ما أشبه هيبة الدولة بالهيكل الخرساني لمبني عملاق, إذا شرخ أحد أعمدته سقط المبني كله علي رءوس كل من فيه. ان هيبة الدولة تمثل بواقع افتراضي مترامي الأبعاد في شكل كيان لا نهائي يجمع ما بين القيمة والقوة والسلطة والاحترام والخوف من اهانتها أو غضبها. والدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة. وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم, بالإضافة إلي السيادة والاعتراف بهذه الدولة, بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية, ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها. وينبغي التمييز بين الدولة والحكومة, رغم أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفات في كثير من الأحيان. فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة. حيث ان الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين, وهو ما يعني ان الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة وهيبة الدولة تأتي من قوتها داخليا وخارجيا بالمفاهيم العالمية المعترف بها وقانون صارم عادل لا يعرف الالوان يحكمها, وعدل حاد يضمن الأمن والأمان والقناعة والرضا, وعدالة اجتماعية تضائل الفوارق بين الطبقات لترتقي بالفقير وإن كان أساسها العمل المثمر والعطاء والانتاج هو المعيار, وتعليم متميز يفرز إنسانا ينتج ولا يستهلك, يحل المشاكل ولا يصنعها, يبدع لكي يحقق ذاته, واقتصاد قوي عنوانه التميز يؤدي إلي اكتفاء ذاتي ويفيض لصالح الاجيال القادمة, ومساندة المحتاجين من الشعوب. وفي ذات الوقت فإن هيبة الدولة لا تتحقق إلا إذا كانت شعوبها( وهي جزء منها) واعيه فاهمة واثقة في نفسها وتدرك واجباتها قبل حقوقها تحترم ذاتها تعي جيدا ثقافة الحديث والحوار وثقافة الهزيمة قبل الانتصار وثقافة المظاهرات والاعتصام وثقافة الاختلاف وثقافة الحقيقة وثقافة الديمقراطية وثقافة الحرية. وتدرك جيدا أن الحرية مسئولية قبل أن تكون حقا. أقصد أن تكامل الأدوار بين الشعب والدولة لازم لتحقق الهيبة غير ذلك يحتتم الخلاف والصراع بينهما لفرض الهيبة أو لفرض القانون بالقوة الشرعية وفي كل الأحوال فأن دافع ثمن فقدان الهيبة هو الشعب سواء كان ظالما أو مظلوما! ان المتابع والمراقب المخلص لما يحدث في الشارع المصري الآن يدرك ان هيبة الدولة في خطر وبالتالي الأمان في مأزق فلا يعقل ان اكبر ميادين مصر تغلق باسلاك شائكة في وجه حركة المرور بيد البلطجية. ولا يعقل أن تغتال حركة القطارات إلي الصعيد بسبب تغيير محافظ. ولا يعقل ان هناك من يهدد بقطع الكهرباء والمياه علي الوجه البحري. ولا يعقل أن أقسام الشرطة مازالت تهاجم بمئات البلطجة لتهريب المجرمين. ولا يعقل أن السجون مازالت تهاجم بمسلحين لتهريب المساجين. ولا يعقل أن قاعات المحاكم أن تتحول إلي مسرح للفتك والتدمير والبلطجة لحكم أو قرار قاضيا يغضب أيا من الأطراف. ولا يعقل أن الطرق السريعة تغلق بيد الغاضبين مهما كانت الاسباب. ولا يعقل ان توظف المليونيات إلي يد مرعبة لفرض رأي( بصرف النظر عن شرعيته من عدمه) علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة( الدرع الباقي) أو علي رئيس وزراء اختاره الشعب. ولا يعقل أن تتحول المستشفيات إلي ميادين قتال بدلا من جنات للرحمة والشفاء. ولا يعقل ان تتحول المساجد( بيوت الله) إلي اماكن لتصفية حسابات وفرض واقع. ولا يعقل ان تتحول الدولة المصرية إلي سوق كبيرة فوضوية لانتشار السلاح. ولا يعقل أن تكون البلطجة والبلطجية هي القوة الثانية علي أرض الواقع بعد الجيش ولا اتمني أن تتحول إلي الأولي ولكن يحدث بأذن الله حامي هذا الوطن الأمين. ولا يعقل بسبب فرد أسلم او تنصر يمزق نسيج الأمة. اللا معقول كثير وكثير ويبقي السؤال اين العقل والحكمة ومصلحة الوطن. اين القانون ومن يحميه وبدون قوة شرعية رادعة تحميه سوف تفقد السلطة صلاحيتها ومن بعدها هيبة الدولة. اننا جميعا يجب ان ندرك ان المخلصين ثاروا واستشهد من استشهد لكي يحرروا مصر من نظام فاسد اركع شعب مصر سنوات طوالا ومن ثم اصبحت مسئوليتنا جميعا كمخلصين لهذه البلد ان نتكاتف لاعادة هيبة الدولة ليس بأن ناخذ مكان الشرطة او الجيش بل لنسهم بعقولنا وايدينا واموالنا ونعلو بصوت الحق والصدق وقبل فوات الأوان.