من منطلق كون القدس قضية القضايا العربية, فإنه من المسلم به أن تتصدر تلك القضية أولويات أية أجندة عربية ابتداء من العمل الفلسطيني الموحد الي العمل الثنائي أو متعدد الأطراف, أو الجماعي علي المستوي العربي. ويبدو واضحا غياب تلك المسلمات علي أرض الواقع حيث تراجعت أولوية قضية القدس في كل دهاليز العمل العربي المشترك, ولم تكن احتفالية القدس كعاصمة للثقافة العربية لعام2009 إلا مجرد احتفالية محدودة لم تبرح آثار مراسم الاحتفالية مكانها الجغرافي, وكنا نعول كثيرا علي تلك الاحتفالية كنقطة انطلاق اعلامية وثقافية غير مسبوقة علي المستوي العربي والدولي ولم يتحقق هذا في الوقت الذي شهدت القدس خلاله اكثر وأعنف وأشرس مخططات التهويد ابتداء من محاولات شارون اقتحام المسجد الأقصي عام2000 إلي اسقاط حق الإقامة عن50 ألف مقدسي عربي يعيشون خارج الجدار في الفترة الأخيرة. يحدث هذا بينما وسائل الإعلام العربية تكاد تكتفي بالكلمات والأخبار الموجزة والمقالات والدراسات القليلة دون القيام بشن حملات إعلامية شاملة ومدروسة ومتكاملة ودورية تسهم في تعبئة الشعور العربي حول أولوية عروبة القدس في أجندة العمل العربي المشترك. ويخطئ من يعتقد ان احتفالية2009 للقدس كعاصمة للثقافة العربية كانت كافية, فالقضية المقدسية أحوج ما تكون الي أعوام أخري ولتكن احتفالية2009 نقطة انطلاق لعشرية قادمة للقدس تستمر حتي عام2019 أو حتي تحريرها إن شاء الله ولاعجب فإن جيل الأجداد نجح في تحرير المدينة المقدسة نحو40 مرة عبر ثلاثة آلاف عام. وقررنا في أعناقنا للعمل علي تحرير المدينة للمرة ال41, وما أحوج القدس حاليا وأكثر من أي وقت مضي الي عطاء محافل الفكر والعلم والتعليم والثقافة والاعلام العربية للرد علي مواجهة الحملات الاسرائيلية المتواصلة التي تتصدر مختلف وسائل الإعلام الأوروبي والأمريكي. وفي هذا السياق يمكن دراسة حالة راهنة أخفق العمل العربي المشترك في التعامل معها, وأعني بها مسألة الإعلان المشترك لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذي صدر مشروعه في أوائل ديسمبر2009 بشأن قضية القدس والمفاوضات, وبينما سارعت اسرائيل لممارسة ضغوطها علي الاتحاد الأوروبي حتي تم اجراء تعديلات علي المشروع الأوروبي تنسجم نسبيا مع الموقف الاسرائيلي, فإن العمل العربي المشترك افتقر الي اتخاذ مثل تلك المبادرة الاسرائيلية علي الرغم من أن مشروع التقرير الأوروبي قد أعلن عنه في وقت مبكر وتحديدا منذ23 نوفمبر2009 وأسرعت اسرائيل بالتشكيك في هذا المشروع وادعت انه يتنافي مع سياسة اللجنة الرباعية الدولية, وأشارت إلي ان المشروع السويدي الأوروبي محاولة لإحباط المحاولة الأمريكية لاستئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين وتسعي الي فرض تسويات واملاءات تتنافي والخط الذي ينتهجه الرئيس الأمريكي أوباما. جري هذا بينما افتقر العمل العربي المشترك الي اتخاذ المبادرة اساسا واضطر الاتحاد الأوروبي للاستجابة للضغوط الأمريكية والاسرائيلية لتعديل المشروع لصالح اسرائيل بصفة عامة. ومن المعروف أن الطرح الاسرائيلي جاء معاديا ايضا لمختلف المبادرات السابقة, وبدأ هذا الطرح الاسرائيلي بالترويج الاسرائيلي لتصوير النزاع في المنطقة علي انه حرب إسرائيلية ضد الإرهاب. ونجحت إسرائيل في توظيف أحداث11 سبتمبر الأمريكية لصالها وروجت بالفعل صورة مشبوهة رسخت عن العرب في الذهن الأمريكي وجعلتنا في موقف الدفاع عن النفس, وواصل الطرح الإسرائيلي المعادي للمبادرة العربية للسلام قبل دخولها مؤتمر القمة العربية, أي منذ أن أعلنها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز من خلال الظهور بمظهر الداعي الي السلام مقترحا مشاركته في قمة بيروت للتحدث مباشرة مع القادة العرب عما يمكن تحقيقه وزعم أن لديه خطة سلام تتكون من ثلاث مراحل: الأولي وقف إطلاق النار طبقا لتفاهم تينيت وتوصيات تقرير ميتشيل, والثانية اتفاق هدنة مرحلي طويل الأمد يتيح للسلطة الفلسطينية ترابط أراضيها جغرافيا من دون ترسيم الحدود. والثالثة تتمحور حول حدود نهائية للدولتين تحددها العلاقات المستقبلية وفق قراري مجلس الأمن242 و338 اللذين يتحدثان عن حدود آمنة ومعترف بها. ثم بدأ الطرح الإسرائيلي المعادي للمبادرة العربية للسلام بعد ساعات من إعلان قمة بيروت لها بإقدام شارون علي اجتياح رام الله وحصار الرئيس الفلسطيني عرفات في حجرة بمقر رئاسته, كما أعلن شارون رفضه أهم بنود المبادرة والخاصة بالانسحاب لحدود يونيو1967 وعودة اللاجئين الفلسطينيين, أما بالنسبة للمبادرات الأخري فإن اسرائيل لم تبد موافقة كاملة علي أية مبادرة أمريكية اللهم الا علي الشق الخاص الذي تراه لصالح تكريس الاحتلال, ويكفي الإشارة هنا إلي الهروب الإسرائيلي المنظم من تنفيذ مسئولياتها تجاه مبادرة خطة الطريق الأمريكية حيث تذرعت حكومة الليكود بالخلاف مع حزب العمل المشارك في الحكم ودعت الي انتخابات مبكرة في28 يناير2003 آنذاك. وفي ضوء الدروس المستفادة فمن الأهمية التسليم بأهمية التمسك بالمنهجية القانونية في التعامل مع قضية القدس من منطلق اننا أصحاب حقوق مشروعة, ومن الأهمية أيضا دعم مصادر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية للدول العربية, وأكد هذا استاذنا د.مفيد شهاب في مقاله المنشور بالأهرام القدس والقانون الدولي في منتصف سبتمبر2009 مشيرا الي ان التعامل مع التعنت الاسرائيلي والوقوف في وجه الممارسات العدوانية الاسرائيلية يتطلب تحركا مستنيرا, استنادا الي الأبعاد القانونية للقضية, ولعل هذا يدفع العمل العربي المشترك الي مراجعة وسائله وأهدافه. [email protected]