يوم18 مارس المقبل ستكتب شهاد ة وفاة رسمية لشركة النيل للكبريت التي تكاد تحتكر هذه الصناعة, ففي هذا اليوم ستتم تصفيتها وسيجد نحو1600 عامل أنفسهم في الشارع لينضموا الي طوابير العاطلين. وستجد أسرهم نفسها في طوابير المحتاجين, والمتوقع أن يلحق بهم5 آلاف عامل في الشركات المماثلة التي لن تستطيع الصمود. الكارثة أن شركات صناعة الكبريت الوطنية الأخري لا يوجد بينها ما يحل محل شركة النيل, وسيكون الطريق مفتوحا أمام واردات الكبريت الباكستانية التي سبق فرض رسوم اغراق عليها قبل7 سنوات ثم تم الغاء هذه الرسوم العام الماضي.. المستهلك المصري قد يلجأ إلي الولاعات ومعظمها صينية لكن المشكلة أننا كتبنا بأيدينا كلمة النهاية لصناعة وطنية! أسباب تصفية الشركة سنرصدها في هذا التحقيق: في البداية يقول المهندس عماد الدين مصطفي خالد العضو المنتدب لشركة مصرية لإنتاج الكبريت إن صناعة الكبريت في مصر انحصرت في شركة النيل للكبريت ومجموعة من الشركات الخاصة المملوكة لبعض البنوك, ولكن بعد انهيار شركة النيل للكبريت وهي شركة قطاع أعمال تابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية لم يتبق إلا مجموعة الشركات الخاصة التي بدأت هي الأخري تتراجع مكاسبها حتي وصلت إلي تكبد إحداها الكثير من الخسائر هذا العام, وسبب إفلاس شركة النيل وسرنا نحن الآخرين في الطريق هو ما نتعرض له من عمليات الإغراق بالكبريت الوارد من باكستان بصفة خاصة ومجموعة اخري من الدول بشكل عام, ولذلك نتمني فرض رسوم جمركية أو اتخاذ أي إجراءات ممكنة للحد من عمليات الإغراق حتي نتمكن من حماية الصناعة الوطنية, حيث إن ما يقرب من5 آلاف عامل يعولون خمسة آلاف أسرة مهددون بالتشرد لأن تلك العمالة تعتمد في دخلها علي صناعة الكبريت التي أصبحت تحتضر الآن لعدم وجود حماية. ويضيف أن الاستيراد الآن تجاوز50% من المعروض في السوق المحلية علي الرغم من أن الشركات الأهلية تملك طاقات إنتاجية متاحة يمكنها تغطية احتياجات السوق المحلية بجانب فتح أسواق خارجية للتصدير, وبالفعل نقوم الآن بعمليات التصدير للدول العربية والإفريقية والأوروبية بما يعادل5% من حجم الإنتاج المحلي, ولكن منذ عام2000 بدأ الاعتماد بصورة أكبر علي الاستيراد من باكستان, ويوضح أن استيراد الكبريت من الممكن أن يأتي من أي دولة من دول العالم ولكنه لا يعتمد علي مواصفات الجودة فيها, إلا أنه يلتزم بمواصفات الجودة للدولة المورد إليها المنتج فتكون المنافسة شريفة, فمثلا إذا كان الاستيراد من اوروبا فيكون مطابقا للمواصفات القياسية المصرية لذلك يكون سعره متوافقا مع السعر المصري, أما بالنسبة للمنتج الباكستاني فهو غير مطابق للمواصفات القياسية المصرية فهو بالتالي قليل التكلفة ومن ثم يستورد وبسعر متدن, لذلك تكون ضربة للصناعة المصرية في مقتل وخاصة أن السعر من أهم عوامل البيع داخل السوق المحلية خاصة أن الفارق يغري كثيرا من المستوردين وكبار التجار لتحقيق هامش ربح أكبر. ويتعجب عماد الدين مصطفي من التناقض العجيب بين فرض مواصفات خاصة لصناعة الكبريت