شئ مهم أن نعرف شيئا عن الخريطة الحزبية فى المرحلة المقبلة.. نتوقعها أو نرسم معالمها إن استطعنا. قبل الثورة كانت أهم ملامح هذه الخريطة تتمثل فى تعددية مزيفة، ونظام حزبى مريض: بنيويا وأيدولوجيا. كانت تعددية مزيفة لأن الأحزاب التى كان مرخصا لها بالعمل لم تشمل كل التنظيمات السياسية العاملة فعلا، فقد ظلت جماعة الإخوان وعدد من الأحزاب التى لم تنل موافقة لجنة الأحزاب خارج السياق. وكانت كل هذه التنظيمات المرخص لها بالعمل وغير المرخص أقل من حقيقة التعددية السياسية الناشطة، ومن ثم ظل هناك المستقلون الذين لم يجدوا تمثيلا لهم فى هذه التنظيمات. وكذلك كانت التعددية السياسية الناشطة بكل أطيافها المذكورة أقل من التعددية السياسية الموجودة فى المجتمع، وعليه ظلت الأغلبية الصامتة خارج منظومة العمل السياسى. وبعبارة أخرى فقد تم اختزال التعددية السياسية عدة مرات حتى باتت لا تعبر إلا عن قلة قليلة، الآن بعد فتح الباب لحرية تكوين الأحزاب المفترض ألا تعود هذه المشكلة مرة أخرى، ونأمل جميعا أن تكون الخريطة الحزبية الجديدة ممثلة فعلا لكل القوى والتيارات الموجودة فى المجتمع. لكن ثمة تخوفات مشروعة يبديها البعض، تتمثل فى أن قانون الأحزاب الجديد قد بالغ فى اشتراطه لعدد خمسة آلاف عضو لتأسيس حزب مما يعرقل قيام الأحزاب من وجهة نظرهم، وفى رأيهم أنه ليس هناك ما يمنع أى فئة مهما كان عددها قليلا من تكوين حزب، فربما يكون لديها مبادرة أو توجه معين. وأعتقد أن هذا الفهم لحرية تكوين الأحزاب فهم خاطئ، وأن ما يقولونه وارد وضرورى فى مجال حرية التعبير، أما فيما يتعلق بحرية تكوين الأحزاب فلابد من ضوابط من أهمها ضمان الجدية. والجدية التى أقصدها هى ضرورة تعبير الحزب عن شريحة عريضة من المجتمع بحكم أن مهمة الحزب هى تجميع المصالح، ثم ضرورة أن يمتلك الحزب رؤية متكاملة لإدارة شئون البلاد وليس مجرد أفكار، ذلك لأن الحزب يسعى الى السلطة وهذا شرط أساسى فى تعريفه، وعليه لابد أن يطرح على الجماهير ما سيفعله إذا ما وصل السلطة وهذا شرط أساسى فى تعريفه، وعليه لابد أن يطرح على الجماهير ما سيفعله اذا ما وصل الى السلطة أو حصل عليها وفى قانون الأحزاب الجديد ما يثير التساؤل حقا، قد نفهم منطقية منع تكوين الأحزاب على الأحزاب على أسس تقليدية كالعرق والدين واللون والجنس، ولكن ما هى العبرة من منع تكوين الأحزاب على أساس طبقى؟ ولماذا لا يكون للكادحين أو للفلاحين أو العمال أو حتى الأغنياء أحزابهم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى نخشى أن تستطيع بعض القوى التى تستخدم الدين فى العمل السياسى تجنيد أعداد كبيرة دون أن تكون هى بالضرورة الممثل الحقيقى لهم. بعبارة أخرى فى ظل الظروف الحالية يستخدم البعض الرموز الدينية فى جذب المؤيدين لا سيما أنهم يصورون المواقف السياسية على أنها نصرة للدين الإسلامى، وسوف يشوه ذلك حقيقة التعددية. لكن الأمر الأهم هو أننا قد نعود الى نظام حزبى مريض كالسابق. ما يمكن أن نتوقعه فى الخريطة الحزبية الجديدة هو هيمنة التيار الدينى على النظام الحزبى من ناحية، وعودة الاستقطاب الذى سوف يظل هذا التيار طرفا أساسيا فيه ضد التيار الليبرالى وقد يكون معه اليسار من ناحية أخرى. وفى هذه الحالة يصبح لدينا خريطة حزبية قد لا تختلف كثيرا فى جوهرها عن الخريطة السابقة على الثورة. وفى كل الأحوال فإن توظيف الدين فى العمل السياسى مسألة خطيرة سواء بالنسبة للتعددية التى نريدها حقيقية أو بالنسبة للنظام الحزبى الذى نأمله صحيحا لا معتلا. وفى تقديرى أن الحل بسيط بقدر ما هو لازم ومطلوب.. بسيط اذا ما عرفنا «العلة» وهى غياب «الاتفاق العام» consensus، الذى يجب أن يتوافر عليه أى مجتمع، فهو بمثابة الخطوط العريضة والمبادئ الأساسية التى تشكل الغايات الكبرى للأمة، وبالتالى المصالح العليا للوطن ومن ثم التوجهات الأساسية للدولة، وعودة الى الحياة الحزبية قبل الثورة كان غياب هذا الاتفاق يعنى الاختلاف الجذرى بين الأحزاب فى المرجعيات، وبالتالى فى الأسس العريضة، ورغم ذلك وللغرابة والدهشة كان الجميع يتفق فى التفاصيل والسياسات. ومعنى ذلك أنه لابد من الاتفاق العام أولا، وبالمناسبة فقد نادى به كثيرون تحت مسميات مختلفة «وثيقة أو مشروع وطنى أو ميثاق أو رؤية وطنية أو قومية..». هذا المشروع الوطنى يعد بمثابة المرجعية الأساسية لكل القوى السياسية والتى يجب ألا تخرج عنها برامج الأحزاب، وفى إطاره وداخل حدوده تتباين برامج الأحزاب وتتنافس فى كيفية تحقيق الغايات الكبرى للوطن بما تقدمه من سياسات. وأظن أن إقامة حياة حزبية دون وجود هذا الاتفاق العام، وبالتالى دون حسم التوجهات الأساسية سوف يعيدنا الى سابق العهد قبل الثورة وربما أسوأ. المزيد من مقالات د.صلاح سالم زرنوقة