شاع استخدام مصطلح رقصة الكابوكي في السياسة الغربية حديثا بعد أن استخدمه معلق سياسي في الثمانينيات للتدليل علي السيناريوهات السياسية المتوقعة سلفا في إشارة إلي الرقصة اليابانية الفلكلورية الشهيرة المحفوظة القسمات والحركات دون تغيير كبير أو مفاجآت صارخة. ومعني كابوكي باللغة اليابانية( رقص وغناء ومهارة). اليوم تتحرك السياسة الداخلية الأمريكية في سيناريو معروف عن رئيس قلق ومتوتر من وطأة الهجوم عليه من الخصوم المحافظين, والليبراليين المحبطين من رئاسته, ويعلم أن الاقتصاد صار هو مقتله حيث يستخدمه المحافظون للنيل من فرص فوزه بفترة رئاسة ثانية, غير أن العرض السياسي نصه معروف سلفا خاصة عندما يمس حياة الغالبية الكاسحة من الأمريكيين! الأجواء الحالية تبدو معاكسة تماما للرئيس الأمريكي باراك أوباما, فقد تدهورت أرقام التوظيف ولم تعد الحكومة قادرةعلي الوفاء بالتزامتها.. فبات عليها رفع سقف الدين قبل الثاني من أغسطس من أجل المزيد من الاقتراض وفقا للقوانين الفيدرالية التي تتيح للحكومة الاقتراض لتمويل البرامج التي وافق الكونجرس عليها بالفعل في وقت سابق. وقد وافق الجمهوريون علي رفع سقف الدين أو مستوي اقتراض الحكومة في أبريل الماضي لتجنب ما يسمي بإغلاق الحكومة, وقالوا إنهم لن يقبلوا رفع السقف مجددا مالم تقم إدارة أوباما بخفض الانفاق العام بمقدار تريليوني دولار. وقد أقدم أوباما علي خطوة استباقية في مطلع يوليو بعرضه خفض العجز المالي بمقدار أربعة تريليونات دولار من برامج الرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي ومعالجة ثغرات في الضرائب. ورغم أن رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر أعرب عن اهتمامه بالصفقة إلا أنه تراجع تحت وطأءة هجوم المحافظين الرافضين لأي زيادة في الضرائب, وتحت ضغط غلاة الجمهوريين خاصة تيار حزب الشاي اليميني تراجع المعتدلون من الجمهوريين عن الحديث عن صفقة وعرض السيناتور تيم ماكدونال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ أن يقوم الرئيس من نفسه برفع الانفاق بمقدار تريليونين ونصف التريليون دولار علي ثلاث مراحل في خلال عام, وهو ما تحفظ عليه الديمقراطيون بدورهم لأنه ليس حلا نهائيا, خاصة أن سقف الدين ارتفع89 مرة في مدة سبعين عاما منها18 مرة في عهد رونالد ريجان الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ الجمهوريين, وفي مباراة سياسة واضحة, حدد الجمهوريون في الكونجرس سقف الاقتراض الحكومي في العام الماضي ب3.14 تريليون دولار ولكنهم قاموا في المقابل بعمليات تشريعية متتالية لخفض الضرائب ورفع الانفاق وهو ما جعل واشنطن غير قادرة علي مواجهة الانفاق العام, وبالتالي تراكم الدين.. وما يبرهن علي نوايا الجمهوريين أنهم وافقوا علي موازنة العام الجديد التي تضمن رفع سقف الدين إلي23 تريليون دولار بحلول عام2021 إلا أنهم اليوم يرفضون أن يتمتع أوباما بميزة تمتع بها الرؤساء الجمهوريون قبل الديمقراطيين ويرون أن الخطوة الأولي أن تتعهد الإدارة بخفض هائل في الانفاق. اللعبة تبدو ظاهريا خارجة عن الحسابات بين الجمهوريين