قلوب نزعت منها الرحمة, أطلقت الرصاص علي أبناء وطنهم العزل بلا رحمة وبمنتهي القسوة, ولم تفرق رصاصات الغدر بين شيخ أو طفل أو شاب, فقتلت المئات وأصابت الآلاف. بإصابات بالغة, وكان ذنب الأبرياء أنهم طالبوا بالحرية والعدالة الاجتماعية, هذا ما حدث خلال ثورة25 يناير العظيمة. علي النقيض, هناك قلوب أخري رحيمة, حاولت بشتي الطرق إنقاذ الحالات الصعبة المصابة, والعمل علي تخفيف آلامهم والسعي لتقديم الخدمات الطبية داخل مصر وخارجها, بل شاركت دول أجنبية في التكفل بعلاج مصابي الثورة علي أراضيها وفي مستشفياتها ومن أهم الدول, وأكثرها تعاونا في هذا المجال هي النمسا, التي سخرت مجهوداتها لإجراء عمليات جراحية دقيقة في مستشفيات متخصصة, وذلك مساهمة منها في العمل علي شفاء أبطال الثورة المصرية. الأهرام تابعت في4 مدن نمساوية هي فيينا ولينز, وستراسبورج واينزبروك, حالات المصابين المصريين, والذين يتم علاجهم في المستشفيات, ففي العاصمة النمساوية فيينا, هناك الدكتور كمال أنور والذي يبلغ من العمر58 عاما ويعمل بالتأمين الصحي في مستشفي الأطفال. ويبدأ الدكتور كمال حديثه عن إصابته يوم الجمعة28 يناير, عندما نزل من منزله بعد صلاة الجمعة في مظاهرة في اتجاه ميدان التحرير من منطقة المعادي, وكان شاهدا علي أحداث ووقائع كثيرة أهمها حادث السيارة الدبلوماسية التي صدمت المواطنين, واصابة العديد من الشباب بطلقات نارية, وحالات إغماء, مما دفعه هو وبعض المواطنين إلي إنشاء مستشفي ميداني في منطقة لاظوغلي لإسعاف المصابين ونقلهم الي المستشفيات. ويقول الدكتور إنه في تلك الأثناء وفي الساعة الثامنة مساء, ومع بدء عمليات القناصة, شاهد طفلا أصيب وملقي علي الأرض فهرع نحوه وحمله حتي يوصله الي مكان الإسعاف, لكن في تلك الأثناء أصابته رصاصة غدر, مما أدي الي حدوث نزيف حاد وأغشي عليه, واستطاعت أن تنقذه سيدة تحمل الجنسية الأمريكية, فأخذته بسيارتها وادعت لنقاط التفتيش أنه والدها ومصاب بأزمة قلبية, وذلك هربا من رجال أمن الدولة, حتي وصلت به الي مستشفي المنيرة, وأجريت له أكثر من عملية جراحية, إلا أن الأطباء أكدوا أنه لا أمل في علاجه. وأشار الي أنه لم ييأس حتي التقي بإحدي الجمعيات الخيرية, وأكدوا له أنهم علي استعداد تام لنقله الي الخارج بعد أن يتم عرض حالته علي الطبيب المتخصص في النمسا في حالته, وأخيرا جاء الرد بأن الطبيب المتخصص وافق علي علاجه, وتحدد السفر, والتقي بالطبيب, وطمأنه بأن العملية ستنفذ في شهر يوليو المقبل, ونسبة النجاح فيها ستكون كبيرة, مما أعاد البسمة والأمل له مرة أخري. طلق ناري في الرأس وفي مدينة لينز يرقد كريم سيد حجاجي من محافظة الاسكندرية, ويبلغ من العمر16 سنة, ويعمل في الرخام, وأصيب بطلق ناري في الرأس أدي ذلك الي فقده حاسة النطق والحركة. ويؤكد والد كريم الذي يرافقه في المستشفي, أن ابنه يوم الجمعة28 يناير كان في المظاهرة في شارع الرصافة بمنطقة محرم بك, وعند باب القسم, قام ضابط المباحث مصطفي الدامي بإطلاق الرصاص باتجاه كريم وشهد علي تلك الواقعة جميع أصدقائه, وتم نقله علي الفور الي المستشفي الميري, ووضع بالعناية المركزة لمدة52 يوما ولم تتحسن حالته. وفجر سيد حجاجي مفاجأة بأن مجموعة بلطجية مأجورة تتبع ضابط المباحث حاولت اختطاف كريم من المستشفي, حتي لا يحاسب الضابط, وهذه الواقعة حدثت3 مرات لولا تدخل القوات المسلحة في اللحظة الأخيرة, كما عرض أحد الأشخاص مبلغا ماليا ضخما للتنازل عن المحضر, إلا أننا بالطبع رفضنا, وبعدها تم نقله الي مستشفي قصر العيني الفرنساوي, وبعدها التقينا بأحد الأشخاص من جمعية خيرية أكد محاولة نقله للعلاج في النمسا. الإيذاء والإهمال النقطة الثالثة التي تحتضن المصابين هي مستشفي سالزبورج, والتي تبعد عن فيينا مسافة380 كيلومترا