاذ قرار مايتعلق بمستقبله سواء فى فترة الشباب أو كبر السن. ويمر الانسان بمراحل تطور مختلفة تتسم كل منها بصفات وخواص معينة. ففى فترة المراهقة تكون السمات والصفات العامة هى الاندفاع الذى يصل إلى حد التهور أحيانا. ويكون التمرد هو إحدى الصفات الأساسية فى هذه المرحلة. ومن صفات هذه المرحلة بالاضافة إلى صفات التمرد والاندفاع التصادم مع الآخرين وقبول المخاطر فى اتخاذ القرار. وهناك أيضا التشوش وعدم وضوح الرؤية وصعوبة الاختيار واتخاذ القرار فيما يتعلق بالمستقبل. وتتسم مرحلة فترة العشرينات من العمر بالانغماس الدءوب فى الانجاز التعليمى أو المهنى. ففى هذه المرحلة يكون العامل الهام فى شخصية الشاب العشرينى هو كثير من العمل والطاقة لاكتساب شهادة تعليمية أو خبرة مهنية.... أما فى مرحلة العمر من الثلاثينية فيكون تركيز الانسان على بناء مستقبله المهنى أو الشخصى.. وفى مرحلة الأربعينات من العمر يكون الشخص العادى قد استقر على مهنة ووضع اجتماعى ثابت.. ويكون همة الأول المحافظة على هذا الوضع والعمل على الوصول إلى قمة الانجاز فى هذا المجال. وتكون صفات مرحلة الأربعينات مزيجا من العمل الدءوب الأقل اندفاعية، الطموح.. لكن التصادم مع الاخرين يقل وكذلك اتخاذ قرارات ذات صفة المخاطرة.. لكن مرحلة العمر فى الخمسينات والاربعينات تفتقد كثيرا من الاندفاعية والمواجهة ويكون أقل اندفاعية وتطرفا. أما فى مرحلة العمر فى الخمسينات وبداية الستينات فيكون هناك نوع من الاستقرار المهنى والنفسى.. ويكون هناك نوعا من التقييم الذاتى لما تم انجازه فى الحياة سواء على المستوى المهنى أو الشخصي، فإما بالرضا أو عدم الرضا وهى المرحلة التى تظهر فيما مايسمى بأزمة منتصف العمر. أما فى مرحلة الستينات فيكون الشخص فى نهاية مرحلة انجازه المهنى أو العلمى أو الشخصى.. فهو الان لديه مهنة محددة... اكتسب فيها الكثير من الخبرة ولديه الآن أبناء وأسرة وقد وصل لنهاية مايسمى بمرحلة الانجاز فى حياته. ويتسم قرار الشخص فى هذه المرحلة بالبعد عن المواجهة وعدم التصادم مع الاخرين، قلة الطموح، البطء فى اتخاذ القرار، البعد إن أمكن عن اتخاذ قرارات شخصية أو مهنية تتسم بالمخاطرة وعدم الأمان.. وتكون اتجاهات الانسان الشخصية نحو مزيد من الخبرات الروحانية أو الدينية ويتأثر أيضا بالأمراض العضوية الغالبة فى هذا العمر (سكر. ضغط، رومايتزم... الخ) أما مرحلة السبعينات من العمر ومابعدها فهى امتداد لمرحلة نهاية الستينات ويظهر فيها صفات الاستماع أكثر للآخر، انعدام الرغبة فى التصادم والمواجهة أو اتخاذ قرار يتسم بالمخاظرة، بطء عملية التفكير، فيأتى القرار دائما بعد انتهاء الحدث ولايكون مواكبا له. وتكون فكرة الموت إحدى الأفكار اللاشعورية التى تؤثر فى اتخاذ القرار. فيميل الشخص أحيانا مثلا عند اتخاذ قراره إلى تغليب العامل الروحى أو الدينى أو الإنسانى أكثر من الجانب العقلى أو الموضوعى وتكون قرارات الانسان متأنية غير حاسمة ولايقبل التحدى أو الاندفاع. ويتأثر القرار السياسى للشخص سواء كان زعيما، ملكا أو رئيسا بمرحلة العمر الذى يمر به. فإذا كان القائد أو الرئيس فى مرحلة السبعينات مثلا فإن قراره السياسى سوف يكون دائما قرارا يتوخى ويتجنب الصدام، يقل فيه الطموح والاندفاع... سوف يأخذ وقتا أطول فى التفكير فيأتى القرار السياسى أحيانا غير مناسب للحدث وقد لايستجيب بقرار سياسى حاسم لأزمة سياسية طارئة بل ويحتمل أن يستجيب للأزمة السياسية بطريقة بطيئة وغير حاسمة. إن مجموعة من السياسيين فى نهاية الستينات وبداية السبعينات من العمر قد تكون مجموعة قيادية مناسبة لفترة تتسم بالهدوء والاستقرار وعدم وجود أزمات طارئة أو مواجهات اجتماعية أو سياسية صارخة لكنها سوف تتسم أيضا بقدر هائل من البطء فى اتخذ القرار وقلة الطموح...، عدم الحسم......، وضعف القدرة على المواجهة والأشد خطورة هو عدم اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب. إننا نظلم المجلس العسكرى الحاكم فى مصر الان.. اننى أسمع كثيرا من الأقاويل بأن أعضاءه غير وطنيين أو أنهم متواطئون مع النظام السابق. إننى فى يقينى أن أعضاء المجلس العسكرى هم من المصريين الشرفاء الذين يحاولون بذل أقصى الجهد فى اتخاذ قرارات صائبة تكون فى مصلحة الوطن ولكن لنكن عمليين إن رئيس المجلس العسكرى قد وصل إلى نهاية السبعينات تقريبا من العمر وأن حوالى 51 من أعضاء المجلس العسكرى هم من المستشارين لرئيس المجلس وغالبيتهم ممن وصلوا إلى قمة الانجاز العسكرى والمهنى وقد عينهم وزير الدفاع مستشارين له، أى أن أغلبهم فى نهاية الستينات وبداية السبعينات من العمر. أما الأعضاء الآخرون للمجلس العسكرى وهم من قادة الجيوش وأفرع القوات المسلحة فهم أيضا فى مرحلة عمرية بين نهاية الخمسينات ومنتصف الستينات إن القرارات السياسية لأشخاص تعدوا الستينات والسبعينات سوف تكون بالضرور بطيئة، غير حاسمة لاتأتى فى الوقت المناسب، تتجنب المواجهة تعمل بكل جهد عن البعد عن اتخاذ أى خطوة يمكن أن تكون لها بعض المخاطر. إننى أتساءل هل آن الأوان أعتقد أنه آن الآوان أن يقوم المجلس العسكرى بتغيير تركيبته.