والديمقراطيين وسط جدل عنيف فوق صفحات الجرائد وعلي شبكات التليفزيون بينما المفارقة أن غالبية الرأي العام الأمريكي لا يفهم المقصود بسقف الدين! فالجانبان يعقدان اجتماعات اتسم معظمها بالتوتر حيث طلب الرئيس أوباما رفع سقف الدين لتجنيب الاقتصاد الأمريكي كارثة في غضون أسبوعين فقط, من نتائجهت المباشرة التوقف عن إرسال شيكات الضمان الاجتماعي ودفع رواتب الجنود فيما يرفض الجمهوريون الصفقة مع الرئيس قبل أن يوافق علي خفض الانفاق العام وهو ما يرونه نقطة ضعفه الكبري بعد أن أنفق المليارات في خطة الحفز الاقتصادي بعد الأزمة المالية العالمية ولم يترتب علي الانفاق توفير مزيد من فرص العمل بل العكس حيث ارتفع مؤشر البطالة إلي2.9% في بيانات شهر يوليو الحالي. ويتسم أداء الجمهوريين بالتوتر ويصرون علي مواجهة الرئيس أوباما بطرق معتادة مرسومة سلفا مثل الكابوكي حيث يرفضون رفع الضرائب بناء علي رغبة الديمقراطيين ويصرون علي خفض الانفاق وهو ما يراه أوباما يلحق ضررا بحركة الاقتصاد ويدفعه لمزيد من الركود وفي نهايةالمطاف سوف يرفع الكونجرس السقف لتجنب التداعيات المدمرة. بشكل مبسط, رفع إدارة الحكومة الأمريكية لسقف الدين يشبه حيازة شخص لبطاقة ائتمان بمبلغ10 آلاف دولار علي سبيل المثال ثم صرف الشخص رصيده كاملا, والفارق أن رصيد الحكومة الأمريكية كان3.14 تريليون دولار انفقته بالكامل حتي16 مايو الماضي ثم سحبت من رصيد إضافي في مجلس الاحتياطي الفيدرالي(100 مليار دولار) ينتهي هو الآخر في الثاني من أغسطس تقريبا حتي, حتي أيام قليلة, كانت الحكومة الأمريكية تقترض من الأسواق المالية بأقل فائدة في العالم بالنظر إلي امتلاك الولاياتالمتحدة أقوي اقتصاد عالمي, ومادام دخل الشك في قدرة واشنطن علي السداد فإن البنوك المقرضة سوف تتراجع وتفرض فائدة أعلي, وقد كانت خطوة وكالة موديز انفستورز للتصنيف الائتماني في أواخر الأسبوع المنصرم من تخفيض لتصنيف وضع الحكومة الأمريكية معبرة عن ورطة من تأثر المواطن العادي من جراء ارتفاع التكلفة واحتمالات فقدان وظائف أيضا. الرئيس أوباما يسحب الجمهوريين إلي نهاية الفترة الحرجة وربما يريد أن يقترب بهم من نهاية يوليو الحالي دون اتفاق, ثم تحت وقع الحرج السياسي يخضع الجمهوريون لتسوية سياسية تراعي مصالح المواطن الأمريكي وإلا سيخرج الديمقراطيون علي الرأي العام ليحملوا خصومهم المسئولية وينقلب المواطنون علي الجمهوريين في مسألة رفع الضرائب سيعرضهم لخسارة كبيرة في المصداقية وهم الذين ينفقون وقتا طويلا في الهجوم علي أفكار الديمقراطيين في شأن زيادة الضرائب وتوسيع دور الحكومة من خلال زيادة الانفاق العام, في المقابل, يعتبر الديمقراطيون تقليل الانفاق العام خنقا لاقتصاد البلاد. وعلي الحكومة أن تكون صاحبة المبادرة بطرح مشروعات, ومساندة أخري في القطاع الخاص, من أجل بث الثقة في الأسواق كل طرف يحاول أن يربح سياسيا علي حساب الآخر إلا أن البيت الأبيض والجمهوريين محكومان بدوائر أكبر يدور فيها الاقتصاد الأمريكي ويتبعه الاقتصاد العالمي أيضا, وهو ما يجعل الكابوكي السياسي هو العرض المسرحي الأكثر اقناعا!.