ألغاز الموازنة جميل ان تنصاع الحكومة لرغبة الحوار المجتمعي في عدم التوسع في الاقتراض من الخارج لمخاطره الحالية والمستقبلية, ولكن هذا الانصياع يترتب عليه اجراء تعديلات جوهرية في الانفاق العام ثم البحث عن بدائل لتمويل العجز القائم في الموازنة بجانب المنح القادمة من الدول الشقيقة. وغير صحيح ان الموازنة الجديدة التي ينطلق العمل بها بعد ساعات تعد موازنة تقشفية فجملة مصروفاتها حتي بعد تخفيضها تزيد علي جملة المصروفات في الموازنة المنقضية كما انها تشهد زيادة في بابي الاجور والاستثمارات العامة فضلا عن زيادة الانفاق علي الدعم و الصحة والتعليم عما هو قائم في الموازنة الحالية, اما كيف سيتم تمويل كل ذلك في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة, فقد اعلنت الحكومة انها ستجمع ايرادات بقيمة 350 مليار جنيه وهو مايزيد بنسبة 20% علي ايرادات الموازنة الحالية, وذلك علي الرغم من تراجعها عن فرض ضريبة علي الارباح الراسمالية ومتجاهلة توقعات خبراء المالية العامة بانخفاض حصيلة الضرائب في العام المالي الجديد نتيجة انحسار النشاط الاقتصادي. الحكومة بجرة قلم خفضت عجز الموازنة الي 134 مليار جنيه من 170 مليارا في المشروع الاصلي بعد ان خفضت حجم الانفاق من 514 الي 490 مليار جنيه بجرة قلم اخري, وتبعا لذلك فقد تراجعت الحكومة عن الاستدانة من الخارج لسد العجز في الموازنة برغم توقيعها علي اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي قبل ايام, ورأي وزير المالية انه سيعتمد علي السوق المحلي لسد العجز في الموازنة رغم ان نصف اموال البنوك الآن تذهب لإقراض الحكومة.. فماذا سيتبقي اذا لتمويل النشاط الاقتصادي؟ ان اعداد الموازنة ليس عملا شعبويا يستهدف تصفيق الناس, وفي امريكا واليونان ودول اخري فإن إعداد الميزانية العامة يمثل أعقد نقاش سياسي بين الحكومات والشعوب فالموازنة ترسم حياة أمة في عام لأن الجميع سيتحملون أعباء تنفيذها.. وفي النهاية فإن الجميع سوف يجنون عوائدها اوعواقبها الاقتصادية. المزيد من أعمدة عماد غنيم