وبها مصابان, الأول هو محمود عادل عبدالرءوف ويبلغ من العمر19 عاما, وحاصل علي دبلوم ميكانيكا بحرية, ويروي كيف أصيب يوم2 فبراير( موقعة الجمل), أصب بطلق ناري في الفخذ اليمني, من نوع الرصاص الانشطاري, والذي أدي الي تهتك5 سم من العظم, وقطع العصب النصبي لقدمه اليمني. ويتابع محمود أنه تم نقله الي مستشفي قصر العيني, وأجريت له عملية جراحية, ولم تنجح ومن بعدها تم نقله الي سالزبورج, حيث أجري عملية لترقيع العصب, ويتبقي عملية أخري لرفع قدم الرجل. طالب فقد الحركة والبصر وفي اينزبروك المدينة التي تبعد600 كيلومتر عن فيينا, فيرقد فيها محمد ابراهيم سليمان الطالب بكلية الحاسبات والمعلومات بجامعة القاهرة, ويبلغ من العمر19 سنة, فتقول والدته التي ترافقه إن ابنها أصيب بطلق ناري في الرئة تحت القلب مباشرة, و15 شظية من الخرطوش في جميع أنحاء جسده, وفي المخ مما أثر علي العصب البصري, وأفقده القدرة علي الإبصار, والحركة والنطق, وتم نقله عن طريق إحدي الجمعيات الخيرية الي النمسا. إهمال علاج المصابين ويأتي خلف هذا العمل الإنساني مجموعة من الرجال والشباب والنساء المتطوعين من أجل خدمة أبناء الشهداء, من خلال جمعية مصابي ثورة25 يناير تحت التأسيس والنادي المصري في فيينا, الذي نسق لسفر هؤلاء الأبطال. الدكتور محمد شرف عضو جمعية مصابي الثورة, يؤكد أن هناك مأساة حقيقية تعرض لها مصابو الثورة, لأن الكثير منهم لم يتلق العلاج, وهناك من تم طرده من المستشفيات, أو تم التلاعب في تقاريرهم الطبية, وذلك حتي يتم الإفلات من العقاب, خاصة لرجال أمن الدولة وجهاز الشرطة الذي أطلق الرصاص. ويشير الدكتور شرف الي أن الرعاية الطبية في المستشفيات الحكومية لمصابي الثورة سيئة جدا, وهو ما يعد بالأمر الغريب, فالعديد منهم يموت بسبب العدوي أو الصديد أو القرح, فيجب علي الدولة أن تهتم بمن أصيب في هذه الثورة, وناشد ائتلاف شباب الثورة بالبحث عن زملائهم والوقوف بجانبهم, وضم مصابين في الائتلاف, حتي يتم تكريمهم بدلا من إهمالهم. وأوضح أن الوصول للمصابين كان في غاية الصعوبة في باديء الأمر, وذلك نظرا لعدم وجود تقارير واحصاءات كاملة عنهم, الأمر الذي عرقل كثيرا من عمل الجمعية إلا أن التنسيق الذي تم مع النادي المصري بالنمسا أسهم كثيرا في علاج الحالات الحرجة. دور الجالية المصرية بفيينا ومن جهته, أكد الدكتور مصطفي التلبي رئيس النادي المصري, والمنسق العام لعلاج المصابين في مستشفيات النمسا, أنه بعد أحداث الثورة حاولت الجالية المصرية تقديم شيء, فتم الاتصال بالهيئات العامة للخدمات الصحية في محافظات النمسا, وتقدم النادي بطلب لتوفير أماكن علاجية مجانية في المستشفيات التابعة لتلك الهيئات. وردت ولاية( تيرول) سريعا ووافقت علي علاج3 مصابين في اينزبروك, وتكفل النادي بتكاليف النفقات من تذاكر السفر والمرافقين, وحاولنا الحصول علي تقارير طبية للمصابين وخاطبنا العديد من الجهات حتي تم الاتفاق مع جمعية مصابي ثورة25 يناير, بعد أن تم نشر نداء في بريد الأهرام, وهنا استطاع النادي الحصول علي التقارير الكاملة, وتم تأسيس مبادرة المساعدات النمساوية لمصر, وأعضاء المبادرة النادي المصري وجمعية الصداقة العربية النمساوية, والمصرية النمساوية. وأشار الدكتور التلبي الي أنه من المتوقع أن يصل عدد الجرحي في النمسا الي50 حالة في القريب العاجل, تتكفل بهم الحكومة النمساوية, والنادي المصري بالنمسا, مؤكدا أن علاج المصاب الواحد يصل الي150 ألف يورو. ومن جهته, أكد السفير المصري في النمسا إيهاب فوزي, أن هناك تنسيقا بين سفارتي البلدين من أجل تسهيل استخراج التأشيرات للمصابين ومرافقيهم, كما يتم استقبال كل المصابين وقدم السفير شكره للجالية المصرية بالنمسا علي مجهودها الكبير والتفافهم حول المصابين. [email protected]