كان من حظي، أو سوء حظي، انني حضرت بعض عروض مهرجان القاهرة الاول للمسرح التجريبي قبل أكثر من عشرين عاماً. وقد فاز العراق في تلك الدورة بالمركز الاول قبل ان يفوز في عام 2007 بالمركز الاول ايضاً ولكن في الفساد الاداري والحكومي. وتجنبت منذ ذلك الحين حضور أي عرض من عروض المسرح التجريبي، ليس لانه كما يقول بعض النقاد مسرح غير مفهوم، ولكن لأن ثقافتي المسرحية ما تزال دون مستواه. ويبدو انني لست الوحيد في ذلك، فخشبة المسرح الياباني مثلاً لا تعرف الا نادراً ما يسمي بالمسرح التجريبي أو الانماط الحديثة الاخري التي نقلها بعضنا عن الغرب بالمسطرة وحاول اقناعنا بقيمتها الفنية والابداعية. واذا كان بعض الفنانين العراقيين قد لجأ الي المسرح التجريبي في ظل النظام العراقي السابق ليقول مالايستطيع قوله في المسرح العادي اعتماداً علي الرمزية والكراسي والحبال والقهقهات، فما هو تفسير تمسكهم بهذا المسرح التجريبي بعد ان وهب البيت الابيض الحرية والديمقراطية للشعب العراقي علي طريقة البازار الايراني؟ لكن هذا الموضوع ليس سياسياً، خاصة وان مخرجاً مسرحياً كبيراً من مخرجي العراق الراحلين هو الدكتور جاسم العبودي طلب مني ان أمثل دوراً في مسرحية "هاملت" كان طلبة مدرستنا الثانوية الامريكية في بغداد ينوون عرضها علي خشبة قاعة الملك فيصل الثاني عام 1957 التي صارت بعد الثورة قاعة الشعب. وكان دوري في المسرحية التي قدمت باللغة الانجليزية، واحداً من الحراس وأردد كلما جاء ذكر اسم الملك: لونغ ليف ذي كينج! أي عاش الملك! وهي جملة أثارت الرعب في نفسي ولم أجرؤ علي الذهاب الي القاعة ولا المشاركة في المسرحية ودخول تاريخ المسرح من أوسع ابواب شكسبير. ومن يدري ربما لو أديت دوري في تلك المسرحية لاصبحت اليوم بشهرة ذلك الممثل المصري الطريف الذي لا يقول في كل مسرحياته الا كلمة واحدة حفظها الجمهور هي : يا حلاوة! مما يعجبني في اليابان ان شعبها متمسك بشخصيته الوطنية التراثية في المسرح الياباني. فهذا المسرح لم يتأثر الا بنحو محدود بافكار المسرح الغربي. إلا اني استدرك فأقول ان هناك فرقاً يابانية تقدم بعض المسرحيات الغربية الكلاسيكية لشكسبير وموليير وتشيخوف وتلقي اقبالاً من فئة الشباب بنحو خاص. والفنون المسرحية اليابانية فريدة من نوعها وهي تجتذب باستمرار اعداداً كبيرة من المشاهدين الاجانب الذين تبهرهم الزخارف الشكلية والالوان الكثيرة التي تتسم بها هذه الفنون، وأهمها "الكابوكي" و"نوه" ومسرح العرائس "بونراكو" وكلها تستند الي الرقص والغناء. والذي يشاهد هذه العروض المسرحية الشعبية يتساءل بدهشة: كيف حافظ اليابانيون علي فنونهم التقليدية بمثل هذا التقديس ولم يسمحوا لدورة الزمن ان تفعل فعلها فيه تشويهاً وتلطيخاً؟ الامر ليس صعباً، فقد فعلها الصينيون والهنود وبعض الافارقة ايضاً. والفنون التي لا تعبر جيداً عن بيئتها، كالسياسة الخائبة، تستعير اقنعة غيرها للحديث عن مشاكل وعلاقات ومشاعر وتعقيدات وتنظيرات لا وجود لها بين الناس فتخسر فنها أولاً وتخسر الناس ثانياً. ثم يأتي بعضهم فيزعم ان الجمهور سطحي لا يعرف دورنيزات وبيكيت وجيمس جويس ولويجي وبرانديللو ورومان رولان وجان انوي والمسرح التجريبي والمسرح التخريبي! كاتب المقال: كاتب عراقي