علي المصنعين المصريين في حين أنه لا يلتزم بها المنتج الأجنبي, وعلي الرغم من استخدامها خامات رخيصة وأقل كثيرا من الجودة المصرية فإن دولهم تقدم لهم دعم التصدير الذي لا يتمتع بمثله المنتج المصري في الداخل!! وقف المصنع ويندهش المهندس الكيميائي خسام بدوي مدير مبيعات باحدي شركات الكبريت المصرية من أن الجهات الرقابية إذا وجدت مخالفة مصرية علي منتجنا المصري تأمر فورا بوقف إنتاج المصنع المصري حتي يتم الالتزام بالمواصفات وتصحيح المخالفات بالإضافة إلي توقيع غرامات مالية تأديبية. ويؤكد أنهم لا يعترضون علي الالتزام بالقانون ولكن يرفضون عدم تطبيق هذه الضوابط علي المنتج الأجنبي والذي تكتفي الجهات الرقابية بمصادرة العينة المخالفة فقط دون توجيه أي لوم للمستورد أو اتخاذ اي إجراء قانوني ضده لوقف استيراد هذه السلعة المخالفة. ويشير إلي أنه تم تحليل العديد من العينات المستوردة من خلال هيئة المواصفات والجودة والتي أثبتت عدم صلاحية منتج الكبريت المستورد خاصة عنصر الأمان بخلاف أبسط مواصفات الجودة. ويوضح أنه برغم استيرادها بسعر منخفض فإن المستهلك البسيط والعادي غير مستفيد لأنه يشتري الرديء بثمن الجيد, والفائدة تعود علي القطط السمان من المستوردين الذين يحققون هامش ربح كبيرا جدا علي حساب الصناعة المصرية والعمالة الوطنية وكذلك أمان المستهلك البسيط الذي يشتري المستورد بسعر المصري بلا فرق. قصة الإغراق ويحدد عبد الفتاح عثمان المدير المالي لإحدي شركات إنتاج الكبريت أن القانون يحدد ألا تتجاوز نسبة الإغراق عن2% من المعروض وهذا يخالف كثيرا ما نحن فيه الآن, فقد وصلت نسبة المستورد لأكثر من60% وكل ذلك يؤثر علي انخفاض حجم الإنتاج المحلي وزيادة المخزون, وبالتالي التأثير المباشر في انخفاض دخل العامل المصري. ويضيف عبد الفتاح عثمان أن الإغراق بدأ في عام2000 مع التزايد في استيراد الكبريت, ولهذا تقدمنا بشكوي لجهاز مكافحة الدعم والإغراق فتم فرض رسوم بنسبة36% تتناقص لمدة3 سنوات علي الاستيراد القادم من الخارج وهي رسوم وقائية, وفي عام2003 تم التحقيق وصدر القرار رقم667 لسنة2003 بفرض رسوم26% و29% لمدة خمس سنوات علي واردات الكبريت من باكستان, وكان من المفترض استمراره حتي عام2008 ولما تزايد الاستيراد من الهند عام2006 تم فرض رسوم علي وارداتها بقيمة1,75 دولار ثم2.13 دولار علي كل كرتونة تم استيرادها, أما باكستان فقد تقدمت بشكوي ضد القرار فتم إلغاء الرسوم علي باكستان وأصبح هناك سعر حكمي فتم إلغاء رسوم الإغراق في فبراير2009 وتم إلغاء السعر الحكمي بحجة واهية وهي أن الاستيراد لم يتجاوز2%, في حين أن الأوراق الرسمية الصادرة من الجمارك المصرية تؤكد أن الكميات الداخلة من استيراد الكبريت تتجاوز60% من حجم السوق! ويوضح أن كل ذلك أدي إلي انهيار صناعة الكبريت الوطنية في واحدة من أهم شركاته والتي خسرت رأس مالها بالكامل وهي شركة النيل الوطنية للكبريت, والتي كان بها1604 عمال هم إجمالي العاملين بها وستجتمع جمعيتها العمومية يوم18 مارس لاتخاذ قرار لتصفيتها.