«الشهيد الحي».. هذا هو الوصف الذي يطلقه علي نفسه، وعلي أقرانه من مصابي الثورة، فقد ذاق طعم الموت، عندما أصيب بالرصاص الحي والخرطوش المحرم دوليا يوم جمعة الغضب، قبالة ميدان التحرير. للكن الله رد إليه روحه، ليصبح شاهدا علي ما حدث، ويكشف في هذا الحوار عن أنه لم يتصل به لا وزارة الصحة، ولا نقابة الأطباء، ولم تتحمل الحكومة المصرية جنيها واحدا في علاجه، برغم حديثها المستمر عن علاج مصابي الثورة، مؤكدا أنه لولا القلوب الرحيمة في مصر وألمانيا لمات مثلما مات كثيرون من مصابي الثورة في صمت. إنه الدكتور «مصعب أكرم الشاعر» طبيب القلب بمعهد القلب القومي، وأحد أبطال ثورة 25يناير، الذي أصيب برصاصتين من الرصاص الحي في قدمه، كسرتا عظمتي الساق اليسري، كما أصيب بأكثر من مائتي شظية، من الرصاص الخرطوش في أنحاء متفرقة من جسده، فأصبح لا يستطيع تحريك يده اليسري، ويشعر فيها بآلام لا تتوقف، لأن الطلقات تركزت حول العصب، ووجود ثلاث رصاصات في رئتيه ، وشظايا في كليته وأمعائه، وأخيرا: إصابته بجلطة في قدمه، مما دعا لعلاجه في ألمانيا. ومن هنا فتح الدكتور مصعب قلبه ل «تحقيقات الأهرام» في أول حوار يجريه مع صحيفة في العالم، وخص به، وبصور حصرية له، «الأهرام»، بعد أن ظل يرفض إجراء أي حوار مع أي صحيفة أو وسيلة إعلام مصرية أو ألمانية أو عالمية. وفي البداية يفسر الدكتور مصعب رفضه للحوارات الإعلامية بالقول:«حتي الآن مازالت الصحف والتليفزيون والبرلمان والأحزاب الألمانية تطاردني من أجل إجراء حوارات معي.. وأنا أرفض لأنني قادم للعلاج فقط، وليس للإعلام والشهرة.. كما أن ما حدث من إصابتي في الثورة هو جزء من كل، فالجميع ضحوا.. التضحية مسألة طبيعية.. وهناك من قدم تضحيات أفضل مني في أماكن أخري من الوطن.. فقد عشنا كتلة واحدة خلال الثورة، وانتصرنا بانكار الذات، وروح التفاني. هل هناك علامات أخري لهذه الروح الثورية التي رأيتها بين المتظاهرين؟ رأيت شابين يرفعان شابا، ويقذفان به إلي أعلي المدرعة التي كانت تطلق علينا القنابل المسيلة للدموع فوق كوبري قصر النيل، من أجل منع قائدها من الاستمرار في ذلك، بعد أن كدنا نهلك، وكلما ألقوا به عليها، ووقع من علي المدرعة، وأنقذاه من الوقوع تحتها.. كان يقول: «احدفوني جوه شوية.. احدفوني جامد»، فلم يكن يأبه بموته مقابل أن يحيا الآخرون. وفي الواقع لم نكن نتوقع أن تتعامل معنا وزارة الداخلية بهذا القدر من الدموية، وأن تعتبرنا أعداء.. حتي إنني رأيت ضابطا يخرج مسدسه، ويطلق رصاصة علي المتظاهرين، ويقتل الكثيرين، وهم يقولون: «سلمية.. سلمية».. فقد كان القتل جماعيا، وبدم بارد. وفي المقابل، عندما انسحبوا من أمامنا، قلنا: «ما حدش يلمس عسكري» دول مصريين زينا». وكيف يجري علاجك الآن بألمانيا؟ ومن يتكفل به؟ علاجي يتم مجانا علي نفقة المستشفي الذي أعالج به، وهو مستشفي فيفانتس في برلين، لذلك أوجه الشكر لمجلس إدارته الدكتور شميث رئيس قسم الشرق الأوسط، والدكتور نزار معروف فلسطيني الأصل، وغيرهما من أعضاء المجلس الذين لم يناقشوني في أي تفاصيل مالية، ووفروا لي سبل العلاج كلها بما فيها العلاج النفسي. كما أشكر معالجي الدكتور هانز جوزيف إيرلي رئيس قسم العظام لأنه رفض تقاضي أتعابه، وقال لي: «أعتبرك إنسانا مهما لبلدك، وبالفعل هم يعتبرون الأشخاص الأكفاء ثروة لبلادهم. وهنا يحمد الدكتور مصعب الله تعالي علي نجاح الثورة، ويحمده أيضا علي قضائه فيه. وكيف كان تعامل الدولة مع حالتك؟ يجيب بأنه لا وزارة الصحة، ولا نقابة الأطباء، ولا معهد القلب القومي الذي يعمل به، ولا الحكومة.. أبدي أي منهم اهتماما بعلاجه. ويضيف:أنه برغم أنه طبيب إلا أنه لم يتصل به وزير الصحة، ولا أي من موظفيها، كأن الأمر لا يعنيهم. ويتابع: الثورة لم تصل بعد إلي وزارة الصحة. ربما لم يكونوا علي دراية باصابتك؟ كيف، ولديهم إحصائية بعدد المصابين، وبيانات وافية عنهم، ثم إن والدي ووالدتي أبلغا الوزارة بشكل رسمي باصابتي. كيف؟ يوضح الدكتور مصعب أن النار أطلقت عليه من مسافة مترين فقط، وهو ممدد علي الأرض بعد أن ضربوه بالرصاص في قدمه، في محاولة متعمدة لقتله، فوضع يده علي رأسه لحمايتها من الرصاص الخرطوش، فناله من هذا الرصاص الكثير، مما صعب إخراجه من جسده حتي الآن. ويضيف، كانت الإصابة نحو الساعة الثالثة والربع قبالة المتحف المصري، ونزلة كوبري 6 أكتوبر، فنقلت إلي مستشفي دار الشفاء، حيث بقيت به ساعة ونصف الساعة فقط، قبل أن يتم نقلي للعلاج بمستشفي الهلال. وفي اليوم التالي علم والدي بالنبأ فجاء إلي المستشفي، فطلبت منه فورا أن يبلغ الادارة بمعهد القلب بأنني لن استطيع الوفاء بالنوبتجية الخاصة بي ذلك اليوم، لأنني مصاب.. احتراما لزملائي، والتزاما بأخلاق المهنة. فاتصل والدي صباح اليوم التالي (الأحد) بالدكتور عادل البنا مدير المعهد، وقال له إنني أبلغك رسميا باصابة الدكتور مصعب، وعدم تمكنه من المجيء للعمل بسبب الاصابة، وفي اليوم التالي اتصلت والدتي بالمعهد أيضا، وأبلغته إداريا بالإصابة. وماذا كان موقف نقابة الأطباء منك؟ كل ما وصلني منها هو «باقة ورد» من فرعها ببورسعيد، بعد نحو شهرين كاملين من إصابتي.. لقد كان بإمكانهم أن يخاطبوا نقابات العالم لعلاجي، وهذا لم يحدث.. وماذا كان موقف الحكومة؟ التجاهل التام. هل تغيرت المعاملة معك بعد مكالمتك الهاتفية مع برنامج محمود سعد علي قناة التحرير يوم 23مايو الماضي؟ هاتفني بعدها مباشرة المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، ثم كانت المكالمة الهاتفية الثانية بعدها بنصف ساعة من الدكتور عصام شرف، وقال لي: «أنا متأسف.. لأنني ما سألتش عنك». انه عذر مقبول وإن كان لا يخفف من آلام الإهمال.. فاقترحت عليه إنشاء صندوق لعلاج المصابين، وتجميع جهود مؤسسات المجتمع المدني تحت لواء هذا الصندوق، وتوفير حياة كريمة ووظائف للمصابين، وعمل حصر شامل بأعدادهم، لأن وزارة الصحة أعلنت أنهم ثلاثة آلاف فقط، في حين تقول منظمة العفو الدولية إنهم ثمانية آلاف، بينما تقول تقديرات لبعض منظمات المجتمع المدني إنهم نحو 11 ألفا. اذن ماذا ينقص مصابو الثورة حاليا؟ ينقصهم حق العلاج.. وحق العدل.. العلاج المحترم بكرامة، وتسفير الحالات التي تحتاج إلي العلاج بالخارج، مع إجراء حصر شامل للمصابين تشارك فيه جيمع القوي السياسية، مع تصحيح العمليات الخاطئة، لأن هناك قدرا هائلا من العمليات غير السليمة التي تم إجراؤها لمصابي الثورة في المستشفيات. وحق العدل.. بمحاسبة القتلة، وعلي كل فرد في النيابة أن يعلم أن هذه الأرواح استشهدت في سبيل رفعة البلد.